دول الخليج تحاول إقناع روسيا بأنه لا فائدة من حماية النظام السوري والدخول في حرب عالمية باردة طالما دول الخليج تسعى إلى صداقة وشراكة اقتصادية مع موسكو.العرب أسعد البصري [نُشر في 2017/04/30، العدد: 10618، ص(4)]لا خلافات لا يمكن تجاوزها خلال زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الأخيرة إلى موسكو صرح أنه “لا مكان لبشار الأسد في مستقبل سوريا ولا مكان لميليشيا حزب الله في أي مكان في العالم”. وقال “نعمل على وضع حد لتدخلات إيران وحزب الله في المنطقة”. وأضاف “بحثنا كيفية تعزيز التعاون مع روسيا بما يخدم مصلحة البلدين”. من جانبه، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن موسكو والرياض يمكن أن تلعبا دورا لحل الأزمات تحديدا في سوريا. وأوضح “هناك تباين ملحوظ مع السعودية بخصوص سوريا لكننا نعمل سوية لإيجاد حل”. وأكد أن إيران وروسيا موجودتان في سوريا بدعوة من النظام. وأن روسيا لا تعتبر حزب الله منظمة إرهابية. هناك إذن خلاف كبير في وجهات النظر تحاول السعودية ودول الخليج عبر الحوار والشراكة الاقتصادية التخفيف منه والوصول إلى تفاهم. المطلوب هو انسحاب روسي من الحرب المشتعلة في سوريا. هناك قناعة خليجية قوية برفض “لعبة المحاور” فالواضح للعيان هو أن سياسة تصدير الثورة وولاية الفقيه الإيراني هي السبب في حالة عدم الاستقرار التي تعانيها المنطقة منذ عقود. تحاول دول الخليج إقناع روسيا بأنه لا فائدة من حماية النظام السوري والدخول في حرب عالمية باردة طالما دول الخليج تسعى إلى صداقة وشراكة اقتصادية مع موسكو، ولا تريد الصراع معها. لقد عبر عن هذا الوعي السياسي العميق ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حين قام بزيارة هادئة إلى موسكو مؤخرا وشرح وجهة نظر العرب وعقد مع الروس صفقات تجارية وعرض مشاريع تعاون عسكري مشترك بين البلدين. الخليجيون واقعيون جدا ويعرفون أن الوضع السياسي أصبح معقدا وفي حاجة إلى حلول حقيقية. ولكن ما هي أبعاد وحقيقة التحالف الإيراني الروسي مع النظام السوري والحرص على بقاء الرئيس بشار الأسد؟في النهاية هدف إيران هو تأسيس (إيران عظمى) من حدود الصين وشبه القارة الهندية وحتى شمال وجنوب القوقاز إضافة إلى الخليج العربي التحالف الحالي بين الروس وإيران يبدو في غاية الغرابة، إذا أخذنا في الاعتبار الاختلاف الديني والذي لعب دورا كبيرا في تشكيل حكومتي البلدين. ففي زمن الاتحاد السوفييتي قمعت روسيا الكنيسة الأرثوذكسية التي كانت عماد الشرعية للحكومات وهوية قومية للروس في الحكم القيصري. ولكن مع سقوط الشيوعيين استعادت الكنيسة الأرثوذكسية دورها المركزي في المجتمع ومعظم قوتها القيصرية السابقة. تسعون بالمئة من الروس هم أرثوذوكس. وقد رأينا أنه من خلال التحالف ومساعدة الكنيسة الأرثوذكسية لم يحقق فلاديمير بوتين الهيمنة السياسية في العاصمة فقط، بل صار يبحث عن احتمال الحصول على دعم في مناطق أخرى. تطمح روسيا اليوم إلى إعادة السيطرة عليها. وفي المقابل تحمل إيران الفكرة ذاتها ولكن بواسطة الهوية الشيعية في محيطها الجغرافي. رغم هذا التناقض الجوهري في الإيمان والهوية، يمكننا أن نفهم التحالف الروسي الإيراني كطموح أمتين بالتوسع والتأثير في الشرق الأوسط. روسيا تطمح إلى العودة كقوة عظمى منافسة للولايات المتحدة. وكما يقول باحث روسي فإنه ومنذ عام 2000 حرص بوتين على إعادة تأهيل روسيا كقوة عظمى، وخطط لسياستها بحيث تكون ندية مع واشنطن. لقد وضع البلاد كمحور منافس للغرب في الشرق الأوسط. ومع انسحاب الولايات المتحدة في عهد الرئيس أوباما اجتاح الروس الشرق الأوسط من البوابة السورية. إيران تريد بسط نفوذها على الشرق الأوسط، وهدفها النهائي الحد من النفوذ الأميركي في المنطقة وتصدير ثورتها الإسلامية. وكوريثة للإمبراطورية الفارسية العظيمة ترغب طهران بإعادة سيطرتها على الشرق الأوسط. أحد مستشاري الرئيس حسن روحاني قال مرة إن “بغداد” هي العاصمة الجديدة للإمبراطورية الفارسية. وأكد أن “كل الشرق الأوسط إيراني، وهذه المنطقة سيتم الدفاع عنها بقوة لأنها جزء من إيران”. وهذا سبب صراع الإيرانيين مع إسرائيل، إنه صراع على منطقة تعتقد إيران بأنها ملك لها. في النهاية هدف إيران هو تأسيس “إيران عظمى” من حدود الصين وشبه القارة الهندية وحتى شمال وجنوب القوقاز إضافة إلى الخليج العربي. وقد لاحظنا مع انسحاب أميركا من الشرق الأوسط كيف قفزت إيران على بغداد ودمشق ولبنان وصنعاء. إن تدخل إيران في الحرب السورية هدفه الحفاظ على الأسد الذي يضمن تأثيرا إيرانيا في البلاد. كل من روسيا وإيران واجهت تحديات دولية مشابهة، من ضمنها حصار اقتصادي خانق فرضته الولايات المتحدة منذ نهاية السبعينات من القرن الماضي. مع الزمن وضعت الولايات المتحدة عدة أشكال من العقوبات على إيران في حقول التجارة والاقتصاد وتطوير الأسلحة خصوصا البرنامج النووي.تحديات دولية في سوريا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سلطا عقوبات على روسيا بسبب تدخلها في أوكرانيا. أرسلت روسيا عام 2014 قواتها إلى القرم وهي شبه جزيرة في أوكرانيا كانت على الدوام محل نزاع. تحرك المسؤولون الروس بسرعة لضم شبه الجزيرة إلى روسيا، وسكّان القرم غالبيتهم من أصول روسية لهذا قرروا في استفتاء شعبي الانضمام إلى موسكو. منذ ذلك الحين وضعت الدول الغربية عقوبات قاسية على موسكو. هذا الواقع المأساوي المشترك بين روسيا وإيران يفسر لنا سبب تحالفهما السياسي الحالي خصوصا في التجارة والصناعات والعسكرية. الروس ساندوا سوريا في صراعاتها من خلال الدعم اللامحدود. مقابل ذلك منحتهم سوريا ميناء بحريا في المياه الدافئة على المتوسط (ميناء طرطوس). المثير أن تلك القاعدة البحرية كانت الوحيدة خارج الأراضي السوفييتية. ويعتبر الاحتفاظ بتلك القاعدة البحرية في طرطوس مهما جدا لأن الموانئ الروسية مغلقة بالجليد في الشتاء وليس بينها قواعد توفر ممرا سريعا إلى المتوسط. ومن تلك القاعدة البحرية (المشؤومة) استطاعت روسيا توفير الدعم العسكري لنظام الأسد في الحرب الأهلية. ميناء طرطوس يعتبر استراتيجيا لأن بنيته التحتية مهيأة لاستقبال غواصات نووية روسية، فضلا عن أن تصدير السلاح عبر تلك البوابة يعتبر مصدرا للمليارات من الدولارات. في الحقيقة سوريا قدمت لروسيا منافع متعددة، عام 2012 مثلا باع الروس أسلحة بقيمة 550 مليون دولار لدمشق. ويمكن القول إن موسكو ودمشق شريكان اقتصاديان لا غنى لأحدهما عن الآخر في الوقت الحالي. عام 2012 كانت سوريا تحت العقوبات والاتحاد الأوروبي منع استيراد النفط السوري، ومنع تزويدها بوسائل الطاقة، كما رفضت بلدان كثيرة التبادل التجاري مع سوريا، غير أن الروس كسروا الحصار واشتروا النفط السوري وزودوهم بالطاقة. السبب الرئيسي للتحالف الروسي مع دمشق هو طموح روسيا للسيطرة على مصادر النفط نحو أوروبا. بعد الحرب الأهلية سيضمن الوجود الروسي في المنطقة عمليات تبادل تجاري واسعة مع الدول المنتجة للنفط وهذا ما يحدث فعلا. يعتبر سقوط الأسد خسارة عظمى بالنسبة للروس لهذا فإنهم يزودون دمشق بالسلاح، ويقصفون المعارضة لصالح الإيرانيين والنظام السوري اللذين يقاتلان على الأرض. من الصعب التنبؤ بحجم القوات الروسية في سوريا بسبب الإنكار المستمر. ولكن حتى أكتوبر 2015 قام الروس بإعداد 150 ألف مقاتل للمساهمة في تلك الحرب، وكان نظام الأسد يطلق موجة جديدة من الغارات الجوية القاصفة على المدن بالبراميل المتفجرة. لقد زودت روسيا نظام الأسد بأكثر من 50 طائرة مقاتلة وهليكوبتر من ضمنها السوخوي 24 و25. وفي عام 2015 وسعت روسيا وجودها العسكري بفتح قاعدتين جديدتين والأمر في تصاعد منذ ذاك الحين. وحتى عام 2016 حين أعلن بوتين انسحاب جزء كبير من قواته فقد علل ذلك بأن الوضع لم يعد في حاجة إلى ذلك الحجم من القوات. وهذا يعني بأن روسيا ستفعل كل ما ينبغي فعله للحفاظ على نظام الأسد. والقوات ستعود في حال وجود تحد حقيقي للنظام السوري، وهذا ما حدث مؤخرا بعد تصاعد لهجة البيت الأبيض ضد الدكتاتور السوري وضربه بصواريخ توماهوك على خلفية استخدامه للسلاح الكيميائي ضد شعبه في خان شيخون بتاريخ 4/4/2017. التحالف السوري الإيراني -من جهة أخرى- لا يخرج من العقدة الطائفية بين العلويين والشيعة. النظام السوري بيد طائفة لا تشكل أكثر من 10 بالمئة من السكان تحكم منذ نصف قرن بوسائل قمعية ومخابراتية، والتحالف الطائفي هو الذي يفسر دعم إيران وسوريا لحزب الله اللبناني الشيعي الإرهابي.لا بد من طريقة ما للتفاوض تحقن الدماء العربية في المنطقة، وإذا كانت إيران تنطلق من أحقاد تاريخية فإن موسكو بكل تأكيد صديق مشترك ويمكن الوصول إلى تفاهم معها كل من إيران والأسد يمتلك الشعور الأقلياوي وعدم الطمأنينة في عالم “سني”، وفي النهاية يجمعهما أعداء مشتركون. منذ 2012 إيران متورطة بدعم النظام السوري ضد المعارضة السورية وغارقة بدماء السوريين. حتى أنها أرسلت سبعة آلاف عنصر من الحرس الثوري الإيراني إضافة إلى الآلاف من عناصر الميليشيات العراقية وحزب الله اللبناني الإرهابي. طهران وموسكو في النهاية لديهما هدف مشترك واحد هو الدفاع عن بشار الأسد. ومنذ منتصف 2015 تصاعد التعاون السياسي والعسكري بينهما إلى درجة صارت تُقلق دول الخليج. قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني ذهب إلى موسكو لمناقشة صفقات عسكرية مع الروس، تلك الرحلة كانت سببا في إقناع الروس بالتدخل المباشر في سوريا كما يرى مراقبون. الجنرال سليماني فتح خارطة عسكرية خاصة لسوريا ووضعها على الطاولة أمام القادة الروس وشرح لهم كيف أن النظام في حالة تراجع ويمكن أن يسقط، غير أنه قد أكد لهم بأن الوقت ليس متأخرا لإنقاذ النظام. عندها أقنعت موسكو القوى الغربية بأنها ذاهبة إلى سوريا لقتال داعش. والحقيقة هي أن 90 بالمئة من ضرباتها الجوية كانت منصبة على المسلحين الذين لا ينتمون إلى داعش أو القاعدة. ركزت موسكو على الحلفاء المحتملين للغرب ضد النظام السوري. وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على علم تام بكل هذه التفاصيل، وربما عنده تفاصيل أخرى أكثر تعقيدا عن حروب الطاقة نحن لا نعلمها. لكن المملكة العربية السعودية ترى أن العنف قد انتشر بسرعة في جسد سوريا وغرقت البلاد في حرب أهلية. هناك اليوم أكثر من 300 ألف قتيل سوري سقطوا خلال السنوات الست الماضية معظمهم من النساء والأطفال. وتقريبا نصف الشعب تم اقتلاعه من أرضه وتحول إلى جيش مليوني من المهاجرين واللاجئين. الأمر الذي سبب أزمة عالمية هزت أوروبا بعمق. ففي عام 2016 مثلا قبلت أوروبا 700 ألف لاجئ معظمهم من السوريين. أرقام مخيفة سببت صعود اليمين المتطرف في فرنسا وهولندا وألمانيا وغيرها. يأمل الوزير السعودي بعقد صفقة مع موسكو تضمن مصالح روسيا كاملة في المنطقة، وفي نفس الوقت تحقن دماء النساء والأطفال السوريين الذين فقدوا حياتهم وكرامتهم وحقهم في العيش. المملكة دولة عربية مركزية وتشعر بمسؤولية صعبة تجاه شعبها وتجاه العالم الإسلامي بسبب وجود العتبات المقدسة على أرضها والثقة بقيادتها، فلا يمكن للمملكة أن تدير ظهرها لصرخات الأطفال السوريين وتوسلات الخائفين في القرى والبيوت العربية. لا بد من طريقة ما للتفاوض تحقن الدماء العربية في المنطقة. وإذا كانت إيران تنطلق من أحقاد تاريخية فإن موسكو بكل تأكيد صديق مشترك ويمكن الوصول إلى تفاهم معها. كاتب عراقيأسعد البصري
مشاركة :