سياسة أردوغان تجاه القضية الفلسطينية.. استثمار سياسي بقلم: همام طه

  • 12/20/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

سياسة أردوغان تجاه القضية الفلسطينية.. استثمار سياسي حلم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باستعادة الإرث العثماني يفسر بمدى تناقض الآليات السياسية التي يتبناها تجاه قضايا المنطقة وأهمّها القضية الفلسطينية، قضية العرب الأولى، حيث وإن أبدى في خطاباته تعاطفا مع أفراد الشعب الفلسطيني المنكوب، إلا أن سياسته رحبت بعودة العلاقات الإسرائيلية دون مبالاة بأمل الشعب الفلسطيني في الحرية، ومرد ذلك رغبة أنقرة في استعادة وزنها الإقليمي والتصدي لتوغل إيران في المنطقة، منافستها التاريخية على مشاريع النفوذ والهيمنة على الشعوب العربية. العربهمام طه [نُشرفي2016/12/20، العدد: 10491، ص(6)] الترحيب بالود الإسرائيلي شكلت القضية الفلسطينية الذريعة الأساسية التي تتبناها السياسة التركية للتدخل في قضايا المنطقة العربية في عهد حزب العدالة والتنمية الحاكم، ومثلت موضوعا تعبويا استغله واضع السياسة التركية للتغلغل في الوعي الشعبي العربي والمزايدة على الأنظمة العربية، وتوظيف الدور التركي في القضية لاكتساب شرعية إسلامية وبناء مكانة اقتصادية وتأثير إقليمي ودولي. لكن تطورات الأوضاع في سوريا والعراق وتصاعد السردية الطائفية لصراعات المنطقة جعلت الساسة الأتراك يستديرون للاستثمار في “القضية السنية” لتحتل لديهم أولوية على القضية الفلسطينية، غير أن المصلحة القومية التركية ظلت باستمرار جوهرا ثابتا للسياسة التركية. أما المواقف الإقليمية، ومهما بدت أخلاقية أو أيديولوجية، فتبقى مجرد أدوات متغيّرة لتحقيق الأمن الاستراتيجي والحلم القومي لتركيا، وهو ما يؤكده الأكاديمي العراقي مثنى علي المهداوي، فيقول “إن المصالح القومية وتحولات السياسة الإقليمية هي التي تحدد موقف الحكومة التركية من الصراع العربي – الإسرائيلي، وليست المتبنيات الأيديولوجية الإسلامية لحزب أردوغان أو المشتركات الدينية مع العالم العربي”. وأضاف المهداوي، في دراسته التي نشرتها دورية مركز الدراسات الفلسطينية في جامعة بغداد، أن الفاعل التركي يعتمد سياسات براغماتية لتعزيز نفوذه الجيوسياسي في الشرق الأوسط، وأنه يزاوج بين مواقف متناقضة لتحقيق أهدافه الإقليمية والدولية. ويعتقد الأكاديمي العراقي أن موقف الحكومة التركية من القضية الفلسطينية يتأثر إلى حد كبير بالسياسة الأميركية، ولا يعبّر عن حالة من الإجماع التركي في الداخل، وأن الاستثمار في قضايا المنطقة والبحث عن الدور والمكانة هما هاجسا صانع القرار التركي. البراغماتية التركية تتجلى في استمرار العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل على الرغم من التوتر بين البلدين مواقف قابلة للتغيير يوضح المهداوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد، أن السیاسة التركیة تجاه القضية الفلسطينية شهدت تحولا سیاسيا وليس استراتیجيا بعد وصول حزب العدالة والتنمیة للسلطة عام 2002، واصفا التضخیم العربي الشعبي لمواقف حكومة الحزب تجاه فلسطين بأنه نتيجة للتحول الإعلامي الكبیر في الخطاب التركي تجاه إسرائیل، وهو تحول لا یمكن التعويل عليه كثیرا على المستوى الاستراتيجي وحتى على المستوى السیاسي، لأنه یظل تحولا تمكن الاستفادة منه في مرحلة معینة لكنه غیر مضمون في المستقبل. ويعتبر المهداوي المواقف التركیة مرحلیة وقابلة للتغيير حتى وإن استمر حزب العدالة والتنمیة في السلطة. فالمصلحة القومیة التركیة والتوازنات الإقلیمیة في المنطقة هي في تقديره ما يحدد الموقف التركي تجاه النزاع العربي – الإسرائیلي، ولیست التوجهات الإسلامیة لحزب أردوغان أو الروابط الدینیة لتركیا مع العرب. ويفيد الباحث بأن تركیا باتت دولة محوریة وحاضرة في كل قضایا المنطقة، ونهض دورها على سیاسة خارجیة اتسمت بالمبادرة لا بردود الفعل، وتم تنفيذها بطرق مختلفة تراوحت بین الخطاب الإعلامي والرؤية الاستراتیجية. ويرى الأكاديمي العراقي أن التعدد والتباين في طرق تنفیذ السیاسة الخارجیة التركیة يكشفان أنها تسیر بالاتجاه المستقبلي الذي یعزز الدور التركي في الشرق الأوسط، فالسیاسة الخارجیة الناجحة تعكس وجود عملیة دینامیكیة تأخذ في الاعتبار المصلحة القومیة والأوضاع البیئیة الدولیة، والتي تترجم إلى واقع ملموس عبر الأداة الدبلوماسیة. ويصف المهداوي تركیا بأنها دولة براغماتیة تسعى إلى المزواجة بين عدد كبیر من التناقضات، فهي دولة علمانیة الدستور وذات نزوع للاندماج في كتلة علمانیة هي الاتحاد الأوروبي لكنها تقاد من حزب العدالة والتنمية الذي يستند إلى قاعدة شعبیة دینیة. وتحرص تركيا على تنمية علاقاتها الاقتصادیة مع الدول العربیة، لكن علاقاتها الاقتصادیة مع إسرائیل لا تشهد تراجعا رغم الارتباك السیاسي في العلاقة بین البلدین. وهي دولة تنتمي إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، لكنها عضو فاعل في حلف شمال الأطلسي. ويشير المهداوي إلى الحرص الأميركي البالغ على استمرار علاقات تركيا الإیجابیة مع إسرائیل على حساب أي علاقة لها مع الدول العربیة ولا سیّما الفلسطینیین، ما يقيّد باعتقاده الدور التركي بالدور الأميركي إلى حد كبير. ويرهن الباحث فرص بلورة سياسة تركية مستقلة عن الأميركيين إزاء القضية الفلسطينية بقدرة أنقرة على بدء حوار دبلوماسي مع الولایات المتحدة بهدف تخفيف موقفها السلبي تجاه النزاع العربي – الإسرائيلي، كي تتمكن تركيا من التحرك والاستثمار فيه. ويضيف أن تركيا حاولت استثمار عدم ارتیاح إدارة باراك أوباما من السیاسات المتطرفة لحكومة نتانیاهو، فسعت إلى الاستفادة من العامل الأميركي لإعادة صوغ العلاقة مع إسرائیل بما یسمح بتحقیق تسویة مقبولة للصراع العربي – الإسرائیلي تؤدي إلى تعزیز النفوذ التركي في الشرق الأوسط. التعدد والتباين في طرق تنفیذ السیاسة الخارجیة التركیة يكشفان أنها تسیر بالاتجاه المستقبلي الذي یعزز الدور التركي في الشرق الأوسط الهاجس الإيراني يبدو الهاجس الإيراني حاضرا ومؤثرا بقوة في السياسة الخارجية التركية، فما يحكم العلاقة بين البلدين هو التزاحم الجيوسياسي والتنافس الإقليمي وصراع النفوذ؛ لكن براغماتية الطرفين تمنع التصادم المباشر بينهما وتتيح لهما الاستثمار في نزاعات المنطقة وتحولاتها والاستمرار في التدافع البيني مع الاحتفاظ بـ”مساحة أمان” لتبادل المصالح الاقتصادية والتنسيق المشترك. وتمنح هشاشة أوضاع العالم العربي الفرصة للبلدين للتمدد والتأثير فيه بصيغ مختلفة. ويفسر الباحث المهداوي ذلك بأن تركیا بمنظورها البراغماتي عملت على تعزیز مركزها الإقلیمي على حساب إسرائیل عن طریق توظیف الأوضاع العربیة لمصلحتها؛ لكنها لن تتردد في التراجع عن موقفها من إسرائیل في حالة تزايد نفوذ إيران في غرب آسيا أو انفتاح الغرب على طهران. وقد تحققت تنبؤات الباحث فعلا، حيث شرعت تركيا في تطبيع علاقاتها مع إسرائيل على وقع تطورات خارجية تمثلت بالاتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع الغرب وتعاظم دورها في المنطقة، وتداعيات الأحداث السورية وانخراط الفاعل الروسي في الصراع، ومحاولة الانقلاب التركي الفاشلة في الداخل. ووفق المهداوي، فإن العامل الاقتصادي تحكّم في تحدید التوجه التركي إزاء النزاع العربي – الإسرائیلي، إذ يشير إلى التطور الذي طبع العلاقات الاقتصادية بين تركيا والعالم العربي، وقفزة حجم التبادل التجاري بین الطرفین من 7 ملیارات دولار في العام 2002، تاریخ تولي حزب العدالة والتنمیة للسلطة إلى 37 ملیار دولار في العام 2008. ورغم الأزمة الاقتصادیة فقد بلغ حجم التبادل 29 ملیار دولار في العام 2009. ويستدل الباحث على براغماتية السياسة التركية وعلاقاتها المزدوجة بأن الإمارات جاءت الأولى بين دول المنطقة في الاستيراد من تركیا قبل تداعيات الربيع العربي، بینما احتلت إیران المركز الأول في التصدیر إليها. وتتجلى البراغماتية التركية أيضا في استمرار العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل على الرغم من التوتر بين البلدين في عهد حزب أردوغان، حيث يلفت الباحث إلى ارتفاع حجم التبادل التجاري بین إسرائیل وتركیا من ملیار و405 ملایین دولار في العام 2002 إلى 3 ملیارات و443 ملیون دولار في العام 2010. ويمكن أن نستنتج من مقاربة الباحث حول براغماتية السياسة التركية أنها كانت تجني المنافع الاقتصادية من الجانبين العربي والإسرائيلي بينما تستثمر إعلاميا وسياسيا في الصراع بينهما عبر تبني القضية الفلسطينية. ويبدو أنها تسعى إلى الاستمرار في هذا السيناريو أو “اللعبة المزدوجة” بالجمع بين التنسيق مع إيران من جهة، والاستثمار في التوتر بين العرب وإيران من جهة أخرى. وعمل راسم السياسة التركية على الاستثمار عربيا في القضية الفلسطينية والتهديد الإيراني وركوب موجة الربيع العربي ودعم الإسلام السياسي، أما إسرائيليا فتجسّد استثمار أنقرة من خلال حاجة إسرائيل للاعتراف من دولة إسلامية كبيرة مثل تركيا وشعورها بالخطر الإيراني، كما عوّل على الحرص الأميركي على العلاقة بين حليفيها في المنطقة. ويعزو الباحث مساندة تركيا للربيع العربي إلى سعيها لاستثمار التحولات البنیویة التي بدأت تصيب النظام الإقلیمي العربي، حيث أدركت أن التغيير الذي أفرزته الثورات سیعزز دور الشارع العربي في عملیة صنع القرار السیاسي، فصعّدت مواقفها تجاه إسرائيل لرغبتها في محاكاة الشارع العربي الذي تعرف أنه أكثر رفضاً للعلاقة مع إسرائیل من النظام الرسمي العربي. كاتب عراقي :: اقرأ أيضاً الأردن وسيط متوازن بين الأطراف السياسية العراقية سجون العراق تفيض بالمعتقلين الأبرياء ماذا عن المشاركة في احتفالات من يختلفون عنا في المذهب والمعتقد

مشاركة :