من انتصر ومن انهزم في حلب بقلم: إبراهيم الزبيدي

  • 12/18/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الإيرانيون وحشودهم المجاهدة القادمة للأخذ بثارات الحسين من أحفاد يزيد، دفنوا في حلب فلسطين وقرأوا عليها السلام. العربإبراهيم الزبيدي [نُشرفي2016/12/18، العدد: 10489، ص(3)] مقدما يمكن القول إن حلب ليست سوريا، والذين حوصروا في أحيائها الشرقية ليسوا هم الشعب السوري، ولا هم الطائفة السنية السورية، كما زعم بعض الطائفيين السنة، ولا هم الثورة السورية بملايينها الصامتة الصابرة. وقد كان المنطق العسكري المحترف يرجح سقوطها بسهولة أو بصعوبة، منذ شهور. فلم ينتصر ولم ينهزم في حلب أحدُ فارسيْن تقاتلا بالأيدي أو بالمسدس، على طريقة أفلام الكاوبوي؛ بل الذي انتصر في حلب هو الحقد والضغينة والتخلف وجنون الانتقام، والذي انهزم فيها هو الحقد والضغينة والتخلف وجنون الانتقام، أيضا. كانت المحاصرة في حلب هي النصرة وداعش وفتافيت “الثورة” السورية الدينية المتطرفة الأخرى العديدة. وهي، مهما اختلفت التفسيرات والمبررات، إرهابٌ لا يمكن إنكاره بكل المقاييس والموازين. وبالمقابل كان الذي يحاصر حلب هو الحرس الثوري وميليشيات حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية التي تجاوز عددها الستين، وجيش بشار، وشبيحته، وقاصفات بوتين، وهي الأخرى، مهما اختلفت التفسيرات والمبررات، إرهابٌ لا يمكن إنكاره بكل المقاييس والموازين، أيضا. أما الغائب الوحيد في مجمل ما جرى في حلب فقد كانت الفروسية والشهامة والرجولة والشرف والخلق والآدمية والحق والعدل والدين. التغريبة الحلبية وبانهزامية باراك أوباما، وفساد خياله الاستراتيجي، وخمول عقله وقلبه وروحه، تمكنت إيران من حشد ما في استطاعتها حشدُه من سلاح وأموال وميليشيات لقهر الثورة السورية التي كان تغوُّلُ النفوذ الإيراني في سوريا وهيمنتُه على سلطة النظام أهمَ أسباب اندلاع التظاهرات التي تدرجت مطالبها من “تغيير النظام” إلى “إسقاط النظام”. ثم تلاقت انهزامية أوباما بانتهازية بوتين الذي يريد أن يثبت للشعب الروسي المأزوم الذي تأكل روحَه وعقله وقلبه عقدةُ الهزيمة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي أنه ستالين جديد يخوض مع أميركا والغرب حروبا كثيرة وينتصر فيها كلها، بأيّ وسيلة، عادلة وظالمة، مُحلـَلـَة ومحرمة، أخلاقية ولا أخلاقية، فكان ما كان واحترق الأخضر واليابس واختلط الحابل بالنابل، واشتعل الرأس شيبا. جميعُ هذا الجبروت المخيف من الطائرات والمدافع والجيوش والميليشيات كان محشورا في ثلاثة كيلومترات لتحرير بضعة أحياء من مدينة مهدمة يتحصن فيها بعضٌ من ثوار غدر بهم القريب والبعيد، وحفنةٌ من إرهابيين يذبحون ويكبّرون، ويحملون شارات “الله ورسوله” وهم كاذبون أو موهومون أو مضلـَّلون، وآلافٌ صابرة من المدنيين المغلوبين على أمرهم، والمأسورين الممنوعين من الرحيل. إذن، فالتي نُصرت في حلب هي الجيوش المتآخية الإيرانية والروسية والعراقية واللبنانية والأفغانية والسورية المتخمة بأحدث الأسلحة ومختلف أنواعها، والتي هُزمت في حلب بنادقُ صيد العصافير وقناني الغاز الممحولة إلى مقذوفات عشوائية تسقط على غير أهدافها. أما المنتصر الأكبر في حلب فقد كان نتنياهو الذي “حزن” كثيرا وهو يشاهد مناظر الأطفال والنساء والشيوخ المدنيين الذين دفنتهم الطائرات والصواريخ “المجاهدة” تحت الأنقاض. حتى أن وزير دفاعه، أفيغدور ليبرمان، من جانبه، أعلن أن الرئيس السوري بشار الأسد “جزار”، “يجب أن يرحل مع حلفائه الإيرانيين”. وزاد قائلا “من وجهة نظر أخلاقية، لا يمكننا أن نقبل بمثل هذه المجزرة أمام أعين العالم بأكمله”. إذن فالإيرانيون، وحشودهم المجاهدة القادمة للأخذ بثارات الحسين من أحفاد يزيد، دفنوا في حلب فلسطين وقرأوا عليها السلام، من الآن ولعشرات الأجيال القادمة، وجعلوا عنف حكومة نتنياهو في معاقبة فلسطيني يدهس أحد جنوده بالسيارة، أو يطعنه بسكين، نقطةً في بحرٍ مائجٍ هائجٍ من الحرق والقتل وتقطيع الجثث ومن السلب والنهب والاغتصاب باسم الله ورسوله وآل بيته المعصومين. ألم تسمعوا مسؤول العلاقات العامة في جهاز الحرس الثوري الإيراني العميد رمضان شريف، وهو يقول “إن الانتصار في حلب سيمهد لتحرير الموصل وتسوية أزمتي اليمن والبحرين”؟ وإن”أعداء الأمة الإسلامية كانوا يحاولون من خلال الدخول في حلب والإجراءات الإرهابية بدء مرحلة جديدة من مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يسعى الأميركان والصهاينة لتمريره منذ سنوات، ولكن المقاومة الباسلة للشعب والجيش السوري وحزب الله والحشد الشعبي العراقي والحكومة الروسية وكذلك وجود المستشارين الإيرانيين الذين لعبوا دورا مصيريا ومؤثرا للغاية، ساهم في إفشال مخططهم هذا”. أما جزّار القرن الحادي والعشرين، بشّار الأسد، فقد شبّه ما حصل في حلب، قبل وبعد هدمها، بما حصل قبل وبعد ميلاد السيد المسيح!، وبما حصل قبل وبعد “نزول الوحي على سيدنا رسول الله”! وقال “التاريخ ليس هو نفسه قبل تحرير حلب وبعد تحريرها”. بهذه العبارة فقط، وربما مرة واحدة في حياته، صدق بشار الأسد. فإن سوريا قبل حلب هي غيرُها بعدها. وذلك لأن حلب تبقى مدينة واحدة من مدن، وميدان حربٍ واحدا من ميادين، من الآن وإلى يوم يبعثون. ومن يضحك أخيرا يضحك كثيرا، وإن يكن الثمن بحرا من دمٍ ودموع. كاتب عراقي إبراهيم الزبيدي :: مقالات أخرى لـ إبراهيم الزبيدي من انتصر ومن انهزم في حلب, 2016/12/18 داعش إرهاب وداعش جهاد, 2016/12/14 ماذا يريد العراقيون من ترامب؟, 2016/12/06 عن أحوال القوى الرديفة في العراق, 2016/11/29 ملاحظات عاجلة على التسوية التاريخية في العراق, 2016/11/22 أرشيف الكاتب

مشاركة :