أَحسِن إلى الناس تَستعبد قلوبَهم

  • 12/23/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

للشاعر أبي الفتح البستي قصيدة كل بيت فيها يصلح أن يكون عنوانا للأخلاق الحميدة، يقول فيها: أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان وكن على الدهر معواناً لذي أمل يرجو نداك فإن الحر معوان واشدد يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان من كان للخير مناعاً فليس له على الحقيقة إخوان وأخدان من جاد بالمال مال الناس قاطبةً إليه والمال للإنسان فتان استحضرت هذه المعاني الرائعة وأنا أتابع شأن ملايين العرب والمسلمين حملة (حلب لبيه) كان مشهدا مهيبا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ظهرت جليا قيم الإخاء والتعاضد، وأظهرت أن هذه الشعوب لم تمت فيها قيم الأخلاق رغم كل الصعاب التي مرت بها، ولعل سائلا يقول: ما السر وراء ذلك؟ ما السر أن الشعوب متى ما فتح لها باب المساعدة تقاسمت الخبز مع الغير؟ السبب في هذا الدين العظيم الذي جعل من الإحسان إلى الغير وإدخال السرور عليه عبادة يتقرب بها العبد بل هي من أجل العبادات عند الله عز وجل. قال الله: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ» وقال: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ». إن الإحسان إلى الناس وسيلة المجتمع للرقي والتقدم، يقول ابن القيم: (فإن الإحسان إذا باشر القلب منعه عن المعاصي، فإن من عبد الله كأنه يراه، لم يكن كذلك إلا لاستيلاء ذكره ومحبته وخوفه ورجائه على قلبه، بحيث يصير كأنه يشاهده، وذلك سيحول بينه وبين إرادة المعصية، فضلاً عن مواقعتها، فإذا خرج من دائرة الإحسان، فاته صحبة رفقته الخاصة، وعيشهم الهنيء، ونعيمهم التام، فإن أراد الله به خيراً أقره في دائرة عموم المؤمنين). إن الإسلام يقرر على لسان نبي الهدى أن «أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظاً، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل» وهذا مزية لا تجدها إلا عندما يحتاج إليك الغير. إن من نعم الله على العبد أن يجعل حاجة الناس إليه، وأن يسخره لقضاء حوائج الناس، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن لله أقواماً اختصهم بالنعم لمنافع العباد، ويقرها فيهم ما بذلوها»، لكن الخطورة أن يحجب البعض عن الغير فضل عطاء الله عليه، بل هو بذلك يستدعي غضب الله عليه بمحو تلك النعمة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «فإذا منعوها نزعها عنهم وحولها إلى غيرهم». طوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، فتلك منحة ربانية، وهي لا تختص بقوم دون آخرين، لا تختص بالأغنياء دون الفقراء وإن كانت منهم أرجى، ولا بالأصحاء دون المرضى وإن كانت منهم أولى، بل هي لصاحب الخير وإن كان يسيرا، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط».;

مشاركة :