د. حسن مدن في ظاهر الأمور يبدو أن كل الأطراف المعنية بالأزمة السورية محتجة، لا بل معارضة، للعملية العسكرية واسعة النطاق التي ينفذها رجب طيب أردوغان، رئيس تركيا، في منطقة عفرين السورية، التي ما زالت تحصد الضحايا، بما في ذلك، في صفوف المدنيين. روسيا سارعت إلى سحب مراقبيها العسكريين من المنطقة المستهدفة بالعملية التركية، في رسالة يفهم منها أنها ليست معنية بهذه العملية، التي لازمت في العلن سياسة الصمت تجاهها، فهي لم تحتج عليها، ولكنها، بالمقابل، لم تعلن عن تأييد واضح لها. موقف إيران يبدو، إلى حدود بعيدة، مشابهاً للموقف الروسي، فهي، على ما بينها من تناقضات مع الأتراك في بعض الملفات، بما فيها الملف السوري نفسه، لم تظهر موقفاً حازماً برفض العملية العسكرية التركية في عفرين، مع أنها طرف مباشر، ميداني وليس مجرد سياسي، في الأزمة السورية.الولايات المتحدة هي من أنشأ وحدات سوريا الديمقراطية ذات القيادة والقوام الكرديين بدرجة أساسية، ودرّبت مقاتليها ومدّتهم بالسلاح، وعبرهم أوجدت لنفسها موطئ قدم ميداني في الأراضي السورية، جعل من غير المنطقي أن تؤيد ما تقوم به تركيا التي يجاهر رئيسها بأن غايته سحق هذه القوات، لكنها أيضاً لم تظهر أنها معنية بوقف هذه العملية، ولدى واشنطن من أدوات الضغط والحزم الكثير اللازم لفعل ذلك.وحده النظام السوري الذي ما انفك يصدر البيانات والتصريحات المنددة بهذه العملية، ولكنها تبقى مجرد كلام على الورق أو في الهواء، حيث تحاشى النظام، على الأقل حتى اللحظة، أي صدام مع القوات التركية المندفعة في العمق السوري، وبشيء من التمعن بوسعنا أن ندرك أنه ليس بوسع دمشق اللوذ بالصمت إزاء عملية من هذا النوع تنتهك في النهاية السيادة الوطنية لسوريا، لذا كان لا بد من تلك التصريحات المنددة التي لم تقدم ولم تؤخر.هذا في ظاهر الأمور، لكن هذه الظواهر تخفي البواطن. ولنطرح الأمر على شكل أسئلة: أتكون روسيا أبرمت مقايضة من نوع ما، بموجبها تطلق أنقرة يد موسكو، والنظام السوري وإيران بالنتيجة، في إدلب ومحيطها لاستهداف لا «تنظيم النصرة» وحده وإنما أيضاً المجموعات المسلحة المحسوبة على تركيا، مقابل أن تغض موسكو الطرف عن عملية أنقره ضد المسلحين الكرد في عفرين ومن يدعمهم؟أتكون موسكو، ودمشق في النتيجة، تراهنان على وضع الكرد أمام خيارين أحلاهما مر: انسحاب القوات التركية من عفرين مقابل دخول الجيش السوري النظامي إلى المنطقة، ما يعني عملياً تصفية ما يحسبه الكرد مكاسب ميدانية حققوها خلال سنوات الحرب في سوريا؟تصريحات، أو تسريبات، تقول إن موسكو قدمت هذا العرض بالفعل للكرد الذين ما زالوا يراهنون على موقف غربي داعم لهم، لم تظهر بعد أية معالم له. madanbahrain@gmail.com
مشاركة :