لماذا أطلق تنظيم الدولة الإسلامية 52 دبلوماسيا تركيا ألقي القبض عليهم في الموصل عام 2014 دون شروط وبلا مقابل، ولماذا يحرق جنديين في مدينة الباب بهذه الوحشية؟ من الذي تغير داعش أم أردوغان؟ العربأسعد البصري [نُشرفي2016/12/28، العدد: 10497، ص(9)] لا يذهب من ذاكرتي إصدار “درع الصليب” الداعشي صورة الجنديين التركيين مربوطين بالأغلال إلى العنق، والنار تقترب من الخلف حيث اللهب يسير من مسافة طويلة ثم تتسلق النيران ظهريهما “يقول الإنسان يومئذ أين المفر” شيء فظيع، عذاب النار، الإسلام، القرآن تفجير للذاكرة بشكل مرعب. عندما تنظر إلى الجنديين التركيين لا تخطر ببالك سوى عبارة واحدة “مقرنين بالأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار”، مشهد رمزي مرعب. لقد أحرقوا شعب تركيا كله بهذين الجنديين، الوجع انتقل إلى صدور الأتراك، ولا أحد يعرف كيف سيتحول بعد ذلك؟ إن الموت بحد ذاته غير مهم، ففي أميركا يموت 480 ألف إنسان سنويا بسبب التدخين فقط. المهم فكرة الموت والرهاب من الألم، والرعب الذي تثيره حقيقة الفناء، فناء الإنسان. لماذا وُضع طوق في رقبة الجنديين التركيين؟ طوق مربوط بوتد؟ لماذا لم يتم ربطهما من الورك أو القدم؟ لماذا طوق في الرقبة وسلسلة؟ إنهم يقصدون الحديث الذي رواه أميمة الباهلي في الشام زمن مروان وهو يرى رؤوس الخوارج كلاب النار؟ كلاب النار وأن النبي قال “الخوارج كلاب النار”. لقد أحرقوا الجنديين بطريقة خبيثة، ثم المفاجأة حين يركع الجندي المحترق ويسجد. إن سجود المسلمين في صلاتهم هو شكل الألم الإنساني المطلق. الدواعش يعتبرون السجود هو وجع الإنسان لانفصاله عن الجنة منذ آدم. ويجعلونك ترى أن تهديد “الخليفة” لقوات درع الفرات التركية في مدينة الباب ليس مزاحا. تنظيم داعش يدعي أنه يحكم بشريعة الرب ويصنع صنيعه، أي أنه وكيل الله على أرضه، بل إن الجنود صاروا جنود الله، تم زج الدين في المعركة. فما قيمة موت البشر وعذابهم في معركة متعلقة بمصير الدين؟ في الإصدار الثاني “فوارس الرمضاء” ترى داعشيا يتسلل إلى معسكر الحشد الشعبي ويختطف سيارة بمدفع رشاش، ثم يدخل بها معسكر داعش، وكأنها غنيمة على طريقة القبائل القديمة. وآخر يهاجم بسيارة مفخخة معسكرا للجيش فيطلقون عليه الرصاص، لكنه يناور بسيارته حتى يفجّرها بنصف المعسكر، ويتحول كل شيء إلى غبار. داعشي آخر يضربه جندي عراقي بصلية رصاص فيسقط كفه الأيمن، فيهاجم الكاميرا رافعا ساعده بلا كف والدم يتفجر على وجهه متوعدا بالقتال حتى النصر. وشاب يركض تحت الرصاص ويقول لن نتوقف حتى نحكم شرع الله في مشارق الأرض ومغاربها. في معركة الموصل هناك 600 عملية انتحارية في شهر واحد، والعالم كله ضد الإرهابيين ومع ذلك لا توجد انشقاقات؟ لا أعتقد أن موضوع داعش هو الدين والغيبيات، أعتقد أن موضوعه هو الطموح السياسي، الفرح بمغامرة لا يجرؤ أحد على التفكير فيها. هذه قضية تستهوي الشباب. شيء مشابه لطموح النازيين بأوروبا. الدين بالنسبة إليهم مجرد نشيد فاشي، محرض على التقحم والطموح والهوية فقط. كيف يمكن للدين أن يكون داعش؟ إن الإيمان الديني كما شرحه كارل ماركس هو أفيون ومخدر لوجع العالم، وأوضح مثال للعاطفة الدينية هو انتشاره بين العبيد الزنوج في أميركا، حيث شجع السادة البيض الكنيسة لأنها تساعد الزنجي على تحمل شقاء الرّق، وتلك الترنيمات اليسوعية الحميمية تحثه على طاعة سيده والخضوع، فالعبودية مجرد واجب في هذه الحياة الدنيا التي لا تساوي شيئا، بعدها يأخذه يسوع إلى الأبدية. لا علاقة لداعش بهذا الإيمان، إنهم فرقة نازية تواقة للزوال بالقتال. الإيمان الديني مرتبط بالدموع والخضوع والحب، بينما داعش نشيد إمبراطوري دنيوي مرتبط بالمرح والتمرد والتحدي. لم نرهم يبكون بل دائما يضحكون. هؤلاء مكر التاريخ بحسب الفيلسوف هيغل الذي يرى أن أبطال التاريخ انفعاليون “فلا شيء عظيم يحدث دونما انفعال”. فالدواعش حين يصدرون إحراق الجنديين التركيين بهذا الشكل المروع، قد لا يتحقق هدف آخر من ذلك المشهد سوى إضعاف الميول الدينية في تركيا وسقوط حزب العدالة والتنمية وخطابه الإخواني، لأن الحل الآخر سيكون الالتحاق بداعش. لا بد أن يسأل الشعب التركي رئيسه في النهاية لماذا أطلق تنظيم الدولة الإسلامية 52 دبلوماسيا تركيا ألقي القبض عليهم في الموصل عام 2014 دون شروط وبلا مقابل، ولماذا يحرق جنديين في مدينة الباب السورية اليوم بهذه الوحشية؟ مَن الذي تغير داعش أم أردوغان؟ أم أنها كما قال المتنبي “ومَن يجعل الضرغامَ بازاً لصيدهِ/ تصيّدهُ الضرغامُ فيما تصيدا”. إن تنظيم داعش الذي يوشك على السقوط في الموصل قد وحد بين الدولة والدين واللغات في قفزة غريبة من نوعها، فهو يقترح الخلافة والتمدد على منهاج النبوة، أي أنه دولة ضد الدولة، ويلغي الحدود بين الدول، فهو يعبر إلى الله وباسمه تحطم الدول. لا توجد غاية واضحة من ظهور داعش بهذا الشكل المدوي، فالشاب الفرح الذي يقود سيارته ويفجرها بأعدائه، يمشي على رماد المئات من الانتحاريين من رفاقه الذين فجروا أنفسهم بـذات الطريقة على ذات البيعة والعهد وكأن العالم صار مجرد جسر إلى الجنة. داعش ليس ندوة فكرية، بل حركة عسكرية وطموح سياسي، وهذه هي المشكلة التي ينبغي التعامل معها بحكمة. فما هو هذا الشيء الذي سننتصر عليه في الموصل؟ الوحش الذي قتل 5000 جندي عراقي من خيرة الجنود المدربين تدريبا أميركيا عاليا منذ منتصف أكتوبر حتى اليوم؟ إنه ليس شخصا بل طموح ومغامرة وانتقام. كاتب عراقي أسعد البصري :: مقالات أخرى لـ أسعد البصري من الذي تغير داعش أم أردوغان؟ , 2016/12/28 الذي قتل السفير الروسي هو الذي قتل حلب, 2016/12/22 حلب في رقبة أردوغان, 2016/12/18 أطفال الموصل ليسوا حائطا للإخوان المسلمين, 2016/12/15 في نقد العقل السني العراقي: قصور عن فهم الداخل وتصور خطر الآخر, 2016/12/13 أرشيف الكاتب
مشاركة :