محمد رُضا عمره الآن 87 سنة، ولا يزال يمثل بمعدل فيلم واحد كل سنة. وحتى وقت قريب، قبل 5 سنوات، كان عدد أفلامه يتجاوز 3 كل عام. في الحقيقة، ظهر في 5 أفلام سنة 2010 و3 أفلام في عام 2007 وفيلمان في سنة 2009. إنه ماكس فون سيدو، الممثل السويدي المولد في 10 إبريل/نيسان 1929 والذي ظهر على الشاشة لأول مرة سنة 1949 في فيلم فقط أمي لأحد كلاسيكيي السينما السويدية ألف سيوبيرغ. بحلول عام 1957 وقف تحت إدارة المخرج إنغمار برغمان في الختم السابع، ثم تكرر ظهوره تحت إدارته لعقود لاحقة. وأفلامه مع برغمان شملت حافة حياة، وفريز بري، وضوء شتاء، وساعة الذئب، وعار من بين أخرى عديدة. استدار جزئياً صوب السينما الأمريكية في السبعينات فظهر في رسالة الكرملين (1970) والجانب البعيد من الفروس وثلاثة أيام من الكوندور وطارد الأرواح، من بين العشرات. والفيلمان الأخيران كانا من أشهر ما مثله في هوليوود، في الأول عميل لوكالة سي آي أيه، ورجل دين يريد طرد الروح الشريرة من جسد فتاة في الثاني. في مطلع هذه السنة شاهدنا ماكس فون سيدو في الجزء السابع من حر النجوم: القوة تستيقظ وقام بعده بتمثيل دور مساند في فيلم بلجيكي عنوانه: الأول والأخير وفي التحضير دور بارز في بيوغرافي عن العازف باخ. حين وصل إلى لقائنا كان يحمل ابتسامة على وجهه وسنواته المديدة فوق كاهله، لكنه كان ثابت الحديث، وحاضر البديهة ولديه ذاكرة قوية. وكان لقاؤنا معه بمثابة توثيق لمهنة ممثل محترف وتاريخ بعيد، نستعرضه سريعاً في الأسطر التالية.. لا مهرب من سؤالك أولاً، عمّا إذا كنت لا تزال تحب التمثيل بعد كل هذه السنوات التي قضيتها في المهنة أم لا؟ نعم. ما زلت أحب التمثيل ولا أستطيع أن أتصور نفسي متوقفاً عنه أو اكتفيت بما حققته منه. لا تستطيع أن تكمل مشواراً طويلاً كالذي أسير فيه إذا لم تكن تحب التمثيل. ولو أنني لم أقف على خشبة المسرح منذ عام 1995 أو ربما 1994. تركت أثراً كبيراً عليّ من خلال أعمالك مع إنغمار برغمان ثم من خلال أفلامك الأمريكية. إلى ما تعزو نجاح علاقتك المهنية مع برغمان؟ إلى حقيقة أنه كان مخرجاً يعرف الكثير عن المسرح والتمثيل معاً. كان فناناً يحسن معالجة المواضيع ويمنح التمثيل دائماً حضوراً خاصاً فيها. كلّنا آنذاك، عملنا معه مدركين أننا نمثّل في أفلام بطريقة التمثيل للمسرح أحياناً. كان ذلك مهماً لنا جميعاً. الحقيقة هو أنه لا يوجد تمثيل خاص بالسينما وآخر خاص بالمسرح، لكن برغمان أنجز أفلامه وأدار ممثليه كما لو كان ينجز أعمالاً مسرحية. أول فيلم أمريكي شاهدته لك لم يكن أفضل قصة رُويت هذا شاهدته لاحقاً، بل ثلاثة أيام من الكوندور في دور قاتل، وهذا لم يكن فيلمك الأول بالطبع. (يضحك) دور بعيد جداً عن طبيعتي، لكنه فيلم جيّد. أحببت دوري فيه وأحببت الفيلم حين شاهدته بعد ذلك لأوّل مرّة. أعتقد أنه استحق الاستحسان الذي حققه، والآن أصبح فيلماً كلاسيكياً. ماذا جذبك للتمثيل في البداية؟ حين كنت في الكلية انتبهت أنني أحب التمثيل وأفضله على الدراسة. قررت أن الدراسة لا معنى لها إلا إذا صاحبها تعلم التمثيل، ولم أتصور أنه يحتاج إلى مدرسة متخصصة، بل تصورت أنه يحتاج إلى أستاذ أو أستاذة مشرفة ووجدت هذا الإشراف سريعاً لأن إحدى أساتذتنا كانت تحب التمثيل أيضاً ولها خلفية مسرحية، وهي التي شجعتني ورفاقي لتأسيس مسرح مدرسي لتقديم أعمالنا. هل كان ذلك كافياً لتوجيهك كممثل؟ لا، كنا في مسرح هواة محلي جداً ننفث عن طاقتنا المكبوتة، بعد ذلك تفرقنا وكل ذهب في طريقه، أنا بقيت على حبي للتمثيل وتوجهت للدراسة في مسرح المعهد الملكي ودرست هناك. هل تعرفت هناك إلى بعض الممثلين الذين استمروا في العمل وتحولوا إلى محترفين؟ نعم بينهم إنجريد تولين التي ظهرت معي في أفلام لبرجمان. تعرفت إليها هناك في الدراسة. ماذا فعلت بعد دراستك التمثيل المسرحي، هل وجدت عملاً؟ نعم، لكن ليس فوق خشبة المسرح (يضحك) بل كموظف في إحدى الصالات. من حين لآخر كنت أجد أدواراً، آنذاك وصف ممثل مجتهد لم يكن متداولاً كثيراً، لكني كنت ممثلاً مجتهداً بالفعل. كان ذلك في مطلع حياتك كممثل، جذبك التمثيل على نحو طبيعي، ماذا عن اليوم؟ ما الذي يحققه التمثيل بالنسبة إليك؟ أعتقد أن سؤالك يقصد معرفة إذا ما كان الضجر أصابني من التمثيل (يضحك)، لا أعتقد فأنا ما زلت أمنح كل طاقتي لعملي، وحبي للتمثيل لم ينته ولم يتوقف في أي وقت ولا أعتقد أنه سيتوقف، ما زلت أستمتع بمراحله وكل ما يتطلبه التمثيل من جهد. ماذا يشغلك أكثر من سواه الآن بالنسبة لفترة التحضير للدور؟ ليس هناك شيء لم أكتشفه بعد، لكن هذا لا يعني أنني توقفت عن الشغف بالشخصيات التي عليّ القيام بها، هناك منهج اعتدت عليه في قراءة الشخصيات وفي التقرب إليها وتمثيلها وهذا كله بات الآن طبيعة ثانية أو ربما أولى. هل تحب مقابلة المخرجين الجدد؟ الجدد والقدامى، نعم. كم مرّة سمعت من المخرجين أنهم سعداء لكونك ستمثل تحت إدارتهم؟ كثيراً جداً، هذا يسعدني بتواضع شديد، لكن لا أطلب لنفسي أي مزايا، العمل واضح بالنسبة إلينا وهذا ما أعتقده مهم بالنسبة لي. أريد أن أسألك عن العمل مع المخرج الأسطوري إنغمار برغمان. هل تمانع؟ لا أمانع، لماذا سأمانع؟ ربما لم يجر معك ناقد ما مقابلة صحفية إلا وسألك عنه. هذا طبيعي وبرغمان كان فناناً كبيراً. اسأل. كان يحب المسرح والفن عموماً مثلك، ما يجعلني أتساءل عمّا إذا كان نجاحك تحت إدارته في تلك الفترة المبكرة من حياتك السينمائية، نوعاً من تحقيق الرغبة في الوقوف على خشبة المسرح ذاته. ليس تماماً، صحيح أنه كان يحب المسرح وبل كان يخرج مشاهده كما لو كانت مسرحية في بعض الأحيان، لكنه كان سينمائياً يستخدم الأدوات السينمائية بإجادة. بالنسبة لي، كنت وباقي الزملاء أفهمه جيداً على الرغم من كثرة وعمق رغباته. عندما كان يطلب مني أن أمثل مشهداً ما، كان واضحاً وفي الوقت ذاته دقيقاً، تماماً كمخرجي المسرح. أي من أفلامه أحببتها أكثر من سواها؟ في الحقيقة كلها. طبعاً الختم السابع كان الفيلم الذي على أساسه اخترت لاحقاً لتمثيل فيلم أعظم قصّة مروية. لكن كل أفلامه كانت إليّ بمثابة أفعال فنية راقية لم يقدم على تحقيقها أي مخرج آخر. ولا تزال كذلك. وإلى ما تعزو نجاح علاقتك المهنية مع برغمان؟ إلى حقيقة أنه كان مخرجاً يعرف الكثير عن المسرح والتمثيل معاً. كان فنّاناً يحسن معالجة المواضيع ويمنح التمثيل دائماً حضوراً خاصاً فيها. كلّنا آنذاك، اشتغلنا معه مدركين أننا نمثل في أفلام بطريقة التمثيل للمسرح أحياناً. كان ذلك مهماً لنا جميعاً. الحقيقة هو أنه لا يوجد تمثيل خاص بالسينما وآخر خاص بالمسرح، لكن برغمان أنجز أفلامه وأدار ممثليه كما لو كان ينجز أعمالاً مسرحية. أعظم قصة مروية عرّف العالم بك أكثر مما فعلت أفلامك السويدية. أعتقد أن هذا صحيح، لكن أفلام برغمان كانت أيضاً منتشرة كثيراً. هل كان هذا الفيلم أول أفلامك الأمريكية؟ كان الأول فعلاً لحساب فيلم من إنتاج أمريكي، لكنه لم يكن الأول بالإنجليزية. اتصل بي المخرج جورج ستيفنز وقدم لي عرضاً سنة 1964 وبما أنني لم أكن مثلت في كثير من الأفلام خارج السويد آنذاك فإن ذلك أثار تعجبي. لكني لم أكن أريد تمثيل هذا الدور. تمنّعت كثيراً واختلقت الأعذار، لكن ستيفنس ووكيل أعمالي كانا مصرّين. ثم استلمت دعوة من المخرج لزيارته في هوليوود؛ حيث أطلعني على معالجته وسرد عليّ خطابات في الطريقة التي سيقدّم فيها الشخصية؛ وذلك أغراني. هل ترك تمثيلي ذلك الدور أثراً في مهنتي؟ طبعاً لكني أعتقد أن المخرج ستيفنس كان شاهدني في الختم السابع واعتقد أنني مناسب لتمثيل دور ديني. لماذا تضحك الآن؟ عندما عرضوا عليّ الدور تقدموا مني باحترام شديد. علمت لاحقاً أنهم اعتقدوا أنني كنت فعلاً رجلاً متديناً.
مشاركة :