عبر التاريخ كان الاغتيال السياسي حاضراً باعتباره إحدى أدوات الحرب والصراع، لكن كان ثابتاً على الدوام أن الأطراف المتصارعة تحتاج إلى قنوات تواصل وحوار وتفاوض. من هنا تكتسب اغتيالات الدبلوماسيين المنوط بهم تأمين التواصل بين الدول دلالات خطيرة. لم تنجح اتفاقية «فيينا» بحماية السفير الروسي آندريه كارلوف من رصاص الشرطي التركي الشاب مولود ميرت الطنطاش، تاركاً إياه صريعاً، وسط قاعة معرض فني بالعاصمة التركية أنقرة. لم يعلم هو وزملاء آخرون في السلك الدبلوماسي بأن نهايتهم ستكون قتلاً في أعمال إرهابية أو عدائية، ذنبهم الوحيد فيها أنهم محسوبون على دول لها عداءات خارجية، أو كانوا أهدافاً سهلة يسهل الوصول وإرسال الرسائل من خلالها. ومما لاشك فيه أن اغتيال كارلوف، ذلك الدبلوماسي المخضرم، الذي يصفه زملاؤه بأنه كان هادئاً ودبلوماسياً محترفاً، سبب خضّة في تركيا وروسيا على حد سواء. لكن اغتياله لم يؤد إلى نشوب حرب عالمية ثالثة أو أزمة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين أو إلى اجتياح روسي لتركيا كما كان يخشى البعض نتيجة حوادث تاريخية سنتعرضها بإيجاز. بل بالعكس، استخدم الرئيسان التركي رجب طيب إردوغان والروسي فلاديمير بوتين الخطاب ذاته، فقد وصفا عملية الاغتيال بأنها «استفزاز» يستهدف تقويض العلاقات بين البلدين، وأكدا أن هذا المسعى لن ينجح ابداً في نيل مبتغاه. ويسعى السفير إلى حماية مصالح بلاده وتوطيد العلاقات الثنائية بين الطرفين تجنباً لامتعاض خارجيته أو البلد المضيف، لكنه قد يفشل بتجنب استدعاء السماء له. وفيما يلي بعض أبرز حوادث اغتيال السفراء وأبرز حادثة أشعلت فتيل حرب عالمية: 7 سفراء للولايات المتحدة تعرض جون غوردون ماين للخطف في أغسطس 1968 وأعدم على أيدي أفراد من القوات المسلحة المتمردة في غواتيمالا. وفي مارس 1973، تم احتجاز سفير الولايات المتحدة كليو نويل ومستشاره والقائم بالأعمال البلجيكي رهائن في السودان، من قبل قوة فلسطينية أعدمتهم بعد ذلك بيومين. وفي قبرص، في أغسطس 1974، قتل رودجر ديفيز بالرصاص في مقر السفارة في نيقوسيا خلال تظاهرة للقبارصة اليونانيين الذين يتهمون الولايات المتحدة بدعم سيطرة الأتراك للجزء الشمالي من الجزيرة. أفغانستان وباكستان أما في أفغانستان، فبراير 1979، فقتل أدولف دابس في الهجوم الذي شنته القوات الحكومية في أفغانستان للإفراج عنه بعد اختطافه في كابول من قبل متطرفين. وبعد أشهر قليلة من اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، تعرض السفير فرانسيس ميلوي والملحق الاقتصادي وسائق السفارة للخطف في بيروت في يونيو 1976، وقتلته مجموعة لبنانية مؤيدة للفلسطينيين. وفي 17 أغسطس 1988 اغتيل السفير الأميركي أرنولد رافيل، في باكستان، بعد أن انفجار قنبلة في الطائرة التي كان يستقلها بصحبة الرئيس الباكستاني في رحلة سرية إلى الولايات المتحدة لاختبار صفقة دبابات. وأحدث اغتيال لسفير أميركي، كان في 11 سبتمبر 2012، حيث قتل سفير الولايات المتحدة لدى ليبيا كريستوفر ستيفنز و3 آخرين في هجوم على القنصلية في بنغازي في شرق ليبيا. ونسب الهجوم إلى متظاهرين غاضبين ضد الفيلم المعادي للإسلام «براءة المسلمين»، وهو إنتاج للهواة بميزانية قليلة في الولايات المتحدة. لكن مسؤولين ليبيين وأميركيين لا يستبعدون فرضية الهجوم المخطط أو حتى تورط تنظيم القاعدة، مضاعفين التصريحات المتناقضة. سفراء فرنسا في الرابع من سبتمبر 1981، قتل السفير الفرنسي لويس دولامار بالرصاص في بيروت على يد مسلحين وهو في السيارة بطريقه من السفارة إلى مقر إقامته، وينسب اغتياله إلى المخابرات السورية. وفي يناير 1993، قتل فيليب برنار سفير فرنسا في كينشاسا رسمياً برصاصة طائشة خلال مواجهات بين جنود متمردين وموالين أمام السفارة. بريطانيا وبوليفيا في الثاني من مارس 1979، قتل سفير بريطانيا في لاهاي، السير ريتشارد سايكس بالرصاص خارج منزله في وسط العاصمة الإدارية لهولندا. وتبنى العملية الجيش الجمهوري الأيرلندي. وكان سايكس قبل تعيينه في منصبه مكلفاً التحقيق في مقتل سفير بريطانيا في دبلن، كريستوفر إيوارت بيغز، جراء انفجار لغم أثناء مرور سيارته. في 11 مايو 1976، مقتل سفير بوليفيا لدى فرنسا جواكين أنايا بثلاث رصاصات أطلقها مسلحون من مجموعة أطلقت على نفسها «كتيبة تشي غيفارا العالمية». سفراء عرب اغتيل السفير المصري إيهاب الشريف في العراق، في يوليو 2005، بعدما خطفه عناصر تنظيم القاعدة وهو يتجول في أحد شوارع بغداد وبعدها قتلته. في 30 ديسمبر 2013 اغتيل السفير الفلسطيني جمال الجمل لدى التشيك، حينما وقع انفجار أدى إلى وفاته متأثرًا بجراح في الرأس والصدر والبطن. كما اغتيل خليفة أحمد عبدالعزيز المبارك، سفير الإمارات في باريس، في 8 فبراير عام 1984، من قبل جماعة فلسطينية يعتقد أنها تتبع أبونضال، حينما أطلق عليه مجهول النار من الخلف وهو يهم بالدخول إلى منزله في فرنسا. أما الدبلوماسية السعودية ففقدت سفيراً في 28 مارس 2003، حيث قتل في مدينة أبيدجان، عاصمة ساحل العاج الاقتصادية، السفير السعودي محمد أحمد رشيد. ولم تسلم الدبلوماسية الجزائرية من هذا الإرهاب، وفي 27 يوليو 2005، أعلن عن إعدام رئيس البعثة الدبلوماسية الجزائرية، السفير علي بلعروسي، بعد اختطافه هو والملحق الدبلوماسي عز الدين بلقاضي، في بغداد، قبل إعدامه بـ6 أيام. وأعلنت جماعة «قاعدة الجهاد في العراق» المتصلة بتنظيم القاعدة الإرهابي مسؤوليتها عن الحادثة. السفير السويسري في 27 مارس 2015، قتل 24 شخصاً على الأقل، بينهم السفير السويسري في الصومال، في هجوم شنته جماعة الشباب الإسلامية المتطرفة على فندق في العاصمة مقديشو. السفير التشيكي في 20 سبتمبر 2008، لقي سفير التشيك في باكستان، إيفو جدياريك، مصرعه جراء تفجير استهدف فندق ماريوت في إسلام آباد، وأعلنت جماعة «فدائيو الإسلام» مسؤوليتها عن الهجوم الذي راح ضحيته 53 شخصاً. أشهر عمليات اغتيال أذيعت على الهواء شهد العالم على مر التاريخ العديد من الاغتيالات التي نفذت بحق قادة وشخصيات عامة، ساعد التطور التكنولوجي في توثيق بعضها، لأن القتل تم على الهواء مباشرة، أو لأن المصادفة لعبت دورها في وجود القتيل في مكان عام، فرصدته عدسات المصورين. واغتيل الرئيس المصري أنور السادات يوم السادس من أكتوبر 1981، بعد أن أطلقت مجموعة من جماعة الجهاد، على رأسهم الملازم الأول خالد الإسلامبولي النار عليه خلال حضوره العرض العسكري الخاص باحتفالات نصر أكتوبر، فلقي مصرعه في الحال، وهو ما عرف باسم «حادثة المنصة». وفي الجزائر اغتيل الرئيس الجزائري محمد بوضياف يوم 29 يونيو 1992، من الخلف بنيران العسكري مبارك بومعرافي، أثناء إلقائه خطابا خلال اجتماع عام بمدينة عنابة شرقي الجزائر، وكان قد مر 166 يوما فقط على مكوث بوضياف في الحكم. أما أسانوما أنجيرو، رئيس الحزب الاشتراكي الياباني، فقد اغتيل عام 1960 على يد شاب يميني، أثناء إلقائه خطابا متلفزا، ودخل الشاب إلى حيث أنجيرو أمام الميكروفون وعاجله بسكين طويلة فمات على الفور. وفي الولايات المتحدة، اغتيل الرئيس الأميركي جون كنيدي يوم 22 نوفمبر 1963، بعد أن أطلق عليه الرصاص من طرف قناص كان يرصده في شرفة، بينما كان يمر في الشارع في سيارة مكشوفة رفقة زوجته جاكلين، في زيارة رسمية لمدينة دالاس بولاية تكساس. أما في آسيا، فقد قتل زعيم المعارضة الفلبينية بنينو أكينو يوم 21 أغسطس 1983، وبينما كان حشد من الإعلاميين ينتظرون وصوله إلى المطار بالعاصة الفلبينية مانيلا، تم احتجازهم جميعا وأقفلت عليهم الأبواب، وعلى بعد أمتار منهم، سمعت طلقات اغتيال أكينو، واستطاع أحد الصحافيين اختطاف لقطة له وهو ملقى ينزف على الأرض.
مشاركة :