بغداد: أفراح شوقي الخروج عن المألوف وكسر الروتين وتقليد السفاحين والإرهابيين ورجال الشرطة والشخصيات المرعبة، كانت أبرز ملامح الاحتفالات والأزياء التنكرية التي سادت حفلات تخرج طلاب عراقيون في نهاية عامهم الدراسي الحالي من الجامعات والمعاهد، واصفين تخرجهم بأنه «آخر أفراحهم»، وما بعده ليس سوى كابوس مشكلة «البطالة»، وانتظار وعود مرشحين جدد بحلها. موسم حفلات تخرج طلبة الجامعات في العراق، يبدأ عادة في منتصف مارس (آذار) ويتواصل حتى نهاية أبريل (نيسان) المقبل، صار من المناسبات الشائعة بعد أن كان محدودا في سنوات النظام السابق، واتخذ أشكالا مميزة واحتفالات مبهجة ومفاجآت يبتكرها الطلبة بتحضيرات مسبقة ليس أولها ابتكار الملابس التنكرية الغريبة والحفلات الصاخبة، ولا آخرها زفات الأعراس الافتراضية والحقيقية أحيانا، التي عادة ما تصاحب مناسبات كهذه مناسبات لإعلان زواج طالبين، فضلا أن يتواكب عرسهما مع حفلة تخرجهم من الجامعة، ووداع آخر أيام الدراسة. ومن وسط باحة كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد، ترددت أكثر من صورة بهيجة لاحتفالات الطلبة التي تنوعت ما بين مهرجانات الأزياء التنكرية والشعبية المتقنة والمفعمة بالجمال والألوان وتقليد الأزياء العربية والكردية والهندية والغربية وأفلام الكاوبوي، والإرهابيين والسفاحين وأجمل زفة عرس حقيقية، وتقمص حركات وأشكال أهم الشخصيات الكارتونية والفنية والسينمائية الشهيرة، إضافة إلى تقديم لوحات استعراضية وفنية كوميدية، من بينها مشهد لنداءات متسول معاق بدت كأنها حقيقية، وعبرت عن إبداعات وابتكارات الطلبة وصخبهم بالحياة. الطالبة هدى رمضان، قسم مسرح، عبّرت في حديثها لـ«الشرق الأوسط» عن فرحتها باحتفالات التخرج التي تكون من ابتكارات الطلبة وحدهم، ويتخلصون فيها من توجيهات المعلم الذي عادة ما يحجم أفكارهم ويزجها في الممنوع والمحظور. وأضافت: «بعض الطلبة يلجأون لإخافتنا بارتداء ملابس الأشباح، أو الأقنعة المخيفة، لكنها تكون مسلية لنا جميعا وتحمل طرائف لا تنسى». وفضلت الأستاذة التدريسية دكتورة ارادة الجبوري في كلية الإعلام جامعة بغداد مشاركة الطلبة احتفالاتهم ورقصاتهم العفوية وسط الجامعة قائلة: «الطلبة فرحون بحياتهم الجديدة، ونحن نشاركهم أفراحهم، ونتمنى لهم حياة مثمرة وتواصل العمل لأجل مستقبل أفضل». أما الطالب سرمد سهيل من قسم المسرح، فقد اختار تقليد أزياء الهنود الحمر، مع صباغة وجهه بالألوان المميزة هو وعدد من زملائه، وقال عن سبب اختياره هذه الأزياء: «أحببنا أن نمارس حريتنا هذا اليوم بالكامل، وعمادة الجامعة لم تضع أي شروط على ملبسنا وطريقة احتفالنا، وهذا هو سر فرحتنا، لكنها فرحة تشوبها الأحزان والقلق لأننا سنفارق جدران الجامعة التي عشنا فيها أربع سنوات، وسنمضي في محنة البحث عن وظيفة مناسبة لتأمين المستقبل المجهول حتى الآن». وأكد الطالب عامر مؤيد خريج قسم علوم الحاسبات في كلية الرافدين الأهلية، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «معظم الأزياء التنكرية التي فضلها الطلبة في احتفالهم هذا العام عبرت عن تأثرهم بطبيعة الأجواء الأمنية الصعبة في البلاد، ومخاوف الموت المفخخ، ومشاهد الأشلاء الممزقة، والخشية من المستقبل». وأضاف: «حفلات التخرج فرصة لتغيير الأجواء الروتينية، والتقاط الصور الجماعية، ومناسبة للفتاة خصوصا كي تعبر عن فرحتها بين زميلاتها وزملائها، خاصة وهي ترتدي الملابس التنكرية التي تخفي شخصيتها أحيانا. وعن أحلام الشباب بعد التخرج، قال: «معظم الشباب يفكرون في إيجاد تعيين أو وظيفة مناسبة له، إضافة إلى تمنياتهم باستقرار الأوضاع الأمنية في البلاد». الطالب زياد عثمان، فضّل ارتداء ملابس الإرهابيين والقتلة، في حفل التخرج التنكري مع مجموعة من زملائه، وعن سبب اختياره، قال: «كل ما حولنا في العراق عبارة عن موت وخوف من مستقبل مجهول، صرنا نمشي في الشارع ونشعر أن الموت يجري خلفنا ونتصل بأهلنا أكثر من مرة لنطمئنهم أننا ما زلنا على قيد الحياة، بعد كل خبر لتفجير سيارة مفخخة أو عبوة ناسفة تحصل في بغداد». في حين فضلت الطالبة رند عاصم من قسم اللغة الإنجليزية أن ترتدي زي الفتاة القروية، وتشاركها صديقتها التي تحاول أن تضع الخبز في التنور، وقالت: «هذه أجمل أعراسنا وآخر أفراحنا، ونحن نودع أيام الدراسة لنعيش أيام مقبلة يسودها القلق والبحث للفوز بفرصة عمل نحقق بها بعض ما نطمح». وعن رأيه في مظاهر الاحتفال، قال الأستاذ رعد مطشر تدريسي في كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد: «إن الاحتفالية هي أحد تقاليد الكلية، منذ سبعينات القرن الماضي، ولو أنها تغيرت هذا العام، وهي تحمل طابعا مبهجا أكثر بسبب انتماء معظم الطلبة لأقسام فنية ومسرحية وتشكيلية، أي أن ما يقدمونه ضمن اختصاص دراستهم وتوجهاتهم». وأضاف: «فوجئت اليوم بأشكالهم الطريفة وأزيائهم التي زادت الحفل بهجة وغرابة، شارك بها الجميع في طقس جميل نحرص على ديمومته كل عام».
مشاركة :