سوريا: مرحلة انتقالية نحو المجهول بقلم: سلام السعدي

  • 8/26/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

هدف السياسة الجديدة يتجاوز خفض التصعيد، حسب التسمية التي اختارتها الدول الراعية، ويحاول تثبيت مناطق نفوذ ترسم إطارا عاما لتسوية سياسية. ورغم تلك التطورات لا تزال ملامح التسوية مبهمة بسبب تزايد حضور المصالح الإقليمية والدولية.العرب سلام السعدي [نُشر في 2017/08/26، العدد: 10734، ص(9)] يمر الصراع في سوريا بمرحلة جديدة غير واضحة المعالم ولكنها تبدو، إلى حد كبير، كمرحلة انتقالية تمهد لفصل جديد في مستقبل البلاد السياسي. ففي حين كانت معظم أراضي البلاد ميدانا للحرب ولتبادل السيطرة العسكرية بين النظام والمعارضة خلال السنوات الماضية، تقوم الجهود السياسية والعسكرية خلال الأشهر الماضية على إنهاء تلك المرحلة وإفساح المجال لنشوء مناطق واسعة نسبيا غير متنازع عليها. ويبدو أن هدف السياسة الجديدة يتجاوز “خفض التصعيد”، بحسب التسمية التي اختارتها الدول الراعية، ويحاول تثبيت مناطق نفوذ ترسم إطارا عاما لتسوية سياسية. ولكن ورغم تلك التطورات، لا تزال ملامح التسوية مبهمة تماما بسبب تزايد حضور المصالح الإقليمية والدولية على شكل اتفاقيات ثنائية في الساحة السورية بعيدا عن طموحات وبرامج القوى المحلية. يسود لدى البعض اعتقاد بأن التسوية النهائية للصراع السوري قد صيغت بين الأطراف الدولية والإقليمية التي كثفت من لقاءاتها وتوصلت لاتفاقيات تبدو تقدما كبيرا قياسا بالجهود السياسية خلال السنوات الماضية. فهنالك اتفاق مناطق “خفض التصعيد” الذي توصلت إليه كل من تركيا وروسيا وإيران قبل أن تنضم له أميركا والأردن بتنسيق خاص مع روسيا في الجنوب السوري. التطبيق الفعلي لذلك الاتفاق ظهر بصورة مختلفة عما يسميه النظام السوري باتفاقيات “المصالحة” والتي كانت تحدث في أعقاب سنوات من سياسية تجويع السكان وحصارهم، وهو ما جعلها تبدو إلى حد بعيد استسلاما مشروطا لنظام الأسد. الاتفاقيات الجديدة تتضمن وقف القصف الجوي وإدخال المساعدات الإنسانية وما يشبه الإدارة المحلية. إنه تقدم ضعيف للغاية، يجري خرقه من قبل قوات الأسد، ولكنه مع ذلك غير مسبوق ولا يحبذه النظام. هنالك أيضا على الجانب السياسي محاولات لتوحيد وفود المعارضة السورية وهو ما كان موضوع اجتماعات المعارضة السورية في الرياض الأسبوع الماضي. في السنوات الماضية، لم يكن ذلك الاجتماع ممكنا بسبب إدراك المعارضة أن محاولات فرض معارضين من قبل روسيا وإيران تهدف إلى إفراغ الوفد المفاوض من أي مضمون سياسي يناقض بصورة جذرية نظام الأسد ويتضمن انتقالاً ديمقراطيا حقيقيا. ولكن الهزيمة العسكرية القاسية التي لحقت بالمعارضة في مدينة حلب، وما تلاها من انحسار الدعم الإقليمي والدولي، دفع المعارضة للقبول بالجلوس مع ما يسمى بـ“منصة موسكو”، والتي تمثل مصالح كل من روسيا وقسم من النظام السوري وتعكس رغبتهم في تقليص الحل السياسي وحشره في صندوق “المصالحة الوطنية” التي تبقي مؤسسات القمع والنهب والتحكم. يبدو المبعوث الأممي للأزمة السورية ستيفان دي ميستورا شديد الحماس للتطورين آنفي الذكر، إذ يدفعان المسألة المستعصية نحو حل غير عادل وغير أخلاقي وغير مستدام، ولكنه يحقق إنجازا شخصيا للمبعوث الدولي ويدفع عنه إحراج أعوام من الفشل. ورغم تلك التطورات، لا يبدو للمتابع أن هنالك معالم واضحة لأي تسوية سياسية قريبة، كما لا يعرف مستقبل البلاد على الإطلاق. فمصير مناطق النفوذ الخاضعة للمعارضة غير واضح في ظل الاقتتال الداخلي وفشل محاولات إنشاء مؤسسات حكم بديلة، فضلاً عن فتور الدعم العسكري والسياسي الذي باتت تحظى به. أما مناطق قوات سوريا الديمقراطية والتي ينظر إليها على أنها مستقرة إلى حد بعيد بسبب الحماية النادرة التي حظيت بها من قبل الولايات المتحدة، فلا تزال موضع تهديد إقليمي ودولي ومحلي. يقول القياديون الأكراد بان الأراضي التي انتزعتها قواتهم، وما سينتزع قريبا من خلال السيطرة على مدينة الرقة، ستكون جزءا من الفدرالية الديمقراطية التي كانت قد أعلنتها من طرف واحد قبل نحو عام ونصف. ولكن تلك القوات قامت في عدة مناسبات بتسليم مناطق خاضعة لسيطرتها لقوات النظام وهو ما يمكن أن يحدث مجددا في مناطق عديدة. كما أن التحضيرات التركية لعملية عسكرية في بعض مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية والدعم الذي تحظى به تركيا من إيران وروسيا وخلفهما نظام الأسد يجعل تلك المناطق بعيدة عن الاستقرار. ويمكن عزو ذلك الإبهام الكبير الذي يلف مصير مناطق النفوذ رغم التقدم الملحوظ في العمل عليها إلى غياب البعد الوطني السوري عن تلك الاتفاقيات وانشغالها بالمقابل بالمصالح الدولية والإقليمية. يظهر ذلك من متابعة اللقاءات الثنائية التي حدثت خلال الأسبوع الماضي والهادفة إلى دفع المصالح الدولية والإقليمية في سوريا. تمثل اللقاء الأول في زيارة وفد عسكري إيراني رفيع المستوى لتركيا لمناقشة مسألة الأمن المشترك بين البلدين والتصدي للطموح الكردي سواء بالحصول على الاستقلال التام في العراق أو على مناطق حكم ذاتي واسعة ومتصلة في سوريا. على الطرف الآخر التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في منتجع سوتشي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وحذر الأول من خطر طهران على الاستقرار الإقليمي والدولي بسبب توسع نفوذها في سوريا. يمكن لروسيا أن تحضر كلا الاجتماعين وتقدم الدعم لكل الأطراف رغم تضارب مصالحها، وهو ما يعكس مرونة السياسة الروسية في سوريا في المرحلة الثانية من تدخلها العسكري إذ تحاول نسج اتفاقات ثنائية تراعي فيها مخاوف العديد من الأطراف. جعل هذا التعقيد الجهود السياسية الجديدة ضبابية وثقيلة الحركة ومفتقدة للاستقرار. وهي سمات انطلقت تلك الجهود من أجل تجاوزها في المقام الأول. كاتب فلسطيني سوريسلام السعدي

مشاركة :