تمر ساعات الليل والنهار ببطء شديد على المواطن أدهم أبوالخير، وكأنها شهور طويلة أثناء انتظاره عودة التيار الكهربائي، حتى يتمكن من إنجاز عمله داخل ورشة النجارة الخاصة به، ولكن ساعات الدوام تنتهي والليل يسدل ستاره، والحال يبقى كما هو عليه. اقتربت الصغيرة نسمة حسين، صاحبة الرداء الوردي، من موقد النار الذي أشعله والدها أمام بيتهم أكثر فأكثر؛ لتبحث عن قليل من الدفء، الذي غادر منزلهم شبه المدمر، جراء الحرب الإسرائيلية. فالدمار الذي لحق بمنزل عائلة الطفلة حسين، الواقع في منطقة الشجاعية، شرقي غزة، خلال الحرب الأخيرة، تسبب في انقطاع الكهرباء عنه منذ ذلك الوقت، وسيحرمهم ذلك من التدفئة والإنارة، بحسب أهالي المنطقة. عاد أبوالخير بخفّي حنين إلى منزله في منطقة الميناء غرب مدينة غزة، والذي كان هو الآخر يغرق في الظلام، ليواجه الأزمة ذاتها، فزوجته تنتظر عودة التيار الكهربائي منذ الساعة السابعة صباحاً، لتنهي أعمالها المنزلية. بعد أربع ساعات من عودة أدهم، وتحديداً في الساعة العاشرة ليلاً، أنير منزله والحي الذي يقطن فيه، وعلى الفور أسرع هو وزوجته لإنجاز الأعمال المنزلية، وشحن أجهزة الإنارة التي تعمل على البطارية وقت انقطاع الكهرباء، ولكن بعد ثلاث ساعات عاد الحال كما كان عليه، دون أن تنهي العائلة مهامها المتعطلة منذ اليوم الماضي، لتتوقف عجلة الحياة، ويؤجل العمل ليوم غد أو بعد غد، وفقاً لمدة وصل الكهرباء. إرباك حالة الإرباك التي تعيشها عائلة أبوالخير، يتعرض لها كل سكان غزة داخل منازلهم وأماكن عملهم، وذلك بفعل التفاقم الحاد لأزمة التيار الكهربائي الذي شهده القطاع منذ يوم الثلاثاء الماضي، حيث أعلنت شركة توزيع الكهرباء في غزة عن عدم مقدرتها على تحديد جدول توزيع للكهرباء، والذي يشهد إرباكاً شديداً. ويعود سبب الإرباك الشديد، بحسب مسؤول الإعلام في شركة كهرباء غزة، طارق لبد، إلى وجود انقطاع متكرر من الخطوط الإسرائيلية التي تؤثر بشكل كبير في جدول التوزيع المناطقي في غزة، بالإضافة إلى العجز الحاد في طاقة محطة التوليد، التي تصل إلى أكثر من 60%، إذ ان شركة التوزيع تعمل بمولد واحد من أصل أربعة مولدات. ونتيجة ذلك أعلنت الشركة عن تقليص عدد ساعات توصيل التيار إلى أربع ساعات يومياً، بدلاً من ثماني ساعات، ولكن بفعل العجز الشديد لم تتمكن من تطبيق ذلك الجدول، ليصل التيار إلى غالبية منازل المواطنين مدة ثلاث ساعات فقط. «الإمارات اليوم» التقت أبوالخير في اليوم التالي للأزمة، التي عاشها بفعل تزايد ساعات انقطاع الكهرباء، حيث كان يجلس على باب ورشته المتعطلة عن العمل، فيما طبعت على وجهه ملامح الغضب واليأس، وذلك لعجزه عن إنهاء عمله المتراكم منذ يومين. يقول أبوالخير بنبرة حادة: «إن الوضع في غزة لا يطاق أبداً، فأنا أنتظر طوال اليوم وصول الكهرباء لأتمكن من تشغيل الماكينات، والمباشرة في العمل لأوفر احتياجات أسرتي، ولكن الجدول المتبع لا يمكن له أن يساعدني في إتمام صناعة لوح خشبي واحد، فمثلاً غرفة النوم التي أستغرق في صناعتها أسبوعاً واحداً، الآن ينقضي شهر كامل دون أن أنتهي من تجهيزها للزبائن، وهذا ما يضطرهم للعزوف عن ورشتي». ويضيف «أما في المنزل فلا يمكنني أن أعيش في راحة للحظة واحدة، فعند عودتي تكون الكهرباء مقطوعة، لأسعى في توفير إنارة بديلة، والتي بالكاد أتمكن من تأمينها». أجهزة الإنارة البديلة التي تعد سبيل أبوالخير الوحيد لمواجهة الازمة الحادة، لن تجدي نفعاً هذه المرة في ظل الانقطاع المتزايد، فثلاث ساعات من الكهرباء لا تكفي لشحن بطارية تعمل على مدار 21 ساعة متواصلة. وإذا كان أبوالخير يمتلك أجهزة بديلة، فإن المواطن علي صبح لم يتمكن من توفيرها بفعل ظروفه المادية الصعبة، وتراكم الاحتياجات والأولويات الضرورية لديه، لتكون الشموع هي خياره الوحيد وإن كان مراً، حيث لا يلجأ اليها في أوقات العواصف والأمطار، حتى لا تتكرر مشاهد الموت المفجع. فعلى مدار السنوات الماضية احترق العشرات من المواطنين، بضمنهم أطفال، وقضوا نتيجة استخدام الشموع بديلاً للإنارة، وكان آخر تلك الحوادث مصرع ثلاثة أطفال أشقاء من عائلة أبوهندي من سكان مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، في شهر مايو 2016، لتكون هذه هي الفجيعة الثانية التي يشهدها مخيم الشاطئ خلال عام واحد، اذ حرق ثلاثة أطفال آخرون من عائلة الهبيل نتيجة استخدام الشموع إنارة بديلة لانقطاع الكهرباء. ويقول المواطن صبح ممتعضاً: «اضطررنا الى أن ننام على ضوء القمر، ولكن أطفالي أصيبوا بحالة ذعر شديد، حيث استيقظوا في ساعات الفجر الأولى مذعورين بفعل الظلام الحالك الناتج عن انقطاع الكهرباء». شلل تام وأدى تزايد ساعات انقطاع الكهرباء في غزة، والتي تصل إلى أكثر من 20 ساعة متواصلة في اليوم الواحد، الى انتشار حالة من السخط بين المواطنين الذين يرفضون حرمانهم من الخدمات الرئيسة، وتفاقم أزماتهم المعيشية نتيجة الخلافات السياسية بين شطري الوطن، واصفين ذلك بالكارثة، نظراً لما خلفته الأزمة التي تتزامن مع البرد الشديد من أضرار كبيرة طالت جميع مناحي حياتهم. فالانقطاع المتزايد للتيار الكهربائي، تبعه عجز حاد في توافر المياه داخل منازل المواطنين، كما أصيبت القطاعات الخدمية والحيوية بشلل تام، فيما حذرت وزارة الصحة الفلسطينية من خطورة تواصل أزمة انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة عن المستشفيات، وما يمكن أن يشكله ذلك من احتمالات وقوع كارثة إنسانية. ويقول المواطن أحمد أبورأس بصوت مختنق: «تعودنا على انقطاع التيار الكهربائي ساعات عدة والعيش في الظلام، لكن أن يتبعه نقص في مياه الشرب فهذا شيء غير محتمل، فوصول التيار الكهربائي لـثلاث ساعات فقط خلال اليوم الواحد، لا يساعدنا في تعبئة خزانات المياه، وبالتالي يحدث عجز كبير في توافر المياه داخل منازلنا». ويوضح المواطن محمود النواتي، من المنطقة الشرقية لقطاع غزة، أن انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من (12 ساعة) متتالية تسبب في عدم وصول مياه الشرب إلى منزله، كما بقية منازل جيرانه في المنطقة، وذلك بسبب عدم تشغيل مضخات بئر المياه. ويقول النواتي: «في مرات قليلة تصل المياه إلى المنزل، لكن ذلك يتصادف مع انقطاع الكهرباء، ما لا يمكننا من تشغيل مولد خاص لتخزينها في خزانات أعلى البناية السكنية التي يقطنها عشرات الأفراد». ويضيف «منذ بدء الأزمة في التيار الكهربائي، قلّ عدد الساعات التي تصل فيها المياه، وفي الأيام الثلاثة الماضية لم تصل المياه بتاتاً، وهو ما فاقم معاناة الناس هنا، وأصبحوا يبحثون عن ملء غالونات للمياه من أحياء مجاورة». ويعاني قطاع غزة منذ عام 2006 عجزاً بنحو 40% من احتياجاته من الكهرباء، ما يدفع لاعتماد جدول ثماني ساعات وصل وثماني ساعات قطع في أفضل الأحوال، وتزداد صعوبته مع تعطل أحد الخطوط أو اشتداد فصلي الشتاء والصيف.
مشاركة :