افتقد اللاعبون المحليون كل وزنهم تقريبا قياسا بوزن الحلفاء الداعمين لهم. هذا واضح من حال المعارضة السورية المسلحة التي تبدو مجرد أشباح عند وقف الدعم العسكري عنها. العربسلام السعدي [نُشرفي2016/12/17، العدد: 10488، ص(8)] في وقت مضى، تمتع طرفا الصراع العسكري في سوريا بدرجة عالية من الاستقلالية، وكان يمكن، في حال تخلى الداعمون الإقليميون والدوليون عنهما، أن يواصلا الحرب. أما اليوم، فالطرف الذي يخسر دعم حلفائه، ولو في موقع واحد أو لفترة محدودة، سيواجه ما هو أقسى من الهزيمة: مصيرا بائسا لا يمكن تخيله. وصلت درجة التأثير الخارجي على مجريات الحرب السورية مستوى استثنائيا. فالتحولات العسكرية الجارية، سنوات أو أشهر الحرب المتبقية، وشكل النظام السياسي الذي سينتج عنها باتت، جميعها، أسيرة سياسة التنشيط والتثبيط التي يتبعها حلفاء كل طرف. قبل نحو أربعة أشهر، نجحت فصائل المعارضة السورية في فك الحصار عن مدينة حلب. بدا الحصار حصينا وغير قابل للاختراق، ولكن، بمجرد أن أطلقت المعارضة ما سمته بـ“ملحمة حلب الكبرى”، حتى حققت أهدافها وكسرت الحصار خلال بضعة أيام وسيطرت على أعتى المواقع العسكرية للنظام السوري (مدرسة المدفعية، كلية التسليح ومبنى الضباط) والتي كانت السيطرة عليها طيلة سنوات الثورة حلما بعيد المنال. رغم كل الأسلحة المتفوقة التي يستخدمها النظام السوري وأفضلية الطيران الحربي، بدت المعارضة المسلحة كإعصار لا يمكن إيقافه. لا تخفي المعارضة أنها حصلت على دعم إقليمي “استثنائي” لإنجاز تلك العملية، ولكن، بمجرد انقطاع الدعم عنها، وحصول النظام على دعم “استثنائي” مماثل، تحول هو إلى إعصار مدمر لا يمكن إيقافه. تقدم في أحياء حلب وشوارعها الضيقة بسرعة قياسية، وسيطر على أكبر مدن الشمال السوري ليحقق نصرا عسكريا ثمينا ونصرا سياسيا لا يقدر بثمن. لا شك أن هنالك أسبابا داخلية ساعدت على سقوط حلب بيد النظام السوري وحلفائه، وخصوصا الانقسامات الشديدة بين الفصائل العسكرية التي وصلت إلى حد الاقتتال الداخلي في خضم المعارك مع النظام، ولكن العامل الخارجي يبقى هو الأهم، وخصوصا بعد الدخول المباشر لروسيا في الحرب السورية، إذ بات ميزان القوى العسكري يميل بصورة واضحة لصالح حلفاء بشار الأسد. بعد دخولها الحرب السورية في شهر سبتمبر من العام 2015، شنت روسيا وحلفاؤها هجوما ضخما على مناطق واسعة للمعارضة في ريف حلب الشمالي. بدا هجوما صاعقا في الوقت الذي تبخرت فيه قوات المعارضة السورية في مناطق كثيرة، وظهرت في مناطق أخرى في حالة ضعف لم يسبق أن كانت عليها من قبل. حققت القوات المهاجمة أهدافها في غضون أسبوعين. وقد شكلت تلك المعركة حجر الأساس في مخطط حصار حلب ومن ثم اقتحامها الذي جرى اليوم. روسيا، بشكل خاص، باتت حاسمة في الحرب ومسارها ولكنها لا تضع ثقلها بصورة متواصلة لتحقيق نصر عسكري نهائي للأسد. فمنذ تدخلها قبل نحو عام وثلاثة أشهر لم تدعم سوى بضع معارك حاسمة، ولم تعمم نجاحاتها العسكرية الساحقة والسريعة على كل المناطق. وهو ما قد يفسر بارتباطاتها السياسية مع أطراف إقليمية ودولية وضرورة تدوير الزوايا في هذا الشأن، بالإضافة إلى كونها غير جاهزة للدفع نحو نصر عسكري ساحق سيكلفها كثيرا فيما يحصد ثماره الأسد وإيران، إذ لم ترسخ نفوذها السياسي والعسكري في سوريا كما يجب. تحاول روسيا من خلال حملاتها العسكرية المدمرة والمدروسة بعناية أن تهدم العقبات التي تعترض طريق هيمنتها على ما قد تتمخض عنه الحرب. بهذا المعنى، يعتبر هدف دعم النظام بسيطا وساذجا، وإن يكن تحصيلا حاصلا ضمن حساباتها المركبة. افتقد اللاعبون المحليون كل وزنهم تقريبا قياسا بوزن الحلفاء الداعمين لهم. هذا واضح من حال المعارضة السورية المسلحة التي تبدو مجرد أشباح عند وقف الدعم العسكري عنها. في درعا، أوقفت المعارضة عملياتها العسكرية منذ أكثر من عام، ولا يبدو أنها بصدد استئناف العمل العسكري في وقت قريب. حال النظام السوري أفضل، ولكن ليس كثيرا، إذ أنه بات مضطرا للقبول بصفقات كانت غير متخيلة قبل عامين مثل دخول تركيا لشمال سوريا، وخروج المعارضة والمدنيين من حلب في وقت كان بإمكان قواته إكمال تقدمها وذبحهم جميعا، هذا فضلا عن المفاوضات السياسية والعسكرية التي باتت روسيا تجريها نيابة عنه. أخيرا، أدت الصفقة الروسية – التركية إلى تصاعد تأثير العامل الخارجي. رغم أن بنود تلك الصفقة غير معروفة حتى الآن، ولكن نتائجها تتكلم عنها: تدخل تركي في شمال سوريا بدعم روسي، مقابل تخليها التام عن مدينة حلب وتركها تواجه مصيرها المرعب. قد يكون الدور التركي أكبر من ذلك إذ أن دورها في سقوط حلب لم يكن فقط من خلال حجب الدعم عن المعارضة، ولكن أيضا من خلال تجنيد المقاتلين معها لقتال الدولة الإسلامية ومن ورائها القوات الكردية. شكل ذلك أحد أسباب حدوث انشقاق داخل حركة أحرار الشام التي تساند تركيا في مساعيها الجديدة. هكذا، فقد تشمل الصفقة الروسية – التركية دورا تركيا في إضعاف الفصائل الإسلامية القوية، وصولا إلى إبادتها، وتجميع ما تبقى تحت رعايتها لتنفيذ أجندة عسكرية سياسية تعمل روسيا وتركيا على وضع تفاصيلها. كاتب فلسطيني سوري سلام السعدي :: مقالات أخرى لـ سلام السعدي سوريا: أشباح محلية ووصاية خارجية, 2016/12/17 أزمة الديمقراطية الليبرالية, 2016/12/10 حلب والنظام العالمي الجديد, 2016/12/03 أميركا وإيران: تعاون أم مواجهة؟, 2016/11/26 ربيع اليمين المتطرف, 2016/11/19 أرشيف الكاتب
مشاركة :