الشارقة: جيهان شعيب أقر المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة مشروع قانون لسنة 2016 في شأن تنظيم أهداف وصلاحيات واختصاصات هيئة الشارقة للآثار، في الجلسة السادسة للمجلس التي عقدت يوم الخميس الماضي، وترأستها خولة الملا رئيسة المجلس، وحضرها كل من الدكتور صباح عبود جاسم مدير عام هيئة الشارقة للآثار، و المستشار منصور محمد بن نصار مدير عام الإدارة القانونية بمكتب صاحب السمو حاكم الشارقة، وعيسى عباس حسين مدير إدارة التنقيب والمواقع الأثرية. في كلمتها أشادت رئيسة المجلس باهتمام صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة باللغة العربية، تكاملاً مع رؤية سموه في حمايتها، والنهوض بها، كجزء من المشروع الثقافي الذي يضم التراث، والمسرح، والشعر، والكتاب والفنون وغيرها، مشيدة بإصدار سموه المرسوم الأميري بإنشاء مجمع اللغة العربية في الشارقة للحفاظ على سلامة اللغة العربية، ودورها في مواكبة متطلبات العلوم، والآداب، والفنون، وجوانب الحياة الإنسانية المتجددة. وباركت الملا لحرم صاحب السمو حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، حصولها على جائزة الملك عبد الله الثاني للإبداع في دورتها الثامنة 2015-2016، عن البحث الذي قدمته إدارة التثقيف الصحي في الشارقة عن دور إمارة الشارقة الإبداعي في رعاية الطفولة، ضمن حقل المدينة العربية والذي يعزز من رؤية صاحب السمو حاكم الشارقة في توفير بيئة إبداعية مثالية للطفل في الإمارة. مشروع القانون بعدها ناقش المجلس مشروع قانون رقم ( ) لسنة 2016، بشأن تنظيم أهداف، وصلاحيات واختصاصات هيئة الشارقة للآثار، حيث قالت الملا: ورد إلى المجلس بتاريخ 24 نوفمبر 2016 كتاب من الأمانة العامة للمجلس التنفيذي لإمارة الشارقة بإحالة مشروع قانون رقم ( ) لسنة 2016، بشأن تنظيم أهداف وصلاحيات واختصاصات هيئة الشارقة للآثار، وحسب أحكام المادة (72) والمادة (87) من اللائحة الداخلية للمجلس، فقد تم إحالة مشروع القانون المذكور في جلسة المجلس السابقة إلى لجنة الشؤون الإسلامية، والأوقاف، والبلديات، وشؤون الأمن والمرافق العامة، لنظره ودراسته، ورفع تقريرها للمجلس، وعقدت اللجنة اجتماعاً لهذا الغرض. وسنناقش في جلستنا باستفاضة مشروع قانون إحدى الهيئات الحكومية التي انضمت مؤخراً إلى قاطرة الجهات الحكومية المهمة، ولأهمية أدوراها واختصاصاتها نضعها على بساط المناقشة وتبادل الرأي والمشورة، فهيئة الشارقة للآثار ومشروع قانونها بشأن تنظيم أهدافها وصلاحياتها واختصاصاتها وما تُعنى به من أعمال، تمثل غاية في البحث والتحري عن المواقع الأثرية المنتشرة في الإمارة، والقيام بعمليات التنقيب عن الآثار وفق سياسة عامة محكمة ومدروسة، بالإضافة إلى تنظيم أعمال بعثات التنقيب الأثري الأجنبية العاملة في الإمارة، بما يضمن نشر الوعي الأثري بين أفراد المجتمع. رمز الثقافة الوطنية بعدها ألقى مدير عام هيئة الشارقة للآثار كلمة قال فيها: يتفق الجميع على أن الآثار تعد من أهم العناصر والمقومات الأساسية للحضارة الإنسانية، وبأنها رمز للثقافة الوطنية والمنجزات التاريخية، وتمثل شواهد ملموسة تعكس سلسلة التجارب والخبرات المتراكمة للمجاميع البشرية التي قامت بإنتاجها على مر العصور، وهكذا فإن أهمية القطع الأثرية التي نعثر عليها أثناء عمليات التنقيب الأثري لا تكمن في قيمتها المادية، والجمالية، وإنما فيما تمثله من معان ومضامين تحكي قصة الإنسان الذي قام بصنعها، وتعكس مهارته الفنية والصناعية، ومعيشته الاقتصادية، وعقائده الدينية. ولقد اهتمت حكومات الدول الكبرى منذ القرن الثامن عشر بمواقع الآثار، وأولت أهمية بالغة لعمليات التنقيب فيها لرفد متاحفها بالتماثيل، والتحف الأثرية، وبتقدم الزمن زاد الاهتمام بموضوع الآثار والتنقيب، وتولت مهمة البحث والتنقيب المؤسسات الثقافية على نطاق العالم، وكانت منطقة الشرق الأدنى القديم وخاصة بلاد وادي الرافدين هي المكان الأفضل؛ وذلك لما ورد عنها من قصص وأحداث في الكتب الدينية القديمة. أما منطقة شبه الجزيرة العربية بما فيها دولة الإمارات فلم تنل الاهتمام اللازم حتى منتصف القرن العشرين، وازداد الاهتمام وتوسعت وتيرة عمليات التنقيب الأثرية خلال أواخر القرن العشرين، وكانت أراضي إمارة الشارقة مشهداً لأول تنقيبات أثرية قامت بها بعثة أثرية عراقية في العام 1973، وكشفت عن وجود مواقع أثرية، ضمت طبقات ومكتشفات حضارية مهمة، توالت بعدها عمليات التنقيب من قبل البعثات الأثرية الأجنبية، وحتى العام 1992 عندما تأسست البعثة الأثرية المحلية من قبل إدارة الآثار بدائرة الثقافة والإعلام في إمارة الشارقة، حيث تولت مهمة إجراء عمليات التنقيب في عموم أراضي الإمارة وفق منهج مدروس واستراتيجية محددة. ولقد تمكنت البعثة المحلية التي واصلت تنقيباتها على مدار السنوات العشرين الماضية، من تحقيق اكتشافات أثرية لافتة، على جانب كبير من الأهمية التاريخية والحضارية، ومن الاكتشافات الفريدة وغير المسبوقة، واستطاعت العثور على بقايا تعود إلى العصور الحجرية القديمة في سفوح جبال الفاية في المنطقة الوسطى من الشارقة، والتي تعود إلى 125ألف سنة مضت، وتتمثل هذه المكتشفات بمجموعة من الآلات والأدوات الحجرية، خلفتها مجموعة بشرية هاجرت من موطنها الأصلي في شرق إفريقيا وعبر البحر الأحمر عند مضيق باب المندب، متجهة إلى سواحل جنوب شرق الجزيرة العربية، وحطت رحالها عند سفوح جبال الفاية في طريقها إلى بقية أرجاء العالم القديم. لقد كان هذا الاكتشاف المهم حدثاً بارزاً حاز اهتمام جميع مراكز الأبحاث العلمية والمؤسسات الثقافية والجامعات، ووسائل الإعلام على مستوى العالم، واحتلت الشارقة مركزاً بارزاً على خريطة العالم الدولية للهجرات البشرية الأولى. ولقد امتد نشاط البعثة المحلية ليشمل معظم أرجاء إمارة الشارقة ابتداءً من الساحل الغربي للخليج العربي، حيث تم الكشف عن مواقع تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، ونشير بشكل خاص إلى موقع الحمرية الذي كشف التنقيب فيه عن بقايا فخارية تعود إلى الفترة الحضارية المسماة حضارة العبيد التي ازدهرت في جنوب بلاد وادي الرافدين خلال الألف الخامس قبل الميلاد، ويدل هذا الاكتشاف على قيام صلات تجارية وحضارية بين وادي الرافدين ودولة الإمارات العربية المتحدة، خلال تلك الفترة الزمنية. وليس بعيداً عن موقع الحمرية، يقع تل الأبرق الذي يضم بقايا استيطان بشري يمتد على مدى ألفي عام، ويعتبر من أكبر وأهم التلال الأثرية في دولة الإمارات العربية المتحدة. وتم اكتشاف عدد من المواد التي تشير إلى قيام اتصالات واسعة النطاق مع العالم الخارجي، مثل وادي الرافدين، وجنوب غرب إيران وبلوشستان والبحرين وأفغانستان ووادي السند، وكشف الدليل الأثري عن ممارسة تربية الحيوانات المدجنة مثل الأغنام والماعز والماشية والجمال، إضافة إلى اصطياد حيوانات برية مثل الغزلان والظباء العربية. وفي موقع مويلح الذي يقع خلف الجامعة الأمريكية في الشارقة وجد هناك مستوطن كبير يعود إلى فترات الألف الأول قبل الميلاد، أو ما يسمى العصر الحديدي، يضم بقايا دور سكنية، ومباني إدارية، وتم العثور فيه على بضائع مستوردة من وادي الرافدين وإيران واليمن، ويشير ذلك إلى الأهمية المتنامية للتجارة، وتم العثور على قطعة فخارية تحمل خطوطاً سبئية، وهي أقدم كتابة يتم اكتشافها إلى الآن في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتعود إلى العام 750 ق.م. وإلى العصر الحديدي أيضاً تعود بقايا مستوطن واسع تم تنقيبه في سهل المدام، وهو موقع الثقيبة الذي ضم بيوتاً سكنية وورشاً لصنع الطوب الطيني الذي استعمل في تشييد تلك الدور التي ضمت مجتمعاً ذا اقتصادات قائمة بدرجة رئيسية على تربية الماشية، ولعل أهم اكتشاف هو ذلك الذي يمثل سلسلة من قنوات الأفلاج الممتدة تحت سطح الأرض، وأنظمة توزيع المياه في الأراضي الزراعية، إن استعمال نظام الفلج، إضافة إلى تدجين الجمل كذلك، قد ساعد كثيراً على اتساع المستوطنات، وزيادة المجاميع السكانية، وممارسة التجارة الخارجية. وفي المنطقة المجاورة في جبل البحيص تم الكشف عن بقايا مستوطن موسمي يعود إلى بداية الألف الخامس قبل الميلاد، كان مستوطناً من قبل مجموعة من الرعاة والصيادين، إضافة إلى مقبرة واسعة تضم رفات أكثر من 1000 شخص تم تحليل عظامهم وعادات دفنهم ودراسة عقائدهم الدينية، وفي هذه المنطقة ذاتها تم أيضاً تنقيب أكثر من (90) مدفناً تعود إلى العصرين البرونزي والحديدي من الألف الثالث إلى الألف الأول ق.م. أما في منطقة مليحة، فقد كشفت التنقيبات التي جرت خلال الأربعين سنة الماضية عن قيام مجتمع طبقي منظم يستعمل الكتابة باللغة العربية الجنوبية الآرامية وذي نظام سياسي معين، كان للحاكم فيه دور قيادي بارز، وقام بسك النقود والإقامة في مبان إدارية، وقصور فارهة، وشيد مدافن تذكارية. وبرزت طبقة من ذوي الشأن والنفوذ تمتعت بالثراء المادي، ومارست التجارة الدولية على نطاق واسع، وكانت مليحة محطة للقوافل التجارية عبر شبه الجزيرة العربية واليمن إلى وادي الرافدين وإيران وبلاد الشام ومصر والهند والجزر الإغريقية. ولعل من أهم وأبرز المكتشفات هو ما تم تحقيقه في نهاية العام المنصرم، وهو العثور على شاهد قبر حجري يحمل نقشاً باللغتين العربية الجنوبية والآرامية، ويذكر أن هذا القبر مخصص لكاهن ملك عمان، وتم تشييده في أواخر القرن الثالث قبل الميلاد، وهذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها اسم عمان في تلك الفترة الزمنية بصورة واضحة لا لبس فيها، ولا يخفى ما يدل عليه، مثل الاكتشاف التاريخي المهم، وضرورة إعادة كتابة التاريخ القديم لهذه المنطقة بشكل عام. أما في وادي الحلو، فقد تم اكتشاف مجموعة ورش صناعية لتعدين خامات النحاس المستخرجة من سلسلة جبال الحجر المجاورة، وتم العثور على أدوات الصنع المتمثلة بالمطارق والسنادين وبوتقات الصهر وسبائك من النحاس الخالص، ويعزز مثل هذا الاكتشاف ما ورد في النصوص المسمارية القديمة من بلاد الرافدين التي تذكر: أن حكام وادي الرافدين آنذاك كانوا يستوردون معدن النحاس من بلاد مجان، وهي منطقة شبه جزيرة عمان، ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى بلادهم لغرض صنع التماثيل والأثاث. وتتواصل كذلك عمليات التنقيب في منطقة الساحل الشرقي، حيث أظهرت مكتشفات دبا الحصن عن وجود سلع مترفة، وبضائع غالية كثيرة تم استيرادها من أقاليم الإمبراطورية الرومانية خلال القرون الأخيرة قبل الميلاد، والقرون الميلادية الأولى. الآثار شواهد حضارية حية قال د. صباح جاسم: من دواعي الفخر والاعتزاز أن تتوج هذه المكتشفات المهمة بصدور المرسوم الأميري السامي رقم 57 لسنة 2016، بإنشاء هيئة الشارقة للآثار، والتي تعتبر تجسيداً واضحاً لإدراك صاحب السمو حاكم الشارقة، أهمية الآثار باعتبارها شواهد حضارية حية، وسجلات تاريخية خالدة، تحكي قصة شعب عريق مكافح، قاوم وتحدى في ظل ظروف بيئية معادية، ورغم ذلك عاش وساهم في صُنع وتقديم منجزات كبيرة، تركت بصمات واضحة في سجل التاريخ البشري، والحضارة الإنسانية. ومن جانبه وجه المستشار منصور محمد بن نصار الشكر لرئيس وأعضاء المجلس الاستشاري والأمانة العامة على جهودهم في دراسة مشروعات القوانين، واهتمامهم بمشروع القانون الحالي مرحباً باستفسارات المجلس في شأن ما ورد في مشروع القانون. بعدها تلا العضو محمد عيسى يوسف الدرمكي مقرر لجنة المرافق العامة مشروع القانون مادة مادة، وناقشها الأعضاء، وطرحوا بعض المقترحات، فضلا عن استفسارات عن الاختصاصات الواردة في المشروع، وإبداء وجهات النظر الموضوعية، وفي نهاية النقاش صادق المجلس على مشروع القانون.
مشاركة :