قال أبو عبدالرحمن: في سبتية الأسبوع الماضي كتبت عن القنوت في البيوت؛ لكشف الضر عن العرب والمسلمين في أنحاء العالم؛ ويكون القنوت مع النساء خلف الصف، ومن يتهيأ من الأطفال وإن كانوا لا يفقهون؛ لأن الله يرحم بحضورهم من هو مبتلى أمثالهم من جراء الظلم العالمي العدواني؛ ولي عبرة بخروج قوم يونس عليه صلوات الله وسلامه وبركاته بأطفالهم ومواشيهم إلى الصعدات يجأرون إلى ربهم حتى كشف الضر عنهم.. كتبت ذلك قبل أن أعلم بموافقة خادم الحرمين الشريفين أيده الله بالقنوت في المساجد استجابة لطلب سماحة المفتي بارك الله فيه وجزاه الله خيراً؛ وحينئذ لا داعي للقنوت في البيوت؛ فالمساجد بحمد الله تتجاوب في كل حيي بما يصدر عن رفع الأكف من التضرع إلى الرب الكريم الرحيم بالمؤمنين العزيز الجبار المنتقم من القوم الظالمين.. وكنت طلبت من علماء هذا العصر أن يبلغوا ما يستطيعونه من الجهد والاجتهاد في مراجعة المصادر التي يفقه بها كتاب الله على مراد الله حول آيات من ضنمها قول الله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [سورة الإسراء/ 16]. قال أبو عبدالرحمن: كنت معنياً بتحقيق الآيات التي من ضمنها تلك الآية الكريمة منذ أكثر من عقد، فترجح لدي رجحانٌ له حكم اليقين: أن الآية جاءت نصاً صريحاً فيمن أهلكه الله من القرى الظالم أهلها، وهي إيماء وتحذيرٌ لمن سلك سبيل أهل القرى الهالكة؛ وبيان ذلك: أن الله سبحانه وتعالى أخبر عمن هلك بعد قيام الحجة عليه، ومحادته ربه بالظلم والفساد في الأرض؛ لتعتبر الأجيال من بعدهم كما في قوله تعالى: {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ} [سورة الأنفال/ 42]، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ. ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [سورة يونس/ 13-14]، وقوله: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الشعراء/ 208 - 209]، وقوله: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ. وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [سورة القصص/ 58 - 59]. وقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [سورة القصص/ 43]. قال أبو عبدالرحمن: وأما الإيماء بالإنذار والتحذير فهو كائنٌ من العلم الضروري من الشرع أن المكلفين سواسية في الثواب الكريم والعقاب الأليم في الطاعة والمعصية؛ وإنما يتفاضلون في درجات الإحسان، والنصب، وصدق القول والعمل.. ودليل آخر؛ وهو أن من الذين أهلكوا من لم يتعظ من هلاك من سبقهم؛ فأصابه ما أصابهم؛ وكثير من المسلمين اليوم الذين أصيبوا باستفحال عدوالله عليهم كانوا مسلمين بالهوية، والغين في المحرمات؛ ولا سيما استباحة الربا، والتقنين له، وقبائح الفواحش القذرة.. ومع الإنابة الصادقة، والتوبة النصوح، وكثرة الاستغفار، والبكاء من الذنوب: تكون رحمة الله أسرع؛ ولهذا لما قال الصحابة رضي الله عنهم: إذن تكثر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكثر.. ولا تنسوا قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [سورة الزمر/ 53]. قال أبو عبدالرحمن: برأت اللمم من آلام المعاصي: لأنه يزول بالإحسان إلى عباد الله، وبالاستغفار، وبكثرة النوافل، وفيما بين الجمعة والجمعة عند شهودهما، وبالاحتساب صياماً وقياماً مع شهود ليلة القدر في شهر رمضان المبارك؛ فإن أمضى الله للعابد العتق من النار فقد نجا يقيناً، وبدلت سيئاته حسنات.. ثم إن (اللمم) مانع المسلم من شهود عمله الصالح؛ فيمن على ربه ولله المنة وحده، وقد أفرح الله عباده أهل اللمم بأنهم لو لم يذنبوا لأتى الله بقوم لم يذنبوا ويستغفرون.. وإلى لقاء في السبت القادم إن شاء الله تعالى, والله المستعان.
مشاركة :