يحتاج كل كابتنٍ شخصاً يكون ذراعه الأيمن، شأنه في ذلك شأن الجنرال الذي لا بد له من الإستعانة بخدمات الملازم؛ فكل قائد يحتاج إلى مساعد يمدّ له يد العون. ولا يشكل هذا الأمر استثناءاً في عالم كرة القدم؛ فعندما يجد مدربٌ مساعداً جيداً فهو يحتفظ به إلى جانبه قدر المستطاع؛ ولعل ذلك ينطبق على مدرب المنتخب البرتغالي فيرناندو سانتوس وما فعله خلال معظم مراحل مسيرته التدريبية. وحرص هذا المدرب المرشح لجائزة FIFA لأفضل مدرب للرجال، على أن يُبقي خورخي روساريو إلى جانبه وبالقرب منه، حتى منذ بداياته الأولى على كرسي الإحتياط قبل ربع قرن من الزمن. قد يبدو اسم روساريو مغموراً بالنسبة للعديدين، إلا أنه عمل كمساعد للمدرب خلال معظم مراحل تلك الفترة. وقد تمت إضافة اسمه في اللحظات الأخيرة إلى طاقم المنتخب البرتغالي الذي شارك ضمن نهائيات كأس الأمم الأوروبية الأخيرة، حيث عمل ككشاف، ليكون بذلك جزءاً أساسياً من قصة سانتوس. وفي حوار نادر خص به موقع FIFA.com، سلّط روساريو الضوء على علاقة الصداقة التي تجمعه بهذا المدرب المتوّج باللقب القاري، وكيف أصبح سانتوس واحداً من أفضل المدربين في العالم، وبطلاً قومياً. كانت بداية الحكاية على ملاعب البرتغال خلال ثمانينيات القرن الماضي؛ حينها كان الشاب سانتوس يخطو خطواته الأولى في عالم التدريب. وفي تلك الفترة، دعا هذا الداهية روساريو، وسط الميدان المخضرم، للإلتحاق به في إيستوريل ضمن دوري الدرجة الثانية البرتغالي. وبهذا الخصوص، قال روساريو "كان فريقاً شاباً حقاً. كنت دائماً اللاعب الأكثر خبرة وحاولت أن أكون صوت المدرب على أرض الميدان." وتابع قائلاً "كان موسماً أول رائعاً للغاية، حيث تمكنا من الإرتقاء إلى الدوري الممتاز في المراحل الأخيرة. كان الفريق شاباً ويعج بالمواهب وكنا فخورين لما حققناه." شهد موسم 1990-1991 بلوغ سانتوس للدوري الممتاز لأول مرة؛ ومنذ ذلك الحين أشرف على فرق تنتمي لدوري الصفوة. وبعد موسمين إضافيين، انتقل روساريو إلى ألفيركا، غير أن الفراق لم يدم طويلاً، لتبدأ مرحلة النجاحات. وفي هذا الصدد، أفاد روساريو "قال لي سانتوس حين تلعب مباراتك الأخيرة، ستأتي معي إلى إيستريلا دا أمادورا (الفريق الذي سيشرف عليها سانتوس لاحقاً) بصفتك مساعدي. منذ ذلك الوقت قمت بأدوار مختلقة ولازمته في كل لقب فاز به." وكانت أولى إنجازاته الكبرى مع بورتو، حيث انتزع لقب الدوري الممتاز -الخامس على التوالي للنادي. وكانت المرة الأولى التي يشرف فيها سانتوس على نادٍ كبير من حجم بورتو. وفي نظر روساريو، ليست ثمة اختلافات كبيرة بين سانتوس المتوج باللقب سنة 1999 وسانتوس الذي حمل الكأس القارية رفقة الكتيبة البرتغالية هذا العام في ستاد دو فرونس. غير أنه يشعر أن الكثير من الأشياء تغيرت من حوله. وهنا قال وسط الميدان السابق، الذي يرى أن قدرات سانتوس التدريبية تطوّرت في تلك الفترة، "إنه نفس الرجل المتواضع، إلا أن السياق مختلف تماماً. ليمكن أن نقارن كرة قدم اليوم بمرحلة انقضت بخمس وعشرين سنة." ويؤمن أيضاً أن انفتاح مدرب المنتخب الوطني ورغبته في تطوير مستواه ساعداه على المضي قدماً في اللعبة، رغم أنه يعترف أن سانتوس "يمتعض بعض الشيء في حال الهزيمة،" وتابع قائلاً "إنه قائد بالفطرة. قد أقول على سبيل المزحة أنه الجنرال ونحن -الفريق الفني واللاعبون - ملازموه وجنوده. لم يفقد قط أعصابه على أرض الميدان، ولا صفاته. إنه رجل طيب." الملحمة اليونانية تعرّضت صفات هذا المدرب ومميزاته إلى اختبار عسير؛ فبعد ثلاث سنوات ناجحة في بورتو، غادر الأجواء البرتغالية المريحة ليتولى مقاليد آيك أثينا اليوناني. وكانت مهمته الجديدة زاخرة بالتحديات وشكلت مغامرة عادت على الثنائي سانتوس وروساريو بالنجاح وقوّت رابط الصداقة بينهما وجعلتهما يحظيان بإعجاب الجماهير والمهتمين. وقال روساريو متذكراً "الصعوبة الكبيرة في اليونان كانت تكمن في التأقلم مع اللغة؛ فتعلم اليونانية أمرٌ صعب للغاية. تقاربنا أكثر لأنني كنت أقضي معه وزوجته وقتاً طويلاً خاصة في السنة الأولى. لقد كانا يعاملانني بشكل رائع كما العادة. اليونانيون إما يحبونك أو يكرهونك؛ وبالنسبة لفيرناندو سانتوس فقد أصبح في وقت وجيز ملكاً. كان محبوباً في اليونان، بغض النظر عن مهمته في ناديه. وعندما يتعامل معك الناس بحبٍ واحترام فكل شيء يصبح سهلاً." ويتذكر روساريو بإعجاب مناسبة شهدت تأكيد المكانة الكبيرة التي يحظى بها سانتوس لدى الجماهير اليونانية. وهنا قال "أعشق قصة حدثت لنا في اليونان حين كنا في آيك أثينا؛ فقد واجه سانتوس بعض المشاكل مع رئيس النادي، جعلته يُلوّح بالرحيل. بعد ذلك، عدنا إلى البيت، وبقينا هناك يومين بسبب الثلوج الكثيفة." وتابع قائلاً "ذات يوم من تلك الأيام ذهبت لأتمشى في الجوار؛ كانت هناك جدران عالية، إلا أنني رأيت شخصاً على كرسي متحرك ولمحت أكثر من ثلاثة آلاف مشجع خلف الأبواب يرددون اسم فيرناندو. كانوا يقولون أن الرئيس بإمكانه أن يذهب، لكن فيرناندو عليه أن يبقى. وبعدها عدت للبيت وقلت له فيرناندو لدينا بعض المشاكل في الخارج، عليك أن تذهب لترى بنفسك. بعد ذلك، بقينا في آيك." وبعد التجربة التي قضاها في أثينا، خاض الثنائي تجربة في كل من باناثينايكوس وباوك وبنفيكا وسبورتينج سي بي. وبعد ذلك، افترق الثنائي بعد أن تسلّم سانتوس مهام تدريب المنتخب اليوناني. وكان قد انتخب مدرب العقد في بلاد الحضارة الإغريقية. وقد تمكّن في مهمته الجديدة من قيادة الكتيبة اليونانية إلى دور الستة عشر ضمن نهائيات كأس العالم البرازيل 2014 FIFA، وهي أفضل مشاركة لها في العرس العالمي على الإطلاق. اجتمع الثنائي مرة أخرى في الصيف الماضي، بعد أن استمر روساريو في العمل كمساعد مدرب في الدوري البرتغالي الممتاز. وعن النجاح في كأس الأمم الأوروبية بفرنسا يقول "لطالما كنت ممتنا لفيرناندو لأنه منحني تلك الفرصة. نحن محترفان ونفرق بين الصداقة وكرة القدم، لكن فرصة العمل معه خلال كأس الأمم الأوروبية 2016 كانت اللحظة الأكثر إشراقاً في مساري. وكنت أنتظر ذلك منذ وقت طويل." ويتطلع روساريو، الذي يشغل دور مساعد مدرب في المنتخب الوطني، لبطولات مثل كأس القارات روسيا 2017 FIFA وكأس العالم روسيا 2018 FIFA. ويرى هذا الصديق الوفي، الذي لازم سانتوس لأزيد من عقدين، أن ربان المنتخب البرتغالي يستحق أن ينال التشريف خلال حفل توزيع جوائز The Best لكرة القدم من FIFA يوم 9 يناير/كانون الثاني في زيوريخ، جزاءاً لما أنجزه خلال السنة الجارية. وفي هذا السياق قال روساريو "ترشيحه للجائزة مستحق. لقد كان التتويج بكأس الأمم الأوروبية على حساب فرنسا في باريس بمثابة حلم. نحن بلد صغير وعلينا أن نواجه الأفضل. نحن فزنا وعلى فيرناندو سانتوس أن يفوز بالجائزة أيضاً. ليس هناك أفضل منه في 2016."
مشاركة :