يثير تصاعد معاداة السامية بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية قلق اليهود الأميركيين، لكن الإسرائيليين يفضلون الأمل في أن يترجم بأفعاله الوعود التي قطعها للدولة العبرية. وتحدثت المنظمة الأميركية للدفاع عن حقوق الإنسان «ساذرن بوفرتي لو سنتر» عن ارتفاع كبير في حوادث معاداة السامية في الولايات المتحدة منذ انتخاب ترامب، معتبرة أنه أسوأ وضع منذ ثلاثينات القرن الماضي. وقدم أعضاء في منظمة «كو كلوكس كلان» دعمهم لترامب، في وقت عمل ستيف بانون الذي عينه ترامب مستشاراً للشؤون الاستراتيجية مسؤولاً في موقع «برايتبارت» الإلكتروني القريب من اليمين المتطرف. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي يفرض نفسه كمدافع عن اليهود ومستعد دائماً لإدانة أخطار معاداة السامية، حاول تبديد المخاوف التي أثارها انتخاب ترامب، معتبراً أنها ظاهرة أقل مدى مما تصور. كما فضل السياسيون الإسرائيليون، خصوصاً اليمينيون، التركيز على الدعم الذي أعلنه ترامب لإسرائيل. وكان ترامب قطع وعوداً براقة لكثير من الإسرائيليين مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس خلافاً للرفض الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. كما عبر عن رغبته في عدم الضغط على الإسرائيليين لصنع السلام مع الفلسطينيين. وعين سفيراً للولايات المتحدة لدى إسرائيل الخميس المحامي ديفيد فريدمان الذي أكد أنه ينتظر بفارغ الصبر القيام بمهمته «في العاصمة الأبدية لإسرائيل القدس». ويرى بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية، الأكثر يمينية في تاريخ الدولة العبرية، أن فوز ترامب يشكل فرصة لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، الأرض الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967. وصرح وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت بأن فكرة قيام دولة إسرائيلية فلسطينية التي تشكل أساس المفاوضات مع الفلسطينيين، انتهت بعد انتخاب ترامب. ويجسد هايا كاسبي وياكوف والدن ناجيان من محرقة اليهود يعيشان في دار لرعاية المسنين في حيفا، المشاعر المتناقضة لليهود. وقالت هايا (83 سنة) في الغرفة التي علقت فيها صور شقيقيها اللذين قتلا في رومانيا، حليفة ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية: «هذا يخيفني بالتأكيد». وأضافت إن «معاداة اليهود قائمة على نطاق واسع، وقد نشهد الوضع نفسه». لكن ياكوف والدن (87 سنة) يفكر في أمن إسرائيل، ولا يعتقد أن المواقف المتطرفة التي يتبناها بعض أنصار ترامب ستؤثر في التزامه حيال الدولة العبرية، بل يعتبر ترامب مؤيداً قوياً لإسرائيل. ويفيــد تقــرير لمـــنظمة «ســاذرن بـــوفرتي لو سنتر» بأن 867 حادثاً عنصرياً سجل في الولايات المتحدة في الأيام العشرة الأولى التي تلت فوز ترامب، يرتدي مئة منها طابعاً معادياً للسامية. كما استهدف صحافيون يهود بهجمات معادية للسامية على شبكات التواصل الاجتماعي. وفي خطاب ألقاه أخيراً، عبر رئيس المنظمة غير الحكومية اليهودية «انتي ديفاميشن ليغ» التي تكافح معاداة السامية جوناثان غرينبلات أن «المجموعة اليهودية الأميركية لم تشهد مثل هذا المستوى من معاداة السامية علناً أو على الساحة السياسية» منذ ثلاثينات القرن الماضي. وعبر بعض الإسرائيليين عن قلقهم من ذلك، وقالت زعيمة حزب «ميريتس» اليساري زهافا غالؤن لوكالة «فرانس برس» في بيان، إن «أعمال الإرهاب هذه تكشف في شكل واضح أن اليهود ليسوا مستبعدين، وأنهم الآن أهداف واضحة للعنف». لكن مسؤولين آخرين يبدون أقل قلقاً، بمن فيهم نتانياهو الذي قال: «هناك دائماً معاداة للسامية لدى المتطرفين، في اليسار المتطرف واليمين المتطرف على حد سواء... لكنني أعتقد أنها ظاهرة هامشية خلافاً لما يتصوره الناس». وكشف استطلاع للرأي أن 55 في المئة من الإسرائيليين اليهود يعتبرون أن من غير المبرر الخوف من تصاعد معاداة السامية مع انتخاب ترامب. ورأى المؤرخ المتخصص بالعلاقات الأميركية - الإسرائيلية غيرشوم غورنبرغ أن اليهود الأميركيين الذين يصوتون بغالبيتهم عادة لمصلحة الديموقراطيين في الانتخابات الرئاسية، يعتقدون بشكل متزايد أن إسرائيل لا تقوم بدعمهم. وقال إن «إسرائيل طلبت دائماً دعم يهود الشتات وتضامنهم، ولا أعتقد أن هذا الأمر يسير باتجاه واحد». وأضاف: «كما تصدت الحكومة الإسرائيلية تماماً لمعاداة السامية في دول أخرى، يجب عليها أن تعبر بشكل ما عن الرد على هذا الوضع، بقلق أو احتجاج». وأثار تعيين بانون كبيراً للمستشارين الاستراتيجيين لترامب قلقاً كبيراً لدى اليهود الأميركيين الذين صوتت غالبيتهم لهيلاري كلينتون التي هزمت في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وكان بانون يدير قبل تعيينه موقع «بريتبارت نيوز» المعروف بنقله تقارير مثيرة لليمين المتطرف، ويتهم بأنه منصة للترويج لأفكار تفوق البيض ومعاداة السامية. وتشعر منظمة «انتي ديفاميشن ليغ» بالقلق لأن «بريتبارت نيوز» تغذيه «شبكة من البيض القوميين العنصريين والمعادين علناً للسامية». وأكدت الزوجة السابقة لبانون أن المستشار الجديد لترامب رفض إرسال أولاده إلى مدرسة لأنها تضم عدداً كبيراً من التلاميذ اليهود. ورفض مدير مكتب «بريتبارت» في القدس أرون كلاين في بيان المعلومات التي قال إن «لا أساس لها وتشكل إساءة» له. وأضاف أن «الادعاء بأن بانون معاد لليهود يثير الضحك إن لم يكن الإحباط». كما نفى بانون ذلك. وهذا ليس غريباً إذ إن تعيينه من جانب ترامب لم يثر ضجة كبيرة في إسرائيل، كما تقول «هداس كوهين» الباحثة في العلوم السياسية. وأوضحت: «بقدر ما تكون يمينياً يقل قلقك من هذا النوع من الأمور»، متحدثة بذلك عن الإسرائيليين وعن هيمنة اليمين المتزايدة في الدولة العبرية. وأضافت أن أعضاء اليمين المتطرف في إسرائيل «يعيشون لحظة احتفالية. فبالنسبة إليهم انتهى حل الدولتين» الإسرائيلية والفلسطينية.
مشاركة :