بنية النظام السياسي الجزائري كما هي مرسومة في الدستور، وكما تنفذ على مستوى رئاسة الجمهورية لا تسمح ببروز معارضة ذات ثقل سياسي يثق فيها الشعب ويلتف حولها وتصبح ممثله وصوته المعبر عن طموحاته. العربأزراج عمر [نُشرفي2016/12/22، العدد: 10493، ص(9)] ماذا نفهم من بروز حركة تصحيحية، ناسخة لأدبيات الحركة التصحيحية داخل حزب جبهة التحرير الوطني، بين صفوف حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يقوده حاليا أمينه العام أحمد أويحي ومدير ديوان رئيس الجمهورية؟ وما هي تداعيات عمليات التصفية التي تحدث داخل حزب القوى الاشتراكية الذي أسسه الراحل حسين آيت أحمد بعد الاستقلال مباشرة علما أن هذا الحزب قد شهد انقساما في عهد مؤسسه الذي مال قبل وفاته إلى مهادنة النظام في الجزائر ومباركة الكثير من أفعاله والمشاركة في الانتخابات التي انسحبت منها أحزاب معارضة كثيرة أخرى؟ وهل يمكن تفسير ترسيم الاندماج بين حزبي النهضة وجبهة العدالة والتنمية الإسلاميين هذا الأسبوع كبداية حقيقية لجمع شمل جميع الأحزاب الإسلامية في حزب موحد أم أن غياب حزب حمس بقيادة عبدالرزاق مقري عن هذا الاندماج إعلان صريح عن أن ما يسمى بالحركة الإسلامية الجزائرية لم تخرج بعد من صدمة تفكيك ومنع جبهة الإنقاذ الإسلامية من ممارسة أي نشاط سياسي في البلاد؟ ثم ما معنى تقلص الأحزاب العلمانية وفقدانها للأرضية الشعبية الضامنة لاستمرارها كقوى معارضة لها تأثير في الحياة السياسية؟ وفي الواقع فإن من يراقب بانوراما الأحزاب التي تشكل تناقضات المشهد السياسي الجزائري منذ إطلاق التعددية الحزبية إلى يومنا هذا يدرك أنَ الجزائر تعيش في ظل فراغ سياسي يصعب تجاوزه. وفي الحقيقة فإن بنية النظام السياسي الجزائري كما هي مرسومة في الدستور، وكما تنفذ على مستوى رئاسة الجمهورية لا تسمح ببروز معارضة ذات ثقل سياسي يثق فيها الشعب ويلتف حولها وتصبح ممثله وصوته المعبر عن طموحاته في حياة أفضل. من الناحية المنطقية فإن تضخم عدد الأحزاب، التي تتجاوز العشرين حزبا، لا يعني تعدد المشاريع الوطنية، بل إنه دليل على تشظي الحياة السياسية وعلى غلبة نزعة الزعامة الفردية على العمل الحزبي الذي يملك البرنامج والعقيدة الجماعية المؤسسة على الفكر السياسي التنويري. والأدهى هو أن هذا النمط من الزعامة الفردية يكشف بدوره أن معظم مؤسسي الأحزاب الجزائرية، إن لم نقل كلهم، هم في التحليل الأخير مشاريع دكتاتوريين في الانتظار، والدليل على ذلك تشبث عدد منهم بزعامة حزبه على مدى أكثر من عشرين عاما، ومن هؤلاء زعيمة حزب العمال لويزة حنون التي يبدو أنها لن تتنازل عن زعامة حزبها إلا إذا أدركها الموت أو العجز الصحي الشامل والكلي. إن هذا السلوك النمطي يكشف عن عمق الثقافة السياسية المغرقة في الفردية المترسخة في المجتمع الجزائري وعلى مستوى النخب المختلفة ومنها النخب السياسية، وهذا أمر لا يختلف عن سلوك النظام الحاكم الذي يشرع لبقائه بطرق ملتوية وفي صدارتها فتح العهدات الرئاسية. على أساس ما تقدم فإن ما يحدث من صراعات داخل جبهة التحرير الوطني منذ سنوات، وبروز حركة تصحيحية مناوئة لأحمد أويحي وجماعته في التجمع الوطني الديمقراطي كلها حالات لا تشكل وضعية استثنائية، وإنما هي ظاهرة عامة تنتشر في جميع أحزاب السلطة وفي الأحزاب المعارضة، ولا علاقة لها بمفهوم أو ثقافة الدولة العصرية الديمقراطية، وبمصلحة المواطنين والمواطنات الجزائريين. في هذا السياق يمكن القول بأن البنية العميقة الراهنة للثقافة الوطنية الجزائرية السائدة والمتميزة بالنزعة البطريركية المتمركزة على الفرد اللاغي للروح الجماعية هي التي تفرز هذه الأعراض في صورة أحزاب متناثرة ومتصدعة وجمعيات المجتمع المدني المتناحرة. وصل الصراع داخل حزب التجمع الوطني الديمقراطي في هذه الأيام إلى أوجه، حيث نجد جماعة الحركة التصحيحية فيه، والتي تتموقع في الغرب الجزائري الذي انحدر منه رئيس الجمهورية، ترفع شعار الدفاع عن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وتتهم أحمد أويحي بأنه لا يمارس فقط السيطرة على الحزب من خلال تصفية من يعارضه أو يتحرك خارج الإطار النظامي لحزبه بواسطة استغلال وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لنفسه كزعيم لحزبه، وإنما يعمل في إطار الحزب وقصر الرئاسة معا لتلميع صورته لخلافة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. والملفت للنظر هنا هو أن الأمين العام السابق لحزب التجمع الوطني الديمقراطي عبدالقادر بن صالح، الذي يشغل الآن منصب رئيس مجلس الأمة الذي يعتبر دستوريا الرجل الثاني في سلّم الدولة، قد نأى بنفسه حتى الآن عن هذا الصراع ولم يتحرك لنصرة الحركة التصحيحية أو للوقوف إلى جانب أحمد أويحي والجماعة الموالية له. ولكن أحمد أويحي يرفع بدوره شعار مساندة الرئيس بوتفليقة ولا يعارض ترشحه للعهدة الخامسة في عام 2019 بعد انتهاء عهدته الرابعة. وأكثر من ذلك فإن تواجد أويحي على رأس ديوان الرئيس بوتفليقة قد وسّع من نفوذه وصلاحياته، حيث يعتبر أحد الموالين للرئيس والشخصية التي تحرك دواليب السياسات التنفيذية من وراء الستار وبإيعاز من بوتفليقة نفسه حتى على حساب الوزير الأول وحكومته التي تعيّن أساسا داخل أروقة القصر الرئاسي حيث يمارس أحمد أويحي حضوره القوي. كاتب جزائري أزراج عمر :: مقالات أخرى لـ أزراج عمر الجزائر: تصدعات داخل أحزاب السلطة, 2016/12/22 هل الجزائر مركز للتعاون الأفريقي حقا, 2016/12/15 مسار مفكر نقدي شجاع, 2016/12/13 هل انتهت علاقة الشعر بالشعب حقا, 2016/12/09 الجزائر.. صراع النظام ورجال الأعمال, 2016/12/08 أرشيف الكاتب
مشاركة :