أكد سفير ألمانيا في الكويت، كارلفريد بيرغنر، أن تصاعد الحالة الشعبوية يعود إلى اعتقاد الشعبويين الخاطئ بأن وضع حاجز أمام كل غريب يعد حلاً للمشكلات الاقتصادية والسياسية، مشيراً إلى أن هذا التوجه مضر بالاقتصاد. وحول الهجرة لألمانيا، أكد بيرغنر أن من لا يحقق شروط الحصول على حق اللجوء، أو يسيء استخدام كرم الضيافة الألماني من خلال الأعمال الإجرامية، يجب إبعاده. أما بخصوص الـ "بريكست"، فيقول إنه من السابق لأوانه تخمين تأثيرات هذا الخروج على الاتحاد الأوروبي. أكاديمياً، أعلن السفير افتتاح فرع لجامعة ميونخ التطبيقية ذات الشهرة العالمية عام 2018. وبيرغنر ليس فقط دبلوماسياً له اهتمامات سياسية، بل لديه نظرته الخاصة لمدرسة الـ «باو هاوس»، ومهتم بالتاريخ، ولا يشجع بايرن ميونخ، بل يؤيد نادياً من الدرجة الثانية. وفيما يلي نص اللقاء. ● ما أسباب تصاعد الحالة الشعبوية في أوروبا وتقدم اليمين المتطرف، مثل حزب البديل من أجل ألمانيا على المسرح السياسي الألماني؟ وهل لهذا علاقة بالعمليات الإرهابية في أوروبا؟ ملف الهجرة والبريكست وفوز الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب؟ - يبدو أن طول وسوء الوضع الاقتصادي في العديد من الدول الغربية وانعدام الاستقرار السياسي في كثير من المناطق كان سببا في ظهور شعور بعدم الراحة لدى كثير من الناس، فهم يحملون حكوماتهم والإدارة فيها مسؤولية التقصير، ويعتبرون وضع حاجز تجاه الخارج وأمام كل ما هو غريب حلا لمشكلاتهم. وأعتقد أن هذا هو نفس السبب الذي دفع الناخبين في الولايات المتحدة إلى التصويت لترامب أو تصويت البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي، والأمر نفسه ينطبق على الحركة الشعبوية في أوروبا. والآن يجب أن نفهم هؤلاء بأن وضع الحاجز تجاه الخارج يضر في اقتصاد دولتهم ويحد من طاقة البلد، ولهذا فإن ألمانيا تدعم، لأسباب تاريخية خاصة بها، الانفتاح والتجارة العالمية الحرة. ● في اللقاء الأخير بينهما، وصف الرئيس الأميركي المنتهية ولايته باراك أوباما المستشارة الألمانية، المرشحة لولاية رابعة، أنجيلا ميركل بـ «ممثلة العالم الحر وحاملة شعلة الديمقراطية»، ما المسؤوليات المترتبة على ألمانيا في هذا السياق؟ وماذا لو لم تنجح في الانتخابات؟ - لاحظت أثناء عملي كدبلوماسي في واشنطن اللقاء الشخصي لكل من الرئيس أوباما مع المستشارة ميركل، وكيف تكونت خلال السنين الماضية علاقة شخصية قوية بينهما، فهي مبنية على الثقة المتبادلة. ولابد أن تكون مجاملة أوباما لميركل سببا في سعادتها، ولكن قرار ترشحها لولاية جديدة أسبابه تتعلق بالسياسة الداخلية. ● ما هي ركائز العلاقات الألمانية - الأميركية بعد فوز ترامب؟ - ستتابع ألمانيا مع الولايات المتحدة الأميركية في المستقبل أيضا مواجهة التحديات في العلاقات الدولية في كل من الأزمة في سورية واليمن ومحاربة «داعش»، ومواضيع أخرى، مثل حماية المناخ وتحسين التطور الاقتصادي، وهذه المواضيع تبقى مطروحة على جدول الأعمال، بغض النظر عن الشخصية التي تحكم أيا من البلدين. ● كيف ستحافظون على تنفيذ الاتفاق النووي بين إيران ودول 5+1؟ - من الضروري أن نكرر تأكيدنا بأن الاتفاق النووي هو أفضل الحلول للتحكم بالنشاطات النووية الإيرانية وتجنب مواجهة عسكرية لا تحمد عقباها. ولا يمكن اعتبار الاتفاق النووي نصرا لإيران، ولكنه ينص على كثير من إمكانات المراقبة، التي تقيد بشكل كبير سيادة دولة ايران. ومن يعلن التخلي عن الاتفاق، عليه أن يأتي ببديل واضح يسهم في تحسين الأمن في المنطقة وليس العكس. ● ماذا تقول للمهاجرين الاقتصاديين الذين لا تنطبق عليهم شروط اللجوء ويريدون استغلال نظام الهجرة الألماني؟ من الذين يتم ترحليهم؟ من يرتكبون الجرائم أم أصحاب الوثائق المزورة؟ أم هؤلاء اللذين يرفضون تعلم اللغة والاندماج بالمجتمع الألماني؟ - ألمانيا تمنح حق اللجوء للمضطهدين بسب انتمائهم الى أقلية عرقية أو دينية، أو بسبب مواقفهم السياسية، كذلك تمنح ألمانيا متضرري الحروب الأهلية هذا الحق، حيث تكون حياتهم مهددة بسبب الحرب. أنا شخصيا أتفهم أن هناك من يرغب بالهجرة إلى ألمانيا لأسباب اقتصادية، لكن ألمانيا لا تمنح حق اللجوء لهؤلاء. إنما هناك سبل أخرى للسفر لألمانيا، عندما يكون فهناك طلب على الكفاءة التي يملكها من يرغب بالهجرة إليها. ومن لا يحقق شروط الحصول على حق اللجوء أو يسيء استخدام كرم الضيافة الألماني من خلال الأعمال الإجرامية، على سبيل المثال، يجب إبعاده. ● ما تأثيرات الـ «بريكسيت» على الاقتصاد ومستقبل الاتحاد الأوروبي، والاقتصاد الألماني لكون ألمانيا أكبر اقتصاد في القارة؟ - ستتضح معالم وتأثيرات الـ «بريكسيت» بعد إنهاء التفاوض بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي على شروط خروجها من الاتحاد، لهذا ربما يكون سابقا لأوانه التخمين بشأن هذه التأثيرات. إلا أننا متأكدون من قوة الاقتصاد الألماني في الوقت الراهن القادر على تحمل خسارة بسيطة مترتبة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ● علق المجلس الأوروبي أخيرا المفاوضات المتعلقة بانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، ماذا لو تملصت أنقرة من اتفاقها مع أوروبا حول أزمة اللاجئين؟ - الاتحاد الأوروبي مستمر في المفاوضات المتعلقة بانضمام تركيا له، وإن كانت هناك مطالبات من قبل بعض أعضاء البرلمان الأوروبي ضد متابعة المفاوضات مع تركيا. ولكنني أظن أن تركيا ستلتزم في اتفاقها مع أوروبا حول أزمة اللاجئين. الانفتاح وسهولة الصداقة من ميزات الكويتيين عند سؤاله حول تجربته في الخدمة الدبلوماسية والبلد الذي أثر فيه كثيرا وأثرى تجربته المهنية والحياتية قال: كدبلوماسي لا يمكن أن أعتبر أن هناك بلدا سيئا فقط أو جيدا فقط، الأمر يعتمد على الخليط والوضع المعيشي الخاص بك. فعندما يكون الأطفال صغارا يكون التركيز في هذه الحالة على جو البلد وعلى رعاية جيدة للأطفال، وليس على ثقافة البلد، وعندما يكبرون يكون هناك متسع من الوقت للاطلاع أكثر على ثقافة البلد. ويمكن تكوين علاقات على نطاق أوسع. وأحيانا يتعلق الأمر بالموقف الإيجابي وللفضول الى حد ما. وما أثر بي بشكل خاص في الكويت هو الانفتاح وكرم الضيافة الذي يتمتع به شعبها. لم يسبق لي أن أكون صداقات وأن أتعرف على الصعيد الشخصي على أناس بالسهولة التي وجدتها في الكويت. ● هل هناك أي خطط لفتح مدرسة ألمانية في الكويت؟ - هناك مساع حثيثة في الكويت ومنذ مدة طويلة، لفتح فرع لجامعة ميونخ التطبيقية ذات الشهرة العالمية قد وصلت المساعي في هذه المسألة إلى مرحلة متقدمة، وتوقيع العقد سيكون مع الشريك المحلي (شركة مالكية العالمية)، الذي يعد نقطة الانطلاق للعمل المشترك قبل نهاية العام الحالي. ويتوقع بدء العمل الجامعي بداية عام 2018. ● بماذا تنصح دارسي اللغة الألمانية الجدد؟ وكيف يتغلبون على صعوبتها؟ - ربما تكون اللغة الألمانية أقل صعوبة من العربية، كما لاحظت في تعلمي للغة العربية. أهم شيء في تعلم اللغة الأجنبية هو تحقيق التواصل، ولا يعتمد كثيرا على تعلم أدق القواعد النحوية، أهم شيء هو إمكان تبادل الآراء. ومن ينجح في التواصل مع أشخاص من ثقافة أخرى، فسيكتسب خبرة رائعة. توجد في الكويت مدارس خاصة لتعلم اللغة الألمانية، كما توجد مدرسة ألمانية، إلا أنها مبادرة فردية. فمن هذا الجانب يوجد في الكويت بعض من الإمكانات لتعلم اللغة. ● ما هو فريق كرة القدم المفضل لديك؟ - ولدت في مدينة نورينبرغ، لهذا يربطني شغف وتعاطف كبير مع نادي ف سي نورنبرغ. لقد فاز النادي في فترة شبابي مرات عدة ببطولة كأس ألمانيا، ولكنه يلعب الآن في الدرجة الثانية. مازلت أشجعه والمشجع المخلص هو الذي يبقى يشجع فريقه، بغض النظر عن الموقع الذي يحصل عليه. ● باعتبارك مهتما بالعمارة، ما هي المدرسة الألمانية المعمارية المفضلة لديك؟ وما السر وراء انتشار مدرسة الـ «باوهاوس» بنظرك؟ - الكلاسيكية الحديثة التي تتجسد في مدرسة الـ «باوهاوس» هي التصميم المفضل لدي حتى في انتقاء المفروشات وأدوات الاستعمال. فمبدأي مدرسة الباوهاوس «الشكل يتبع الوظيفة» و»القليل هو الكثير» كانا سببا في تحقيق لغة تصميم واضحة واختزال أشياء كثيرة، وأشعر بأنها محررة كليا. وأقدر العمارة الكلاسيكية، وبشكل خاص المهندس المعماري شنكل الذي صمم أبنية مهمة جدا في برلين وبراندينبورغ، فكلا الأسلوبين في التصميم يعطي معنى عظيما ومناسبا عموما وبنفس الشيء أقدر الفن المعماري العربي بشكل كبير. ● من خلال اهتمامك بالتاريخ، هل تعتقد أن ما تمر به أوروبا الآن قد يؤدي في المستقبل إلى تقوية النزعات الانفصالية وانقسام ألمانيا شرقا وغرباً؟ - أستبعد حدوث انقسام في ألمانيا أو داخل أوروبا، حيث يتمتع سكان أوروبا، منذ وقت طويل، بمزايا أوروبا الموحدة، مثل إلغاء الحدود وتوحد الصرف النقدي، وتذليل أي عائق من دوره أن يسبب اضطرابا في التبادل. كما يبدو على مسرح الوضع السياسي الراهن في العديد من الدول هناك ميول لمزيد من العزلة، ومن واجبنا هنا أن نؤكد بشكل متكرر قيمة التعاون والانفتاح تجاه الآخر. لدينا أكثر من السيارات حول المجالات التي تحتاج إلى تطوير، ضمن إطار العلاقات الألمانية- الكويتية، وصف السفير الألماني، العلاقة بين الطرفين بالحميمية والمكثفة، الأمر الذي يمكن معاينته من خلال مجموعة اللقاءات، وعلى مستوى عال جمعت بين الطرفين، لاسيما التعاون القوي على المستوى السياسي في سبيل التوصل إلى حلول للأزمات التي تعصف بالمنطقة كالتي في اليمن، والتغلب على أزمة اللاجئين في سورية. كما أشار إلى العلاقات الممتازة بين البلدين على الصعيد الاقتصادي، وقال «يرى المرء الكثير من السيارات الألمانية الصنع في الشوارع الكويتية، غير أن ألمانيا لديها الكثير من المنتجات التي تقدمها الى السوق الكويتي إلى جانب السيارات الفخمة وفريق بايرن ميونيخ الشهير». وأضاف: «تعد برلين على سبيل المثال المشهد الأكثر إبداعاً، وكذلك هامبورغ وميونيخ. وتقدم جامعات ألمانية ذات مستوى ممتاز عروضا دراسية باللغة الإنكليزية، وسأسعى جاهداً للتعريف بهذه الجامعات في الكويت».
مشاركة :