«اتفاق تاريخي» يعزز نفوذ موسكو في قلب البلقان

  • 12/27/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

بعد زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بلغراد في 12 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، وما صاحبها من انتقاده ضغوط الاتحاد الأوروبي على صربيا للابتعاد عن روسيا، ونشر «الوثيقة السرية» لحلف الأطلسي التي تفصح عن وعي بروكسيل بالتغلغل الروسي الجديد في البلقان عبر صربيا والامتداد الصربي في الدول المجاورة لها (كرواتيا والبوسنة والجبل الأسود وكوسوفو)، جاءت زيارة رئيس الحكومة الصربية ألكسندر فوتشيتش موسكو في 21 الجاري لتفضي الى «اتفاق تاريخي» يعزز من نفوذ روسيا في قلب البلقان في المواجهة الجارية بين روسيا والاتحاد الأوروبي. يمكن القول إن زيارة فوتشيتش موسكو وما صاحبها من مجاملات واتفاقيات وتصريحات تمثل إنجازاً روسياً بامتياز لكسب صربيا إلى صفّها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، في وجه محاولات الاتحاد الأوروبي جذب صربيا إلى جانبه بعد أن منحها صفة «دولة مرشحة» للانضمام إلى الاتحاد. فقد عملت روسيا في السنوات الأخيرة على زيادة استثماراتها في صربيا، بخاصة في مجال الطاقة وتوطيد صلاتها مع اليمين القومي الصربي (الحزب الراديكالي الصربي) واليسار الصربي الموروث من أيام ميلوشيفيتش (الحزب الاشتراكي الصربي). حتى أن روسيا ستكون ناخباً مؤثراً في الانتخابات الرئاسية في 2017 لأن الموقف من روسيا سيكون في صلب الحملة الانتخابية التي بدأت مبكراً وسيحسمها المرشح الذي يحظى بتأييد روسيا. في هذه الحال، كان ينقص روسيا وصربيا شيء واحد: التعاون العسكري. فبعد أن اكتسبت صربيا وضعية «دولة مرشحة» للانضمام إلى الاتحاد الأوربي في 2012، أخذت في التنسيق السياسي والعسكري مع الاتحاد الأوروبي، وتواصلت لأول مرة مع حلف الأطلسي على رغم المرارة التي لا تزال في نفوس الصرب من قصف الحلف صربيا في 1999. ولكن بعد انفجار الوضع في أوكرانيا وضم روسيا شبه جزيرة القرم في 2014 صعّدت بروكسيل من سياستها إزاء روسيا وفرضت أول حزمة عقوبات عليها، ما أطلق مواجهة جديدة بين الشرق والغرب امتدت من أوكرانيا الى سورية. وعلى رغم حاجة صربيا الى مساعدات الاتحاد الأوروبي، إلا أنها تحت ضغط الشارع المؤيد لروسيا امتنعت عن تنفيذ العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، وهو ما فتح الباب لعودة روسيا إلى صربيا من باب جديد: التسلح والتعاون العسكري. فبسبب الوضع الاقتصادي الصعب في صربيا، أعطت الحكومة الأولوية لتحريك الاقتصاد وتحسين الوضع المعيشي على حساب الإنفاق على الجيش الذي لم يعد أولوية كما كان أيام ميلوشيفيتش والنزاعات المسلحة في البلقان. ولكن «ترشيد» الإنفاق على الجيش أدى إلى اكتشاف تخلّفه واكتشاف كلفة تحديثه التي هي فوق طاقة صربيا. وهنا فُتح الباب من جديد أمام موسكو التي عبّرت عن استعدادها لتقديم أحدث الأسلحة الروسية بالمجان لصربيا لكي يبقى الجيش الصربي معتمداً عسكرياً على السلاح الروسي وسياسياً على موسكو. كل شيء إلا الأسلحة النووية ولأجل هذا، ذهب فوتسيتش الى موسكو لتوقيع «الاتفاق التاريخي» مع روسيا. وقد تمثلت «الحرارة الجديدة» في العلاقات بلقاء فوتشيتش وزير الدفاع الروسي سرغي شويغو، حيث بدأ فوتشيتش الحديث بالروسية وردّ عليه شويغو مرحباً بالصربية. وبعد اللقاء، فاجأ فوتشيتش الصحافيين بتفاصيل «الكرم الروسي» الذي تضمن تقديم أحدث الأسلحة بالمجان لصربيا: ست طائرات من طراز ميغ 29 وثلاثين دبابة من طراز ت 72 وثلاثين عربة مدرعة مجهزة بمدافع خفيفة، ما تصل قيمته في السوق الى نحو بليون دولار. وقد مازح فوتشيتش الصحافيين بالقول إن خبراء وزارة الدفاع الصربية طلبوا كل شيء في موسكو «باستثناء الأسلحة النووية». ومع ذلك فقد أوضح أن هذه مجرد بداية لأن التعاون العسكري سيستمر ويتحول إلى إنتاج عسكري مشترك حتى 2018. وكان من الطبيعي أن يثمر هذا «الكرم الروسي» بالأسلحة تقارباً سياسياً في المواقف الجديدة. ففي إشارة إلى الضغوط الغربية للابتعاد عن روسيا، بعد أن رفضت صربيا تنفيذ العقوبات الاقتصادية التي قررتها بروكسيل، قال فوتشيتش إن حكومته نجحت في «الحفاظ على استقلالها في وجه الضغوط من مختلف الأنحاء» وفي «تقوية صربيا إلى الحد الذي لم نكن نتصوّره» بفضل الأسلحة التي منحتها روسيا بالمجان لصربيا. وفي المقابل، شكر وزير الدفاع الروسي رئيس الحكومة الصربية على «تأييد صربيا مبادرة روسيا الإنسانية في حلب». وأكد أن «مشاركة بلغراد في دعم جهود روسيا لتهدئة الوضع في سورية إنما تدلّ مرة أخرى على الثقة والعلاقات المشتركة المنفتحة». كما أكد وزير الدفاع الروسي ضرورة استمرار المناورات العسكرية المشتركة تحت مسمّى «الأخوة السلافية» التي أجريت لأول مرة في صربيا خلال تشرين الأول (اكتوبر) الماضي، في الوقت الذي كانت فيه قوات حلف الأطلسي تجري مناورات عسكرية في جمهوية الجبل الأسود «المتمردة» على روسيا. ومع الإعلان عن هذا الاتفاق العسكري، عنونت الجريدة البلغرادية المعروفة «داناس» (عدد 22/12/2016) «اتفاق تاريخي»، وهو التعبير الذي استمدته الجريدة من تصريح نائب رئيس الحكومة ووزير الخارجية ورئيس «الحزب الاشتراكي الصربي» ايفيتسا داتشيتش الذي كان خلف سلوبودان ميلوشيفيتش في رئاسة الحزب. ومن المؤكد أن الأسابيع المقبلة ستكشف عن الثمن السياسي لهذا «الاتفاق التاريخي» الذي يترافق مع تولي دونالد ترامب منصبه الرئاسي في الولايات المتحدة، إذ من المأمول أن تتحسن العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة. ومن أوائل المؤشرات إلى ذلك الإعلان عن مشاركة رئيس «جمهورية الصرب» في البوسنة ميلوراد دوديك، المغضوب عليه في الاتحاد الأوروبي، في حفل تنصيب ترامب في 20 كانون الثاني (يناير) المقبل بكل ما يعني ذلك من رسائل سياسية. فقد كان دوديك تحدى الاتحاد الأوربي بالمضي في استفتاء يعزز استقلال «جمهورية الصرب»، وهو ما أدى الى قرار أوروبي بعزله ديبلوماسياً، بينما تأتي الآن دعوة ترامب له (بفضل روسيا) لتعيد له الاعتبار على أعلى مستوى.

مشاركة :