إسطنبول: ثائر عباس يتوجه الناخبون الأتراك اليوم إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المحلية التي تحظى باهتمام محلي ودولي لافت، بعد أن تخطت هدفها الرئيس المتمثل بإدارة البلديات التركية إلى إدارة مستقبل البلاد، وتحولها إلى ما يشبه الاستفتاء على استمرار رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان في الحكم، ودوره المستقبلي. وساهم إردوغان نفسه في تحويل هذه الانتخابات إلى ما تحولت إليه، مستدرجا بقية القوى المعارضة له إلى فخ المشاركة في انتخابات تحت عنوان إطاحته، بينما تؤكد المؤشرات واستطلاعات الرأي أن حزبه «التنمية والعدالة» الحاكم في البلاد منذ 12 سنة، سوف بفوز في هذه الانتخابات بكل تأكيد. ويبلغ عدد الناخبين الذين يحق لهم التصويت 52 مليونا و721 ألفا و589 ناخبا، سيصوتون في 194 ألفا و701 مركز انتخابي، فيما بلغ عدد صناديق الاقتراع في عموم المدن والبلدات 400 ألف صندوق. ويواجه العدالة والتنمية حلفا انتخابيا مكونا بشكل أساسي من جماعة غولن وحزب الشعب الجمهوري، المتحالفين، بالإضافة إلى حزب الحركة القومية القومي المتشدد الذي لم يدخل في هذا الحلف، لكنه قد يدخل في تحالفات الضرورة لإسقاط أو إضعاف إردوغان، بينما يأمل الأكراد في الاستفادة من هذا الصراع لتعزيز مواقعهم الذاتية. وينحصر أمل المعارضة التركية، في محاولة انتزاع أكبر عدد ممكن من البلديات الكبرى، وأبرزها العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول، فيما يأمل حزب العدالة في الحفاظ عليهما وإضافة بلدية مهمة جدا هي بلدية أزمير التي تدين بالولاء تقليديا إلى حزب الشعب الجمهوري المحافظ. ولن يمارس الأتراك «التصويت الإلكتروني» خلافا للشائعات التي تحدثت عن هذا الاتجاه، بعد أن نفى رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تركيا سعدي كوفن الأمر. وحذرت المحكمة العليا في تركيا من التحايل في الانتخابات أو ممارسة أي أعمال تزوير فيها. وعلى الرغم من أن حزب الحركة القومية لم يدخل في تحالف مباشر مع الجماعة ومع حزب الشعب الجمهوري، فإنه لم يقدم مرشحين في المدن الثلاث الكبرى، أنقرة وإسطنبول وأزمير، بما يدعم هذه الأحزاب في مواجهة العدالة أو على الأقل لا يضعفها من خلال سرقة بعض الأصوات المعارضة للحزب الحاكم. وبحسب الإحصاءات واستطلاعات الرأي فكل مدينة قلعة لبعض الأحزاب، فمثلا إسطنبول هي قلعة لحزب العدالة والتنمية، وأزمير قلعة للشعب الجمهوري، وديار بكر هي قلعة لحزب السلام والديمقراطية الكردي. وتشير الاستطلاعات إلى أن كل الأحزاب ستحافظ على قلاعها، لكنّ هناك مفاجأة أو شكوكا في أنقرة وأزمير، يعني ذلك أن يكون التغيير لحزب العدالة والتنمية في أزمير، وكذلك التغيير في أنقرة لصالح حزب الشعب الجمهوري، ولكنه احتمال ضئيل جدا، كما يقول الكاتب والمحلل التركي أوكتاي يلماز. الذي يشير إلى أن الناخبين ربما سئموا من رئيس البلدية مليح جُكجِك، الذي يرشح نفسه للمرة الرابعة. ويشير في المقابل إلى أن أزمير لم تتقدم أبدا خدماتيا، بل ربما تتراجع إلى الخلف، ومرشح حزب العدالة والتنمية هو مرشح قوي جدا، وكان وزيرا في حكومة إردوغان، وهو معروف بنجاحاته وخدمته، وقد عمل وأحرز نجاحات كبيرة في وزارته. ويقول المحلل السياسي التركي محمد زاهد غل إن نتائج الانتخابات ستكون مفاجئة للجميع، مبررا هذا بسببين؛ الأول التقسيم الإداري للانتخابات الذي تغير خلال السنوات الماضية. مما خلق نوعا من الغموض حول الخارطة الانتخابية لدى كل الأطراف. أما السبب الثاني، فهو أن الخصم السياسي لإردوغان عمليا ليس المعارضة السياسية في الوقت الراهن بقدر ما هو جماعة فتح لله غولن والموالين لها. ويضيف: «عمليا، لم تستطع أحزاب المعارضة السياسية أن تقدم حتى اليوم أو حتى يوم الانتخابات الأخير أوراق اعتمادها. لا يمكن الحديث عن برنامج انتخابي أو سياسي قدمه أحد أحزاب المعارضة، ولم نشهد عمليا تنافسا في المشاريع، وهي النقطة التي يتمنى أن يشاهدها المواطن التركي حتى يختار على أساسها»، وعدّ أن الكثير من الأحزاب المعارضة، ولا سيما الحزب المعارض الرئيس (حزب الشعب الجمهوري)، لم يتمكن عمليا من وضع مرشحين يمتلكون القاعدة الجماهيرية الشعبية لدى حزبه. فمرشح الحزب في مدينة إسطنبول شخص يسخط عليه على الأقل جزء من الحزبيين، قد طرد ثم أرجع بطريقة ربما كانت رغما عن الرئيس. أما مرشحه في أنقرة فهو ذو توجهات قومية، بمعنى أن حزب الشعب الجمهوري فشل عمليا في أن يقدم مرشحا من داخله لهذه المدينة الكبيرة، موضحا أن حزب السلام والديمقراطية، قدم مرشح ممتازا في الانتخابات البلدية بمدينة إسطنبول، وربما سيحصد وبشكل مفاجئ نحو ستة إلى عشرة في المائة من أصوات الناخبين في تركيا، وهي نقطة تحصل ربما لأول مرة في مدينة إسطنبول، وهذه ضربة لحزب الشعب الجمهوري وليس لحزب العدالة والتنمية، لأنه يساري أكثر. ويوضح غل أن مرشح مدينة هاتاي لدى حزب الشعب الجمهوري هو رئيس بلدية حزب العدالة والتنمية في الوقت الراهن، ولكن لأنه لم يرشح من قبل الحزب مرة أخرى، أراد أن يخوض الانتخابات ضد وزير العدل السابق سعد الله أرغيم، ولكن كمرشح على قائمة حزب الشعب الجمهوري. أما في مدينة أزمير، ولأول مرة، فهناك احتمال قوي في تقدم حزب العدالة والتنمية على حزب الشعب الجمهوري في آخر قلعة علمانية، وذلك لسببين اثنين؛ أولا سوء الخدمات التي تقدمها بلديات الحزب الشعب الجمهوري في تلك المنطقة، والسبب الثاني، وهو الأبرز، وهو الانقسام الحاد دخل حزب الشعب الجمهوري في (قيادة) بلدية أزمير، إذ إن المرشح الحالي هو المرشح السابق نفسه، لكنه عمليا قام بتغيير تقريبا كل رؤساء البلديات التي لديه بمرشحين جدد، الأمر الذي خلق استياء عاما وسخطا داخل الحزب، وجعلهم ينفصلون عن حزب الشعب الجمهوري، ويترشحون مرة أخرى على قوائم أحزاب أخرى.
مشاركة :