الكلمة ظاهر وباطن

  • 12/28/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كتب رجل إلى عبدالله بن عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما، أن اكتب لي بالعلم كله، فكتب إليه ابن عمر: إن العلم كثير، ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم، كافاً لسانك عن أعراضهم، لازماً لأمر جماعتهم فافعل والسلام. بهذه الكلمات التهذيبية القليلة بعددها، الكثيرة بمعانيها، الكبيرة بدلالاتها، والجميلة بأسلوبها، استطاع ابن عمر أن يجعل منها منهاجاً للنصح. فمن لا يملك أفكاراً رفيعة لا يمكنه أن يصل إلى أحكام رفيعة، ومن لا يملك الأسلوب الجميل لا يمكنه أن يصل إلى الإقناع الجميل والهدف البديل بالحكمة والدليل؛ لأن العقل الواعي هو القادر على احترام الفكرة، حتى وإن لم يكن يؤمن بها، وأن اللهجة المخيفة والمبالغ في أمرها، وإن كانت مهذبة ، كثيراً ما تسبب الرعب والتوتر، وقد لا تأتي بالمطلوب ، وأن العبارات المهذبة في غير موضعها لا جدوى منها لدى متلقيها. وليس أدل على ذلك من تلك الرسالة التي كانت ترسل للسجين أيام الإعدامات القديمة في بريطانيا والتي تقول: تقرر إعدامكم مع فائق الاحترام. فيقول السجين: امنحوني الحياة فقط ولا حاجة لي باحترامكم مهما كانت قيمته عالية. مع بزوغ خيوط الفجر، ونحن في قمة التفاؤل وروح الطمأنينة وإيجابية الطاقة، قد تصلك رسالة عن طريق إحدى وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة تزيدك سعادة وسروراً، وتحفزك على الجد والاجتهاد، فتعيد نشرها إما لما تضمنته من محتوى هادف، سواء كان ترغيباً في عمل الخير، أو حكمة أو علماً نافعاً أو خبراً سعيداً، أو موقفاً يجعلك تبتسم، فتزداد بهذه الرسالة سعادة، فتبدأ يومك بسرور وفرح. وقد تأتيك رسالة أخرى تعكر صفوك، حتى وإن كان ظاهرها الخير، بما تحمل من طاقات سلبية وجلد للذات، ومن تصنيف ديني ووعيد بجهنم دون الترغيب بالجنة، وترهيب بغضب الله إن لم تعد نشر هذه الرسالة التي لا يعلم راسلها إليك مصدرها الحقيقي، والهدف الواضح والمخفي منها، فتحاول حيناً أن ترد على بعض الرسائل بعبارات تفاؤلية بهدف فتح باب للحوار الجميل، فتلقى ما لا تود أن تلقاه، فتنهي الحوار لا لعدم المقدرة وإنما لتنأى بنفسك عن الجدل العقيم واحتراماً لعقلك، وحتى لا يساء تفسير كلامك. وقد قيل في هذا السياق: لا تجادل الأحمق؛ فقد يخطئ الناس في التفريق بينكما. وقيل: لا تجادل بليغاً ولا سفيهاً؛ فالبليغ يغلبك والسفيه يؤذيك. وقد سئل لقمان: ممن تعلمت الحكمة ؟ قال: من الجهلاء، كلما رأيت منهم عيباً تجنبته. إنه العجب بعينه ممن يكذب ويكذب ويكذب كي يصدقه الناس، فيصدق نفسه ويصبح في غيّه عَلمَاً من أعلام التواصل الحديث، وهو لا يعلم أن المطبّلين خلفه ما هم إلا غثاء كغثاء السيل، يجمعهم معه خواء الفكر وضحالة الثقافة، والضحك عليه وحب نشر لغو الحديث والإشاعات والتعصب والاستقطاب، وهو، وهم بذات الوقت، يعلمون أن الفقاعة سرعان ما تنتهي، وأن الأشكال الهلامية الوهمية تذوب تحت أشعة شمس الحقيقة، وأن الكلمة إما أن تكون في ميزان الحسنات، إن كان ظاهرها وباطنها الخير، فنشرها في هذه الحالة بين الأعداد الهائلة من المتابعين يزيد ناشرها خيراً مضاعفاً بإذن الله، وأن كلمة السوء لا بد أن تحيق بصاحبها والمرّوج لها بعدد متابعيها ... وكفى بالله وكيلاً وحسيباً. عبدالله الهدية الشحي aaa_alhadiya@hotmail.com

مشاركة :