مصير المرضى كرة تتقاذفها الحكومة وشركات الدواء والصيادلة في مصر

  • 12/26/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

«تحرير سعر الصرف أثر في شركات الأدوية»، «تحرير سعر الصرف ليس السبب في أزمة الدواء»، «أرباح شركات الأدوية 1500 في المئة»، «الأرباح لا تتجاوز 22 في المئة»، «الأرباح لا تكاد تذكر»، «شركات الأدوية هي المتحكم في سعر الدواء ومن ثم نقصه»، «الصيادلة يخزنون الدواء للاستفادة من بيعه بعد ارتفاع الأسعار وهم السبب في نقصانه»، «وزارة الصحة غائبة» أو «نائمة» وفي أقوال ثالثة «متآمرة». «وزارة الصحة تنصف شركات الدواء الكبرى فقط»، «تنصف الصيادلة فقط»، «تنصف نفسها فقط». التفقيط الوارد في فاتورة الدواء التي تسلمها المواطن المتصل بصيدلية قريبة من بيته لشراء أدوية الضغط والقلب الأربعة المعتادة، إضافة إلى دواء مستورد شهير لعلاج الصداع تشير إلى توافر دواء واحد فقط من الأدوية الأربعة وبمقدار شريط واحد وليس شريطين، إضافة إلى زيادة قدرها 90 في المئة في سعر دواء الصداع. لكن صداعاً من نوع آخر أعم وأشمل تدور رحاه هذه الأيام في الشارع والأثير ودهاليز الشركات وباحات الصيدليات وفي النقابات وبين جوانب الوزارات وبالطبع في غرف المرضى في المستشفيات حيث الدواء في مصر صارت فيه أربعة سموم قاتلة تهدد الجميع بعدما صارت المسألة «حياة أو موت». سخرية القدر أدت إلى جلجلة ليلية للعبارة الأشهر في السينما المصرية «الدواء فيه سم قاتل» التي وردت في فيلم يحمل اسم «حياة أو موت» لتزج بالهاربين من أثير التلفزيون الداق على أزمات المصريين المتواترة والتي تتربع أزمة الدواء على عرشها هذه الأيام. والهاربون من مغبة صراخ «توك شو» وندب البرامج الحوارية وجدوا أنفسهم يقلبون مواجعهم وتؤلبهم أمراضهم المزمنة والعارضة والتي تقف على كف عفريت بسبب أزمة دواء طاحنة تهيمن عليها أطراف أربعة، أضعفها بطلها الأوحد المريض. المريض الجالس على كنبة بيته أو الممدد على سرير مرضه يجد نفسه مضطراً لمتابعة مشهد قوامه الغموض وفحواه الصراع ونتيجته إما موت محقق، أو مرض متمكن، أو معجزة تحدث. الحديث الدائر في صيدليات مصر البالغ عددها نحو 55 ألف صيدلية لا يخرج عن إطار: «عندك دواء كذا؟»، لتصل الإجابة: «لا والله ناقص في السوق». وفي أحسن الأحوال يبشر الصيدلي السائل بوجود بديل، لكن القاعدة في أدوية بعينها أبرزها الضغط والقلب والأورام والفيروسات الكبدية، تظل «لا والله ناقص في السوق». المشهد العبثي الذي يثير التساؤلات ويطرح التشككات في ظل سكون حكومي وخمول رسمي وكمون وزاري تتضاعف عبثيته وتتفجر هزليته بصراخ ليلي محتدم يتداخل عبر برامج «توك شو» الرئيسة المفردة ساحاتها لتناحر أطراف الأزمة الثلاثة المتبقين من أجل إمتاع الطرف الرابع الأكثر ضلوعاً ألا وهو المريض. سجالات ليلية أبطالها رؤساء شركات الأدوية الذين يؤكدون ويقسمون بأغلظ الأيّمانات أن أرباحهم متقزمة على مدار ست سنوات، وتحديداً منذ تفجر رياح الربيع في كانون الثاني (يناير) 2011، وأن غايتهم صحة المريض وعقيدتهم أقل هامش ربح ممكن لتسديد الرواتب وسد الهوامش على أن يتحملوا تقزم الأرباح إلى حين بزوغ الصباح وخروج مصر من أزمتها الاقتصادية. وهم في عرضهم الملائكي هذا وتضحيتهم بالذات تلك يتهمون الصيادلة بدءاً بالنقابة، مروراً بأصحاب الصيدليات، وانتهاء بالعاملين فيها بإنهم السبب في الأزمة أملاً بتوسيع هامش أرباحهم على حساب شركات الأدوية وعلى أجساد المرضى. وفي المقابل، فإن نقابة الصيادلة - وفي جمعية عمومية طارئة قبل أيام لم يحضرها سوى 800 صيدلي من مجموع نحو 187 ألف عضو - اتخذت قراراً بالإعراب عن غضب الصيادلة «لما ألم بالمريض من نقص الدواء» وذلك عبر الإضراب بإغلاق الصيدليات لمدة ست ساعات يومياً من التاسعة صباحاً وإلى الثالثة بعد الظهر. ووفق نقابة الصيادلة فإن القرار يصب في مصلحة المريض، وذلك للضغط على كل من الشركات المصنعة والمستوردة للدواء ووزارة الصحة لتوفير الدواء. لكن أسباباً أخرى يتداولها الجميع، باستنثاء القائمين على النقابة أنفسهم، ألا وهي غضب صيدلي نقابي من استبعاد الصيادلة من المشاركة في اجتماعات وزارة الصحة مع أصحاب شركات الدواء لمناقشة الأسعار وسياسة الدواء وتحريك هامش الربح للصيادلة، ولو على حساب جسد المريض. جسد المريض لا يغيب كذلك عن الطرف الثالث في الأزمة الطاحنة حيث وزارة الصحة، الظالم والمظلوم، والمخلص والمميت. فالوزارة، وفق مصادر مقربة من الحكومة، اجتمعت مع أصحاب الشركات لتخبرهم بأن الدولة تعرف حقيقة أرباحهم الطائلة وتطالبهم بالتعقل لعدم تفاقم الأزمة. والوزارة، وفق مصادر أخرى مقربة من الصيادلة، تتفق على أسعار الدواء وسياساته مع أصحاب الشركات في غرف مغلقة. والوزارة، وفق مقربين من الوزير، تبذل كل الجهد من أجل حل الأزمة. المثير أن وزير الصحة والسكان أحمد عماد قال في أحدث تصريح له إن أزمة نقص الدواء في السوق المصرية في طريقها للحل، وإنه سيتم توفير كل النواقص في المستشفيات العامة والخاصة، إضافة إلى إدخال 146 صنفاً دوائياً ناقصاً إلى مصر بقيمة 186 مليون دولار في غضون عشرة أيام. كان ذلك قبل ما يزيد على شهر. ومنذ ما يزيد على شهر، والجميع يصيح ويتشاحن ويتقاذف الاتهامات ويعيد تدوير إلقاء المسؤوليات في ملاعب الآخرين، باستثناء الحكومة ممثلة في وزارة الصحة حيث لا حس أو خبر. لكن أخباراً عدة تنزل على رؤوس المرضى مصدرها البرلمان الحائر بين استدعاء نقيب الصيادلة، أو استجواب رئيس الحكومة، أو لوم ستة وزراء تارة، والتصريح فرادى بأن أزمة الدواء ستحل بعد أسبوع، أو تتفاقم بعد شهور، أو تبقى كما هي إلى حين إنشاء مجلس أعلى للدواء. وفي تلك الأثناء، يملأ المريض وقت الفراغ بمتابعة المشهد ومراقبة الصراع ومهادنة الواقع بالهروب إلى حضن الأفلام حيث نداء من حكمدار العاصمة بأن «الدواء فيه سم قاتل»، لكنه يعلم أن السم صار أربعة: هو والحكومة وشركات الدواء والصيادلة.

مشاركة :