عيضه السفياني والتزام الهم الأكبر

  • 12/18/2016
  • 00:00
  • 51
  • 0
  • 0
news-picture

رؤية- ماجد الغامدي الشعراءُ لسانُ أقوامهم وترجمان خفايا مجتمعاتهم ،يقولون ما يصعبُ قوله وينبشون قبور المواجع لِيُخرجوا رُفاةَ الآمال فإن لم يحيوها فقد يكشفوا سبب تحلِّلها. هكذا هم الشعراء الأفذاذ الذين كانت تُقامُ لنبوغهم الاحتفالات وتتفاخرُ بقدراتهم الأمم ، وشاعرنا لا نحتفلُ بنبوغه فهو من أصل ينتمي لجوهر العرب ومن قومٍ شهد لهم الزمان بالتميّز والدهاء. نحنُ أمام شاعرٍ لم يتخذ الشعرَ منبراً للتباهي والمكابرة فهو أكبرُ من ذلك ، فلم يمتطِ صهوةَ البيان لِيُقالَ ما أجملَ قولك فهو ممن لا يقعقعُ لهم بالشِنان ، ولكنه جعل الشعرَ رسالةً تستنطقُ سامعيه وقرّائه ليقولوا ما أحوجنا لصدقك وما أفقرنا لجرأتك وما أعجزنا عن بيانك. إنهُ شاعر دهشة الأشياء ولسان البؤساء ودموع المعدمين ، إنهُ عيضه السفياني الثقفي الشاعر الذي لم يعدم الشهرة ولم تشغلهُ البهرجة فجاء ليتربّع عرشَ الشهرةِ من أضيق الطُرق التي قلَّ مَن سلكَها قبله فقد اختارَ بثقتهِ بشاعريته وعمق انسانيته هموماً يشترك فيها القاصي والداني ، جاءَ ليحرم نفسَهُ أخصبَ المواضيع الشعرية كالغزل والفخر والمديح التي هي أكثر المواضيع إغراءً للشعراء الشباب لِيُبقي لنفسه ما قطعهُ عليها من عهد من التزام بالهمِّ الأكبر همِّ الشعوب وآلام البسطاء وأوجاع اليائسين من النجاةِ ، فمذ فَقَدَ (في هذي المدينة لذّة الحب المباح) و (أَحس بدهشةِ الاشيا تموت بداخله) لم يجعل (باب الطيش مفتاح النجاح) ولكنهُ نذر أن يفسد (كل شيٍ في فساده له صلاح) لأنه لم يعد يشعر أن ( الصبح مثل الصبح بوابة سماح) فقرر أن لا يتنفس الصباح مثل الصباح ولكنه سيتنفس فيه (حزن الأم على مستقبل الابن) اختار لذلك أن يبحرَ ربّانَ شعرٍ في (البحر الأسود) الذي (يكادُ يضيءُ ولو لم تمسسهُ نار) ليقولَ إن (الوطن حلم عابر والملامح خجولة) وأن البحر كلما زادت أمواجُهُ زُرقةً زادتنا غَرَقا (كلما زاد رِزقه زاد قُلّْ انتفاعه) لذلك لم يرغب في أن يقول كلما في الصدر وآثرَ أن (يموت مرحوم وأرحم موت موت الجماعه!) ولكنهُ أرادها صرخةً أخيرة وأعملَ مبضعَ الجراح ليُريَ الجميع المفارقة العجيبة : البَطَاله لنا فيها حزام وبطولة ** والبطولة لنا في بابها فمْ واذاعه لِيصلَ لجرحٍ نازفٍ آخر في نعش الجنازة التي لا تزالُ حارةً ويعيد السبب في (انه في واقع يعرف اللي له ويجهل ما عليه !) في واقع تسودهُ حكمة جبان وأنانية جَشِع (أنا وغيري في حريقه شطر من حكمة جبان ). عيضه السفياني ديمةٌ من الشعرِ والشعور يكادُ سنا برقها يبرئُ الأكمهَ وينيرُ وميضهُ كهوف الظلام ويروي وَبلها النفوس المتعطشة للبوح ونفث الهموم. مرتبط

مشاركة :