محمد ولد محمد سالم من الإمارات إلى البحرين إلى الأردن إلى الجزائر إلى موريتانيا، يشكل مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي في دورته الثانية احتشاداً غنياً بألوان من الفرجة الشعبية التي تعكس خصوصية المكان الذي احتضنه والزمان الذي صاغه خلال مسيرته الطويلة، حتى استقر على ما هو عليه، وأصبح تراثاً خاصاً للمنطقة، لكنه ظل يرتبط بأسباب وثيقة بفضاء الثقافة العربية الأوسع، ما يجعله يشكل اليوم رافداً مهماً لهذه الثقافة، وعامل غنى وإضافة لها. في حكايات الصحراء تتشكل المشاعر على لوحات من الشعر والموسيقى والغناء والرقص والأزياء الشعبية المتنوعة القادمة من أعماق ذلك الفضاء الرحب، ويصطبغ الصراع الأزلي مع الطبيعة القاسية، بقيم الجماعة الواحدة المتكاتفة من أجل مواجهة الطبيعة، والتغلب على قساوتها، وأخطارها، فتتراجع الذاتية والفردانية، وما يرتبط بها من مساوئ الأنانية، لتفسح المجال للسمو والأثرة والتضحية والكرم كقيم سائدة يؤمن بها الجميع ويطبقونها، ولا يقبلون خرقها، ويصوغون إبداعاتهم التعبيرية والأدائية من أجل ترسيخها لدى الأفراد، وهذا ما يجعل الظواهر الفنية والاحتفالية الصحراوية، ذات علاقة أكيدة بالمسرح، حتى وإن بدت ممارسات شعبية من الغناء أو الرقص أو الموسيقى أو الشعر، فسوف يجد المسرحي الحاذق دائماً مظاهر فنية قابلة للتأويل الدرامي، وبالتالي قابلة للتوظيف في سياق عرض مسرحي ذي خصوصية. من خلال متابعة دورتي المهرجان السابقتين، يمكن القول إن بعض التجارب بدت استعجالية، واهتمت فقط بالبنية الشكلية الفوقية للظواهر الفولكلورية، التي تتيح التعاطي الجماهيري معها، ولم تتوقف عند قابليتها للتوظيف الدرامي، ومهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي هو في العمق دعوة إلى النظر في تلك الأبنية الفنية من زاوية قابلياتها التأويلية في المجال الدرامي، لكي تكون تعزيزاً لخطاب مسرحي عربي بمعنى الكلمة، يكمل ما سبق من تجارب مسرحية على أيدي الرواد الذين حاولوا تمهيد طريق الخصوصية تلك، واختطاط خطوطها العريضة، وقد أشار صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة إلى ذلك الأفق البحثي الذي يفتحه المهرجان أثناء حديثه إلى أعضاء فرقة مسرح الشارقة بعيد انتهائهم من عرض مسرحية داعش والغبراء التي كتبها سموه، حيث أكد أن المهرجان هو بحث عن فرجة مسرحية جديدة تنطلق من أعماق المجتمع الصحراوي ولا تتقيد بالعلبة الإيطالية، مشيراً إلى أنه تابع في السابق بعض التجارب العربية في هذا الصدد، لكنها كانت مجرد استعراض، ولم تكن مسرحاً، بمعنى أنها خلت من الطرح الدرامي. إنها إذاً فرصة للمسرحيين مخرجين وكتّاب وباحثين لاستخراج الظواهر المسرحية الصحراوية، والريفية عموماً من مكامنها، وصقلها وإعادة صياغتها في ثوب يخلص للمسرح، ويخلص أيضاً للمجتمع، ويعطي للمسرح هويته، ويعطي للمجتمع خصوصيته، وتلك هي المعادلة الصعبة التي يتحدى بها المهرجان كل الفنانين المسرحيين العرب. dah_tah@yahoo.fr
مشاركة :