إن انتصار بشار الأسد في المعركة على حلب هو في المقام الأول انتصار بوتن، ورجال الحرس الثوري الإيراني وحسن نصر الله زعيم «حزب الله». هناك اختلافات جوهرية في الرأي بين موسكو وطهران حول المستقبل البعيد، من يحكم في سوريا ويملي على بشار تحركاته، ولكن حتى الآن، وبالتأكيد في السنوات القليلة القادمة، سوف يستمر اشتراك المصالح بينهما أو حتى يزداد، وما الدروس المستفادة في إسرائيل؟. لدى الأسد كل الأسباب لكي يكون راضياً عن نجاحه في البقاء بعد ست سنوات من الحرب الأهلية الدامية في بلاده. انتصاره في حلب يمنحه روحاً معنوية ويسلب من الثوار الأمل في تحقيق انتصار في الحرب على سوريا، بلا أمل ولا مساعدة كبيرة من الخارج، فإن فرصة معسكر الثوار في أن يحول النتائج في ميدان القتال، آخذة في التلاشي، وذلك على الرغم من أن الثورة بعيدة عن نهايتها وما زالت تتمتع بتأييد واسع بين قطاعات كبيرة من المجتمع السوري. من دفع ثمن انتصار بشار الأسد هم بالطبع سكان حلب، التي دمرها الحاكم السوري بمساعدة حلفائه لكي تصبح مثالاً ورمزاً لسكان مدن أخرى في البلاد، وعلى رأسها العاصمة دمشق، حتى لا يخطر ببالهم أن يخرجوا ضده، ولكن ينبغي الاعتراف بأن المأساة في حلب التي ينشغل بها العالم هي فقط قطرة في بحر واستمرار مباشر لفظائع الحرب التي راح ضحيتها حتى الآن ما يقرب من نصف مليون سوري، وفقد 10 مليون آخرين، نصف السكان، بيوتهم ونحو ثلث السكان، 8 ملايين سوري، أصبحوا لاجئين خارج أرضهم. إن مصير حلب هو دليل واضح على أن المجتمع الدولي غير موجود، وربما لم يكن موجوداً قط، وبالتأكيد ليس بالنسبة لجماعة سكانية مدنية واقعة بين المطرقة والسندان وتتحول إلى هدف لنظام ديكتاتوري وحلفائه، حلب تباد، وسكانها يقتلون بالمئات، والآلاف يطردون من بيوتهم، ولكن العالم صامت، باستثناء قليل من تصريحات الإدانة والأسف من جانب قادة في أوروبا والولايات المتحدة. بالنسبة لإسرائيل، فالدروس من معركة حلب واضحة، أولا: من يعلق أمله ومستقبله على مساعدة المجتمع الدولي قد يخيب أمله، العالم مع الأقوياء ومع المنتصرين، ومن الأفضل لإسرائيل أن تعمل على تعزيز قوتها كضمان ضروري، وإن لم يكن وحيداً، لضمان بقائها وازدهارها في المنطقة. ثانيا: الحرب في سوريا لن تستمر إلى الأبد ونهايتها، بانتصار محتمل للنظام السوري وحلفائه، قد تأتي مبكراً عما توقعت وقدرت إسرائيل، عاد الأسد إلى حلب وأيضاً قد يعود إلى هضبة الجولان التي فقدها للثوار قبل عامين، حتى نافذة الفرص التي فتحت أمام إسرائيل قبل عدة سنوات للعمل بشكل حر في سوريا ضد شحنات أسلحة لـ»حزب الله»، قد تغلق. ثالثا: حتى الآن يخضع بشار لتأثير موسكو، وإيران و»حزب الله». ظاهرياً، موسكو هي التي تتمتع بالمكانة الكبرى، ولكن على خلاف الروس الذين يحافظون على وجود جوي وبحري ويرون فيما يحدث بسوريا جزءاً من لعبة دولية، لدى الإيرانيين و»حزب الله» رجلان على الأرض في هيئة عشرات الآلاف من المقاتلين النظاميين أو المتطوعين في الميليشيات الشيعية التي جندت على أيدي إيران للقتال في سوريا. رابعاً: الانتصار في الحرب على سوريا يحرر قوى إيران و»حزب الله» وطاقاتهم أيضاً للتحرك إلى الهدف القادم، لا يبحث هذان الطرفان عن مواجهة مع إسرائيل، وهما مردوعان من دفع ثمنها، ولكن الجرأة والتحريض سوف يزيدان بلا شك في اليوم التالي. وأخيراً: الإرهاب الراديكالي الإسلامي لن يختفي ولكن سيتعاظم ويزداد قوة بينما تتحول الأحداث في سوريا إلى أداة لتعبئة التأييد ومحرك لهجمات إضافية، تبعد إسرائيل عن حلب مئات الكيلومترات، ولكنها أيضاً قد تدفع ثمن المأساة الجارية فيها، كل ذلك يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في حسابات إسرائيل، ويجب بدء الاستعداد له.;
مشاركة :