حين يقال «أرامكو» فإن أول ما يتبادر إلى الذهن شركة تنتج ملايين البراميل من النفط، وتهيمن على ربع الاحتياط العالمي منه، وساهمت في توفير الرفاه الاقتصادي للسعوديين، إلا أن لهذه الشركة وجوهاً أخرى، ربما تغيب عن الأذهان. دخلت «أرامكو» البلاد قبل تسعة عقود، ولعبت دوراً كبيراً في حفظ الذاكرة البصرية للسعوديين، عبر آلاف الصور التي التقطها مصوروها لمناطق سعودية عدة، خصوصاً الشرقية، رصدت الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافات والعادات والمعالم التاريخية والأثرية. وثقت «أرامكو» على مدار أكثر من 80 عاماً من رحلة البحث عن النفط، جوانب مختلفة للحياة في المملكة وتحولها من بلد صحراوي إلى دولة حديثة، عبر أرشيفها الذي يضم أكثر من 40 ألف صورة للمملكة ومنطقة الشرق الأوسط، متاح غالبيتها للعامة على موقعها الإلكتروني، لتكون بذلك واحدة من أكبر المكتبات الصورية عالمياً. ويخزن أرشيف الشركة آلاف الصور، التي تعكس عادات وتقاليد السعوديين قديماً، وعدداً من الحرف المنتشرة آنذاك، منها الخراز والسقاء الذي كان يجوب شوارع جدة، والخبازون في أفرانهم البدائية، وصناعو الفخار في قرية القارة بالأحساء، وهنود احترفوا مهنة الإسكافي آنذاك، إضافة إلى البدو وأعمالهم اليدوية في صناعة الحصر والسلال والسدو، وطرق صيدهم المختلفة. ويضم الأرشيف صوراً للمنازل التقليدية في الرياض، وجدة، ومكة المكرمة، والطائف، توضح طابعها العمراني المميز، والشرفات المزينة بالنقوش البارزة، وتطور الحياة فيها خلال عقود، إضافة إلى توثيقها بدايات النمو العمراني في مدينة الخُبر. فضلاً عن صور منحوتات برونزية اكتشفت في مدينة حائل قبل ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد. ومن بين الصور التي يقدمها الأرشيف، حملات «أرامكو» الوقائية للتطيعم ضد الملاريا التي نفذتها أوائل الخمسينات من القرن الميلادي الماضي في القطيف عندما كانت الملاريا مستوطنة فيها، إلى أن نجحت «أرامكو» في القضاء عليها عبر رش البيوت بالمبيدات، وصور توضح طرق تعليم العاملين في الحملة وتأهيليهم لتنفيذ العمليات ميدانياً. ويعطي الأرشيف فكرة عن بدايات إنشاء السكك الحديد في السعودية، والتي انتهى الخط الأول منه في أوائل الخمسينات، وربط بين الرياض والدمام، وظل تحت إشراف «أرامكو» حتى إنشاء هيئة مستقلة لها منتصف الستينات. وتوضح الصور أيضاً الاحتفالات بتأسيس الشركة المدرسة الحكومية الأولى في الدمام العام 1954، والتي قامت بعدها الشركة ببناء وصيانة عشرات المدارس. من جانب آخر، يرتبط تاريخ «أرامكو» بالعملة السعودية، إذ كشفت الشركة خلال مشاركتها في فاعليات مهرجان «سفاري بقيق» قبل أسابيع، عن جانب من تاريخ العملات السعودية وتطورها، سواءً في الشكل أو الوزن والانتشار، مستعرضة المراحل التي مر بها الريال السعودي، الذي كان من الفضة قديماً، وكان راتب موظفها الشهري في الثلاثينات يعادل أربعة كيلوغرامات من الفضة. وتعرض الشركة خلال مشاركتها في معرض جدة الدولي الثاني للكتاب حالياً، صور أرشيفية نادرة عن منطقة مكة المكرمة، من بين صورها للمنطقة التي يحفظها أرشيفها على مدار عقود طويلة. وإضافة إلى أرشيف الصور الفوتوغرافية، ينسب الفضل لـ «أرامكو» في إدخال السعودية إلى عصر الإعلام المرئي، بتأسيسها المحطة التلفزيونية الأولى الناطقة باللغة العربية في منطقة الخليج، في أيلول (سبتمبر) من العام 1957، وانطلقت باللونين الأبيض والأسود من الظهران، وتعد ثاني محطة تلفزيونية في منطقة الشرق الأوسط بعد التلفزيون العراقي، ومن أشهر ما قدمته آنذاك برنامج الأطفال «بابا حطاب»، الذي حاز جماهيرية عالية. وإلى جانب الذاكرة البصرية والتفلزيونية تلعب «أرامكو» دوراً في توثيق جوانب أثرية وتاريخية للبلاد، وفي هذا الصدد افُتتحت الإثنين الماضي، فاعليات معرض طرق التجارة في الجزيرة العربية في متحف الصين الوطني في بكين، برعاية من «أرامكو». ويستمر المعرض المقام تحت عنوان «روائع آثار المملكة»، في الصين ثلاثة أشهر، مقبلاً من الظهران، ليواصل المعرض جولته الآسيوية التي ستشمل كلاً من كوريا الجنوبية، واليابان. وقال نائب رئيس الشركة لشؤون أرامكو ناصر النفيسي خلال افتتاح المعرض: «إن قطعه الفنية لا تُقدَّر بثمن، ليس بسبب قيمتها التاريخية والفنية فحسب، وإنما لأنها تروي أيضاً تاريخاً عريقاً لشبه الجزيرة العربية». ويضم المعرض 400 قطعة أثرية من أبرز التحف التاريخية من متاحف سعودية عدة، ويرجع عمرها لحوالى مليون سنة تقريباً، وتستعرض عمق الحضارة العربية وامتدادتها التاريخية منذ العصر الحجري القديم وحتى عصر النهضة السعودي.
مشاركة :