موظفون سعوديون يشتغلون في البنك الأول و يراقبون بينات مالية تظهر على شاشات الكمبيوتر. (بلوم برغ) جدة: معتصم الفلو •بين أجندة رؤية «2030»: تخفيض الوظائف الحكومية وتقليص حجم التدخل الحكومي في الاقتصاد والحد من النزيف المالي وتوجيه الدعم نحو مستحقيه •بعد حقبة التسعينات صار للمملكة رؤية ثابتة في الاتجاه نحو تنويع الاقتصاد وزيادة الاستثمارات الخاصة والحرص على انخراط المواطنين في أعمال الشركات والمبادرة الفردية •شهد عام 2013 إصلاحًا جوهريًا بعد فرض الحكومة على القطاع الخاص توظيف نسبة من المواطنين من أجل استمرار عمل المنشأة بمعدل 30 في المائة كحد أدنى من خلال برنامج «نطاقات» •الخبير الاقتصادي فهد الشيخ: الاستغناء عن العمالة الأجنبية بشكل كامل من ضروب الخيال فالاقتصاد السعودي لا يزال يواصل النمو ولا يزال الكثير أمامنا لتحقيقه في البنية التحتية والإعمار لا يختلف اثنان حول دقة وصف ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأن البلاد تعاني من «إدمان النفط» فيما يتعلق بموارد الخزينة، وتأثرها تبعًا لذلك بأسعار النفط، صعودًا أو هبوطًا، وهو ما تسعى رؤية التحول الوطني «2030» إلى تحقيقه من حيث تخليص اقتصاد البلاد من قيود النفط وإدمانه. إلى جانب النفط، هناك إدمان من نوع آخر، لا بد من التخلص منه؛ حتى تتجه ميزانية البلاد نحو نفقاتٍ استثمارية؛ عوضًا عن نفقات جارية، تلتهم حصة الأسد من ميزانية البلاد، ممثلة في كتلة الأجور العامة.إنه الوجه الآخر لإدمان النفط: «إدمان العمل في القطاع العام» بالنسبة للمواطنين منذ ما يزيد عن 40 عامًا. ريع الطفرة الأولى بعيد انطلاق شرارة الطفرة النفطية الأولى بين الأعوام 1974 1985، دخلت البلاد في ورشة تنموية وتعليمية واقتصادية واجتماعية، ارتأى أصحاب القرار توسيع المؤسسات الحكومية ونشر التعليم على نطاق واسع وبناء جيش أكثر قوة، وكذلك توظيف أعداد أكبر من المواطنين وجذبهم بالحوافز والعلاوات ومنح الأراضي وغيرها. ولا يخفى أن تلك العملية كانت إحدى طرق توزيع الثروة على أفراد المجتمع، وبخاصة أن تلك الطفرة تمثل المرة الأولى التي تدخل فيها إلى الخزينة إيرادات غير مسبوقة على عدد قليل من السكان لا يتجاوز 6 ملايين نسمة، أقل من مليون منهم من غير السعوديين. ويضاف إلى ذلك، تبني سياسات الدعم الحكومي لأسعار الوقود والخدمات الأساسية والإعفاءات الضريبية وخفض الرسوم الحكومية. كما أنشأت معظم الصناديق الحكومية الصناعية والزراعية والعقارية. ووفقًا لأرقام منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، كان متوسط سعر برميل النفط عام 1973 نحو 2.7 دولار، وفي أواخر ذلك العام والعام الذي تلاه، بلغ متوسط السعر 11 دولارًا، وصولاً إلى أكثر بقليل من 29 دولارًا عام 1979 وقت سقوط شاه إيران، وذروة سعرية أخرى في العام الذي يليه بلغت 35.52 دولارًا. ومع ازدياد الفوائض، كان التوظيف الحكومي يسير على قدم وساق؛ حتى ابتعد السعوديون شيئًا فشيئًا عن المهن الحرفية والقطاع الخاص. ولا غرابة في ذلك، فالوظيفة الحكومية تعني الأمان الدائم والتقاعد المريح، وأيضًا ساعات العمل الأقل والأجر الأعلى. وبالتزامن مع حركة التوظيف الحكومي الكثيفة، شهدت تلك المرحلة بناء شركات ومدن صناعية عملاقة؛ مثل الهيئة الملكية في الجبيل ويبنع التي تضم مصانع للبتروكيماويات وغيرها من الصناعات المرتبطة بالنفط (1975)، إلى جانب الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) عام (1976)، وهي أضخم شركة بتروكيماويات في الشرق الأوسط. كما استفاد القطاع الخاص إبان تلك الطفرة وتوسع عمل المنشآت الصغيرة والمتوسطة والشركات الكبرى، ولكن بحكم استيعاب القطاع العام لجميع طالبي العمل السعوديين، لم تكن هناك سياسة حكومية محددة تشجع أو تفرض على القطاع الخاص الالتزام بتوظيف السعوديين. فالجهات الحكومية نفسها ومؤسساتها المختلفة كانت تستقطب طالبي العمل العرب والآسيويين، سيما في قطاعات التعليم والرعاية الصحية والبلديات. وظل القطاعان، العسكري والتعليمي، الأكثر امتصاصًا لقوة العمل الوطنية حتى الآن. فقد حظي التعليم في تلك الأعوام بنحو 10 في المائة من مجمل الإنفاق الحكومي. ركود الثمانينات والتسعينات في عام 1986، دخلت البلاد في موجة أخرى من انخفاض الدخل، إذ هبطت أسعار النفط إلى متوسط 13 دولارًا للبرميل الواحد. ومع ازدياد أعداد الخريجين، ظهر مصطلح «السعودة»، وهو إحلال المواطنين السعوديين مكان المشتغلين من الوافدين. ولكن لم يكن التركيز آنذاك منصبًا على سعودة القطاع الخاص، بل على سعودة القطاع العام، الذي يعمل به مئات الآلاف من الوافدين. وجرى التركيز على الوزارات والشركات والمؤسسات الحكومية والقطاع التعليمي، إلا أن قطاع الرعاية الصحية كان بعيدًا، ولا يزال، عن السعودة، نظرًا لضخامته وقلة عدد الخريجين السعوديين في مجال الطب والصيدلة والتمريض. وبالطبع ظلت الحكومة صاحب العمل الأكثر تفضيلاً للمشتغلين السعوديين بسبب قصر ساعات الدوام وسهولة العمل والأمان الوظيفي، وبالطبع الدخل المرتفع. وحتى قبيل مطلع التسعينات، لم يكن عدد السعوديين يتجاوز 10 ملايين نسمة، يضاف إليهم 4 ملايين وافد. وكان لا يزال بالإمكان امتصاص القادمين السعوديين إلى سوق العمل في قطاعات العمل الحكومي، ولكن بوتيرة أقل من السابق، فيما دخلت البلاد في مرحلة يزيد فيها حجم الإنفاق عن الإيرادات الفعلية. كما بدأ خريجو الأقسام النظرية في الجامعات يدخلون في قوائم الانتظار على الوظائف التعليمية، التي تعتلي سلم الرغبات الوظيفية بالنسبة لكثير من المواطنين. وما إن حل يوم 8 أغسطس (آب) عام 1990 حتى بدأ الخطر الوجودي يتهدد المملكة مع الغزو العراقي للكويت، مما اضطر المملكة إلى تشكيل تحالف دولي لتحرير الكويت، فيما ظلت التأثيرات الاقتصادية لتلك الحرب تخيم على الاقتصاد طوال عقد التسعينات. فقد كلفت الحرب أكثر من 60 مليار دولار، تحملت السعودية والكويت الجزء الأكبر منها. وما زاد الطين بلة هو بقاء سعر برميل النفط تحت سقف 20 دولارًا، كان أسوأها على الإطلاق عام 1998 عندما بيع النفط بسعر يتراوح بين 10 و12 دولارًا. وتواصل النمو السكاني الكثيف، إذ نما عدد السعوديين بنسبة تقارب النصف عام 1999 ليصل إلى 14.8 مليون نسمة، مقارنة بنحو 10 ملايين في أواخر الثمانينات. وفي عقد التسعينات، بدأت الإجراءات الحكومية الحثيثة في الانتقال إلى «سعودة» القطاع الخاص واستكمال تلك الخطوة في وظائف القطاع العام. ليس هذا فحسب، فقد أعيد النظر في الرسوم الحكومية وجرى تخفيف الدعم عن الغاز المنزلي ووقود السيارات وفرض رسم مقداره 10 ريالات على فاتورة الكهرباء. كما جرى فرض نسب محدودة من الموظفين السعوديين على منشآت القطاع الخاص وحظر بعض المهن على غير السعوديين. ولم تحقق تلك الإجراءات الكثير من التقدم في جذب السعوديين إلى القطاع الخاص بسبب قلة التقديمات والحوافز المقدمة، إلى جانب طول ساعات العمل وضعف الأمان الوظيفي. ولكنها نجحت في كسر الحاجز بين السعوديين والقطاع الخاص إلى حد ما. فبدلاً من انتظار الدور الوظيفي في ديوان الخدمة المدنية، الجهة المسؤولة عن التوظيف في القطاعات الحكومية، بدأ بعض الخريجين بالعمل في الفرص المتاحة بالقطاع الخاص؛ حتى يحين موعد الانضمام إلى الجهاز الحكومي. وقبيل الألفية الثانية، لم يشكل السعوديون سوى 5 في المائة 7 في المائة من إجمالي المشتغلين في القطاع الخاص. عقد مؤسسات السعودة بعد حقبة التسعينات، صار للمملكة رؤية ثابتة في الاتجاه نحو تنويع الاقتصاد وزيادة الاستثمارات الخاصة والحرص على انخراط المواطنين في أعمال الشركات والمبادرة الفردية. وشهدت المملكة في العقد الأول من الألفية نشاطًا مؤسساتيًا لتحفيز السعوديين على العمل في القطاع الخاص أو افتتاح أعمالهم الخاصة وحتى إشراك القطاع الخاص في التدريب المنتهي بالتوظيف في مجالات لم يعتد عليها المواطنون. ويمكن أن يطلق على هذه الفترة «عقد مؤسسات السعودة»؛ رغم استيعاب القطاع الحكومي لمئات الآلاف من المواطنين في القطاعات الحكومية المختلفة، سيما العسكرية منها. وساهمت «الطفرة الثانية» (2005 2014) في العودة إلى حزم الحوافز والدعم، فخفضت أسعار الوقود وزاد الدعم، الموجود أصلاً، على بعض السلع الغذائية كالأرز، ونشطت حركة ابتعاث الدارسين إلى الخارج. وكان من تلك المبادرات الأساسية إنشاء المعهد العالي السعودي الياباني للسيارات عام 2003 الذي أقيم بمبادرة مشتركة بين الحكومتين السعودية واليابانية ووكلاء السيارات اليابانية، حيث يتدرب الطلاب السعوديون على أعمال صيانة السيارات اليابانية على أن يصبح المتدرب موظفًا لدى الوكيل المحلي لحظة قبوله في المعهد، ويكمل بعدها مساره الوظيفي لدى وكيل السيارات المختار. وضمن الفكرة ذاتها، تأسس المعهد العالي للصناعات البلاستيكية في 2007 بمبادرة من وزارة البترول والثروة المعدنية والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني وشركة سابك وشركة «SPDC» اليابانية. كما تأسس برنامج «كفالة» عام 2004 الذي يقدم تدريبًا وضمانة حكومية على القروض المقدمة من المصارف السعودية لرواد الأعمال السعوديين الذين يقدمون دراسات جدوى حقيقية لتأسيس المنشآت الصغيرة والمتوسطة. واستطاع البرنامج المساعدة في تقديم الدعم لما يزيد عن 6 آلاف منشأة وتوليد آلاف الفرص الوظيفية الحقيقية للمواطنين. وفي السياق ذاته، تأسس برنامج «بادر» للحاضنات التقنية عام 2007 برعاية مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، الذي يقوم على توفير الدعم المادي والاستشاري والتقني لأصحاب أفكار المشروعات في مجالات الاتصالات والتصنيع والتقنية الحيوية والصحية؛ بهدف خلق فرص عمل نوعية للمبتكرين والباحثين وتحقيق اقتصاد المعرفة. وبالطبع، تقديم المساعدة للشركات القائمة من أجل تطوير أعمالها الحالية. ويتعاون البرنامج مع الجامعات والمؤسسات الحكومية والجامعات. وفي العام التالي، تأسس صندوق تنمية الموارد البشرية «هدف» الذي يهدف إلى تدريب وتطوير الكوادر السعودية للعمل في القطاع الخاص. ومن ضمن مبادرات الصندوق تقديم عون مادي للشركات التي توظف المواطنين. ومع وجود فوائض مالية هائلة، دشنت المملكة مجموعة ضخمة من مشاريع البنية التحتية، اصطلح على تسميتها «مشاريع الميغا»، شملت بناء جامعات ومدن اقتصادية ومطارات وقطارات وطرق وجسور، فاحتاجت المملكة إلى استقدام الملايين من العمال الأجانب لتنفيذها، وبخاصة أعمال الإنشاءات والمجالات الخدمية المرتبطة بها. وأدى كل ذلك إلى نمو هائل في القطاع الخاص وزاد قدراته على جذب الكفاءات السعودية ومنحها ميزات تنافسية تفوق نظيرتها الحكومية أحيانًا. وبنهاية هذا العقد، ارتفع عدد غير السعوديين إلى 8.4 مليون نسمة، قابله نمو في عدد السعوديين، وصل إلى 18.7 مليون نسمهة بحسب إحصائيات 2011. كما شهد ذلك العام تطورًا ملحوظًًا، إذ فاقت نسبة السعوديين في القطاع الخاص ما يزيد بقليل عن 10 في المائة للمرة الأولى منذ عقود؛ فوصل عددهم إلى 724 ألفًا من أصل 6.9 مليون هو عدد المشتغلين في القطاع الخاص السعودي. وزير الخدمة المدنية خالد العرج فرض السعودة وخفوت الطفرة شهد عام 2013 إصلاحًا جوهريًا، حيث فرضت الحكومة على القطاع الخاص توظيف نسبة من المواطنين من أجل استمرار عمل المنشأة بمعدل 30 في المائة كحد أدنى من خلال برنامج «نطاقات». كما جرى رفع رسوم رخص العمل على الشركات والمؤسسات التي توظف نسبًا متدنية من السعوديين، وذلك في سبيل تشجيع القطاع الخاص على جذب المزيد من المواطنين. وللمرة الأولى في تاريخ سوق التوظيف السعودي، جرت مقاربة بطالة المرأة السعودية، إذ جرى إلزام متاجر المستلزمات النسائية بالتأنيث، أي توظيف مواطنات سعوديات في تلك المتاجر؛ تحت طائلة إغلاقها. وبحلول أواخر عام 2014، تدهورت أسعار النفط من جديد وتدنى سعر البرميل إلى ما دون 50 دولارًا، وهنا عادت ظروف عام 1986 إلى البروز من جديد، حيث ارتفع الإنفاق إلى حدود قياسية ولم تعد الإيرادات تغطي إلا إذا تم اللجوء إلى الاحتياطيات. كما نما عدد الموظفين في القطاع العام ضمن وظائف مدنية من المواطنين ليبلغ 1.19 مليون مع تقديرات غير رسمية للعسكريين بين 700 900 ألف، وبلغت تكلفة رواتبهم نحو 86 مليار دولار. ورغم ذلك تواصل التوظيف الحكومي، فقد أضيفت 93 ألف وظيفة حكومية عام 2015 بحسب دراسة «جدوى للاستثمار» في فبراير (شباط) الماضي. وبالفعل تضاعفت أعداد المواطنين العاملين في القطاع الخاص العام الماضي؛ لتصل إلى 1.7 مليون من أصل 9.67 مليون عامل يشكلون نحو 17.5 في المائة من إجمالي العاملين، الأمر الذي شكل تطورًا نوعيًا في اتجاهات سوق العمل، ولكن مع ملاحظة تضاعف المشتغلين في القطاع الخاص من غير السعوديين، مقارنة بالأعوام السابقة. الإجراءات الترشيدية بلغ حجم كتلة رواتب القطاع العام نحو 38 في المائة من إجمالي ميزانية 2015 بقيمة إجمالية بلغت 323 مليار ريال (86.13 مليار دولار)، لكن الإنفاق الفعلي بلغ نحو 488 مليار ريال، أي نصف النفقات الفعلية البالغة 975 مليار ريال. وفي أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، قرر مجلس الوزراء السعودي خفض عدد من البدلات التي يتقاضها الموظفون الحكوميون واتباع التقويم الهجري الشمسي في مواعيد صرف الرواتب. ومن المتوقع أن يحقق الإجراء توفيرًا بأكثر من 3 في المائة من حجم الأجور عبر توفير 11 يومًا من الأجور سنويًا. وفي هذا السياق، قال وزير الخدمة المدنية خالد العرج: «قمنا بإلغاء 21 بدلاً ومكافأة من أصل 156، وخفضنا 25 بدلاً أو مكافأة»، مضيفًا: «بعض البدلات والمكافآت التي ألغيت لم تحدّث منذ 45 عامًا»، واعدًا بإعادة النظر في بعض البدلات عند تحسن أسعار النفط. وكشف العرج أن نظام «جدارة» الذي يتقدم عبره الراغبون في الوظائف الحكومية يضم 210 آلاف موظف في القطاع الخاص، ممن يرغبون في الالتحاق بالعمل الحكومي، وهو مؤشر يدل على أن الإقبال لا يزال كبيرًا على الوظيفة العامة، ولكن إحصائية الوزير جاءت قبل تخفيض البدلات والمكافآت! وقد تسهم هذه الخطوة في تضييق فجوات المزايا بين القطاعين الخاص والعام، مما يجعل القطاع الخاص أكثر جاذبية للمواطنين. كما أن تفضيل بعض الموظفين الحكوميين للتقاعد المبكر أو الاستقالة، سيخفف من الأعباء المالية ولو قليلاً! ويقول الخبير الاقتصادي فهد الشيخ: «حجم التحديات ليس سهلاً بالنسبة لتوليد فرص عمل جديدة للمواطنين، فالأمر يحتاج إلى تحقيق نسب نمو مرتفعة مع تكثيف برامج التأهيل والتدريب وتجويد مخرجات التعليم، وهو ما بدأ بالفعل». ويضيف: «بلغ عدد المبتعثين خلال السنوات الماضية نحو ربع مليون مبتعث في الخارج، وهم يشكلون قوة دافعة واستثمارًا بشريًا بعوائد مجزية، وبخاصة على سوق العمل، الذي بات يستقبل أشخاصا بمؤهلات نوعية وبقدرات عالية التنافسية، يؤمنون بأهمية القطاع الخاص، ويدركون آفاق النمو والتطور التي يقدمها». ولكن يبدو أن طريق «سعودة» القطاع الخاص ليس معبدًا بالزهور، فمسألة تغيير أنماط التفكير ليست سهلة. كما أن الوظائف التي يشغلها العاملون غير السعوديين ليست متاحة في معظمها للسعوديين. فهناك نحو 3 ملايين من أصل العشرة ملايين عامل أجنبي يعملون في قطاع البناء كعمال، وهناك نحو مليوني شخص في عداد العمالة المنزلية بنهاية 2015، أي أن نصف العمالة، تعمل في قطاعين لا يناسبان السعوديين لعدة اعتبارات اجتماعية واقتصادية. وحول هذه المسألة بالذات، يعلق الشيخ بقوله: «الاستغناء عن العمالة الأجنبية بشكل كامل هو ضرب من ضروب الخيال، فالاقتصاد السعودي لا يزال يواصل النمو، ولا يزال الكثير أمامنا لتحقيقه في البنية التحتية والإعمار. وهناك قطاعات متدنية الأجور، يصعب على السعوديين امتهان العمل فيها. كما أن القطاع الطبي المحلي أمامه أعوام طويلة لتحقيق الاكتفاء من الكوادر». ومع وصول عدد السكان إلى أكثر من 31 مليون نسمة، بينهم 20 مليونًا من المواطنين، لن يكون بإمكان القطاعات الحكومية امتصاص المزيد من القوة العاملة الوطنية. وقد جاءت رؤية «2030» لتقارب هذا الموضوع بوضوح ليكون بين أجندتها تخفيض الوظائف الحكومية وتقليص حجم التدخل الحكومي في الاقتصاد والحد من النزيف المالي وتوجيه الدعم نحو مستحقيه. ويبقى نجاح الخطط الحكومية في النجاح بالتخلص من إدمان المواطنين على العمل في القطاع العام والتوجه الحثيث نحو القطاع الخاص رهن الاستمرار في مواصلة توسيع مساهمة الأخير في الاقتصاد وتحسين شروط التدريب والتأهيل ورعاية المساهمة الفردية وتقوية اقتصاد المعرفة، مع عدم العودة إلى الإنفاق والتوظيف الحكومي الكثيف في حال عاودت أسعار النفط انتعاشها، فالتحديات أكبر من ذلك بكثير، فشبح الركود الذي تحدث عنه أحد كبار المسؤولين السعوديين كان يخيم على البلاد في حال لم تتخذ الإجراءات الأخيرة.
مشاركة :