"للأسف لم أستطع أن أحضر أكياس محلول الملح لوالد زوجة أخي الذي يقوم بغسيل الكلى كل 3 أيام". ليست شكوى الدكتور محمد هذه فريدة من نوعها في ظل أزمة الدواء التي تعانيها مصر، ولكن المثير للدهشة أن الدكتور محمد صيدلي، ويمتلك صيدلية في نهاية شارع الهرم بالجيزة بغرب القاهرة الكبرى. الشكوى كانت بداية إجابته على سؤال من "هافينغتون بوست عربي" عن حقيقة أزمة الأدوية بعد قرار تعويم الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية، وارتفاع السعر الرسمي للدولار بنسبة قاربت على الـ 100%. يتزامن حديث الصيدلي محمد مع تحذيرات نقابة الصيادلة من موجة اختفاء العديد من أصناف الأدوية الهامة بالأسواق في ظل أزمة إعادة تسعير الدواء بين شركات الإنتاج ووزارة الصحة، بعد قرار ارتفاع سعر الدولار رسمياً بنسبة تزيد عن 80% بعد وصوله إلى 16 جنيهاً بعد أيام من تحريره الخميس 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، في مقابل 8.8 قبل تحرير أسعار الصرف في خلال أقل من أسبوع. "أزمة نقص بعض أصناف الأدوية ليست وليدة اللحظة، ولكنها بدأت مع ارتفاع أسعار الدولار في السوق السوداء، وتتفاقم مع الوقت بنقص حاد في أحد الأصناف، وهو ما حدث خلال الفترة الماضية في محاليل الملح والغلوكوز، حتى أنني عجزت عن توفيره لشقيقي الذي كان يبحث عنه من أجل والد زوجته".. هكذا واصل محمد في حديثه مع "هافينغتون بوست عربي". وذكر الصيدلي أنه منذ الخميس الماضي بدأت ملامح أزمة نقص لأصناف أخرى مثل أدوية السكر، مع اختفاء الأنسولين من الصيدليات، وكذلك استمرار أزمة لبن الأطفال ووجود كميات قليلة منه، وأدوية منع الحمل "Gynera 30 - Yassmin 39 - cerrazette 29 - Exxcellton 10.5 - Micrlout 16 - "Cilest27. "جميعها أدوية مستوردة. ويضيف قائلا "الأزمة بدأت تقترب من أدوية تؤثر على حياة المرضى مثل أدوية أمراض القلب والسكر وأدوية الأطفال، وذلك مع إبلاغ مخازن الأدوية عدم قدرتها على توفير طلبات الشراء". المرضى في خطر صيدلي آخر هو الدكتور مصطفى أكَّد لـ"هافينغتون بوست عربي" اختفاء العديد من الأصناف من الأسواق، إذ يقول "أصبحت الكمية الموجودة في الصيدلية قليلة، ومندوبو الشركات أبلغونا أن هناك عجزاً يتزايد مع أزمة الدولار". ويضيف مصطفى قائلاً "أعددت قائمة بالنواقص من الدواء بالصيدلية وقمت بإبلاغ مخازن الأدوية التي أتعامل معها لتوفيرها لي، وكان الرد أن 90% من القائمة غير متوفرة، ومع انتهاء الكمية التي لدي بالصيدلية سوف أبلغ المرضى بعدم وجودها، ومعظمها من الأدوية الهامة للأمراض النفسية والصرع، ومرضى القلب والضغط، والتي قد تختفي خلال أسبوع مع انتهاء الكميات المتوفرة بالصيدليات". وتابع: "ومع تفاقم الأزمة بدأ ظهور السوق السوداء في مجال الدواء، وهو ما حدث مثلاً مع محلول الملح والغلوكوز، والذي ارتفع سعره الرسمي من 80 جنيهاً للكرتونة التي تحتوي على 20 أمبولة، ليجدها بعض الصيادلة في السوق السوداء بـ 370 جنيهاً، وهي من الأصناف التي لا غنى عنها لكثير من المرضى، وكذلك ظهر السوق السوداء لأدوية منع الحمل وتباع في السر بزيادة 50% عن سعرها الرسمي المحدد من قبل وزارة الصحة". الصيدليات تهدد بالإغلاق وفي مواجهة هذه الأزمة، خلال اجتماعه الذي عقده في 6 نوفمبر/تشرين الأول 2016، عدة قرارات تتعلق بالآثار المترتبة على قرار تعويم الجنيه، حيث طلب مجلس النقابة من رئيس الوزراء عقد لقاء عاجل وطارئ مع هيئة مكتب مجلس النقابة، لعرض مشاكل المهنة ومعاناة الصيدليات. كما طالب وزارة الصحة ومجلس النواب باستصدار قرار وزاري أو قانون ملزم بتطبيق "الاسم العلمي للدواء" لمنع المتاجرة بالمسميات الدعائية للقضاء على أزمة نقص الأدوية ومعاناة المريض المصري، وتأميناً للأمن الدوائي القومي. ووافق المجلس على عقد جمعية عمومية يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وتوصية الجمعية باتخاذ قرار بتعليق كافة عمليات الشراء من أي شركة إنتاج أو توزيع تتلاعب بقرار 499 بشأن تسعير المستحضرات الصيدلية البشرية، كما قرر المجلس مطالبة الإدارة المركزية للشئون الصيدلية بالكشف عن قائمة نواقص الأدوية واتخاذ ما يلزم من إجراءات، ورفع توصية الجمعية العمومية بالغلق الاضطراري في حال استمرار أزمة نواقص الدواء وفشل وزير الصحة وإدارته المختلفة في حل الأزمة. هل تربح شركات الأدوية 1000% وقال الدكتور محيي عبيد نقيب الصيادلة، إن الاجتماع الذي عقدته النقابة في 6 نوفمبر/تشرين الأول 2016، كان بحضور نشطاء المهنة والنقابات الفرعية والنقابة العامة، وكان أهم توصياته لقاء عاجل مع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء لمناقشة الأزمة الكبرى التي بدأت تظهر. وأكد عبيد في تصريحات خاصة لـ"هافينغتون بوست عربي"، أنه رغم مرور أكثر من 24 ساعة على الاجتماع إلا أن وزارة الصحة في وادي ونحن في واد آخر، مشيراً إلى أن الأزمة الموجودة الآن مفتعلة من شركات الأدوية للحفاظ على هامش الربح الكبير لها، وأن الحل المطروح بكتابة اسم الدواء بالاسم العلمي له، والذي سيمنع المتاجرة بأسماء دعائية ويجب الشركات على توفير منتجاتها ويقضي على قائمة النواقص التي تخطت الـ1500 صنف. وذكر نقيب الصيادلة أن النقابة طالبت كثيراً بدعم شركات الأدوية التابعة قطاع الأعمال لتكون منافسة للشركات الخاصة، والتي تقوم الآن بتقليل الكميات المعروضة من الأدوية للحفاظ على نسب أرباحها في متوسط من 600% إلى 1000%، وترفض أن تقل تلك النسبة لتكون ما بين 300% إلى 500% مع تطبيق أسعار الدولار الجديدة، بمعنى أنها لن تخسر مع تلك الأسعار، خصوصاً إذا قامت بإلغاء بند الدعاية والرحلات التي تنظمها للصيادلة، حسب قوله. الحكومة: لن نغير أسعار الأدوية وفيما يبدو تخوفاً من الغضب الشعبي، ، وزير الصحة المصري بعدم تحريك أسعار الأدوية معلنا أنه لا زيادة فى أسعار الأدوية بعد قرار تعويم الجنيه، وأن البنك المركزى تعهد بتوفير العملة للشركات لشراء احتياجات السوق من المستحضرات الدوائية، وتعويم الجنيه سيوفر الدولار للشركات بشكل كبير ما يمكنهم من استيراد الأدوية التي يحتاجها السوق. وهاجم وزير الصحة، شركات الأدوية قائلاً: "الشركات كانت تحصل على الدولار من السوق السوداء بـ18 جنيهاً وأصبحت حالياً تحصل عليه من البنوك بـ14 جنيهاً، فأصبحوا "كسبانين"(رابحين)، ولا يمكن مطلقاً تحرير أسعار الدواء نتيجة تعويم العملة، ولا يمكن أن نقبل الضغط التي تمارسه تلك الشركات لتحريك أسعار الأدوية". وأشار وزير الصحة إلى أن فكرة لجوء البعض إلى الاجتماعات والضغط لرفع أسعار الدواء لا يمكن قبولها مطلقاً، قائلاً "الحكومة لا تقبل أن تتلقى تهديدات نهائياً، ولدينا أولويات في توفير السلع الأساسية والدواء، لأنها أمن قومي" . وأوضح أن الوزارة لديها خطة لتوفير نواقص الأدوية الحيوية من خلال توفير الدولار للشركات لشراء مستلزمات الإنتاج والأدوية المستوردة، خاصة أدوية فيروس سي والأورام والقلب والضغط ومشتقات الدم. من جانبه، أعلن الدكتور أيمن أبو العلا، وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب، أن اللجنة ستعقد اجتماعاً طارئاً خلال الأيام القليلة المقبلة، لبحث أزمة نقص الدواء بالسوق المصري، خصوصاً أن الأزمة تكررت أكثر من مرة على مدار الأيام الماضية، موضحاً أن الاجتماع سيضم كافة المسئولين عن منظومة الدواء بوزارة الصحة لإيجاد حلول سريعة للأزمة الحالية. وذكر أبو العلا لـ"هافينغتون بوست عربي"، أن القرارات الأخيرة لحكومة المهندس شريف إسماعيل، أثرت بطبيعة الحال على سوق الدواء ولكن يجب على الدولة متمثلة في وزارة الصحة التدخل بشكل سريع لمواجهة الأمر خصوصاً أنه يؤثر بشكل مباشر على المواطن البسيط. فيما حمل الدكتور محمود أبو الخير، أمين سر لجنة الصحة بالبرلمان، وزارة الصحة مسؤولية نقص الأدوية بالسوق، خصوصاً أن الوزارة أصدرت قراراً منذ شهور لرفع سعر الأدوية الرخيصة مقابل توفيرها بالسوق المصري، وهو ما لم يحدث على الإطلاق رغم مرور عدة أشهر على القرار. وأضاف أبو الخير في تصريحات لـ"هافينغتون بوست عربي"، أن شركات الأدوية تلوي ذراع الدولة، وهي المتسبب الحقيقي في هذه الأزمة فبعد أن حققوا أرباحاً بالمليارات قبل ثورة يناير/كانون الأول 2016، الآن يتخلون عن الدولة والمواطن المصري. مطالب الشركات من جانبه رفض الدكتور محيي حافظ عضو مجلس إدارة غرفة الأدوية باتحاد الصناعات، الاتهامات الموجهة للشركات، قائلاً "تلك الصناعة يصل عمرها لعشرات السنين بمصر، وهي قائمة بالأساس على الربح، ولا يمكن أن ترفض الشركات طرح الأدوية وهي لديها هامش ربح، مؤكداً أنه لا يمكن أن تعمل المصانع والشركات في ظل أسعار تؤدي إلى خسائر كبيرة، حسب قوله. وطالب حافظ من يهاجم شركات الدواء بأن يقوم هو بتوفير الدواء للناس، مؤكداً أنه لا بديل في تلك الأزمة سوى تحريك أسعار المنتجات الدوائية بشكل انتقائي، في ظل حقيقة أن الدواء من السلع المسعرة جبرياً، وأن استمرار أسعارها كما هي ينذر بتوقف الصناعة لأن هناك أسعاراً لأدوية تم تقديرها وقت كان الدولار أقل من 4 جنيهات مصرية. وأوضح في تصريحات خاصة لـ"هافينغتون بوست عربي"، أن الخامات الدوائية المستوردة تمثل 25% من المنتج النهائي، وإذا رفضت الحكومة تحريك الأسعار فعليها أن تدعم سعر الصرف لصالح منتجي الدواء لفترة مؤقتة، ولحين استقرار سعر الدولار في الأسواق، أو تحريك الأسعار بما يتوافق مع أسعار الصرف الجديدة، محذراً أن الأوضاع تنذر بتوقف الصناعة. وأشار عضو مجلس إدارة غرفة الأدوية باتحاد الصناعات، إلى أنه من المنتظر عقد لقاء مع المسؤولين في وزارة الصحة لبحث الأزمة، وهناك اتصالات حول الأمر، لكنه لم يتم تحديد موعد محدد حتى الآن.
مشاركة :