كابل - قندهار (أفغانستان): «الشرق الأوسط» صرح الرئيس الأفغاني حميد كرزاي أمس بأن عملية السلام الأفغانية تواجه عراقيل يضعها حلفاء الولايات المتحدة الأميركية عن عمد في المنطقة. وقال مكتب الرئيس إن كرزاي قال لوزير الخارجية الأميركية جون كيري هاتفيا أمس «كابل شهدت مؤخرا سلسلة متصلة من الهجمات وراءها وكالات استخبارات أجنبية». وكان الرئيس الأفغاني يشير إلى الهجوم الذي وقع في 20 مارس (آذار) الجاري واستهدف فندقا فاخرا وأعقبته خمسة انفجارات في أنحاء البلاد. ونقل عن كرزاي القول «الأفغان لا يصدقون أن أميركا لا تتمتع بنفوذ فعال على الدول التي تساند الإرهاب وتعارض عملية السلام الأفغانية أو أنها ليس لديها الإرادة أو النية لفعل لذلك». وتتهم كابل باكستان بأنها وراء الهجمات الأخيرة، حيث تقول إن إسلام آباد تريد عرقلة الانتخابات الرئاسية المقررة في الخامس من إبريل (نيسان) المقبل. وقد أطلع كيري كرزاي على مباحثاته مع رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، والتي تركزت على عملية السلام الأفغانية، بحسب ما جاء في بيان الرئاسة الأفغاني. وقال كرزاي لكيري إن «الشعب يسعى للحصول على توضيح في هذا الشأن من الولايات المتحدة الأميركية». وأضاف كرزاي «هذه الهجمات الإرهابية لا يمكن أن تضعف تصميم الشعب الأفغاني على بناء مستقبل مزدهر ومستقر، كما لن تصب في مصلحة العلاقات الاستراتيجية بين أفغانستان والولايات المتحدة الأميركية». من جهة أخرى أكدت السلطات الأفغانية قدرتها على تأمين انتخابات الرئاسة المقبلة، المقررة بعد أسبوع، وذلك رغم هجوم شنته اليوم حركة طالبان على مقر المفوضية الانتخابية في العاصمة كابل. وفي تصريحات لـ«بي بي سي»، قال وزير الداخلية الأفغاني عمر داود زاي إن «الحكومة قادرة على مواجهة أي مشكلات أمنية قبل الاقتراع وخلاله». وقال مسؤول أمني رفيع المستوى إن «المسلحين اتخذوا مبنى من ثلاثة طوابق نقطة انطلاق لمهاجمة مجمع لجنة الانتخابات المستقلة»، وقال إن «قذيفة صاروخية أصابت أحد المخازن في المجمع مما أشعل فيه النيران». في غضون ذلك يكثف متمردو حركة طالبان وحلفاؤهم الذين لم يتمكنوا حتى الآن من إخراج العملية الانتخابية عن مسارها، أعمال العنف التي تصل إلى حد تصفية أطفال بهدف خلق مناخ من الرعب والإرهاب وتشويه صورة العملية الانتخابية. ولا يزال أحمد غول صاحب محل لبيع الخضار الجالس تحت خيمة من قماش برتقالي قديم، يتمتع بالهدوء المخيم على حي محلة نجاة، أحد ضواحي قندهار، كبرى مدن الجنوب الأفغاني والعاصمة السابقة لنظام طالبان (1996 – 2001). فمع ساعات الصباح الأولى من يوم الانتخابات الرئاسية الأخيرة في 20 أغسطس (آب)، 2009 أطلقت مجموعة صغيرة من عناصر طالبان أربع قذائف على المدينة مثيرة الرعب في صفوف السكان. وفي ذلك اليوم «عاد الناس إلى منازلهم خوفا من الهجمات ولأنهم كانوا يعرفون أن نتائج الانتخابات محسومة سلفا وأن الرئيس كرزاي سيعاد انتخابه»، كما أوضح أحمد البالغ من العمر 30 عاما وصاحب اللحية السوداء ويرتدي اللباس الأفغاني التقليدي. وعصر ذلك اليوم، لم تتجاوز نسبة المشاركة في الدورة الوحيدة من الانتخابات خمسة في المائة في ولاية قندهار، بحسب مصادر محلية، و33 في المائة على المستوى الوطني، بحسب الأمم المتحدة. وبعد خمسة أعوام، وبفضل استنفار كبير في صفوف الجيش والشرطة وبعض التراجع في نفوذ المتمردين، فقد تم تنظيف المنطقة، ولم يعد في المدينة عناصر من طالبان، بحسب أحمد، صاحب محل الخضار. لكن لا يزال بإمكان المتمردين الضرب في أي لحظة. وكما حصل في 2009 فإن التوتر يتصاعد مع اقتراب التصويت الذي سيؤدي إلى تحديد خلف الرئيس حميد كرزاي، الوحيد الذي حكم البلاد منذ سقوط طالبان في نهاية، 2001 والذي سيجدد عضوية المجالس الإقليمية. وبعد الدعوة إلى المقاطعة في بادئ الأمر، شددت حركة طالبان من لهجتها في 11 مارس (آذار) عندما أعلنت أنها ستقوم بكل شيء بدءا من مهاجمة ناشطين وموظفين انتخابيين، لتخريب هذه العملية الانتخابية التي يعتبرونها بمثابة آخر «مؤامرة للغزاة الغربيين» بهدف الاحتفاظ بوضع يدهم على البلاد. ومنذ هذا الإعلان، توالت أعمال العنف على غرار ما حصل في الفترة التي سبقت انتخابات 2009. ففي قندهار التي كانت هادئة في الأشهر الأخيرة، أسفرت محاولتان لتنفيذ اعتداءات انتحارية عن إصابة بعض الأشخاص بجروح. لكن العاصمة كابل هي التي تعرضت خصوصا للاعتداءات الدامية وبينها هجومان ضد مقر اللجنة الانتخابية (خمسة قتلى في الإجمال). ولا يبدو أن التالي أفضل حالا. فقد أوضح مسؤول من طالبان أنه «تقررت مهاجمة المزيد من الأهداف المدنية» والمزيد «من مكاتب التصويت» في كل أنحاء البلاد. وتستهدف هذه الهجمات الجديدة أيضا بوضوح الأجانب كما حصل قبل 10 أيام في فندق سيرينا الفخم في كابل والذي يرتاده ممثلون للمجتمع الدولي (تسعة قتلى بينهم أربعة أجانب). ويتوقع حصول هجمات أخرى «ضد الفنادق والمطاعم التي يرتادها أجانب»، كما أعلن اثنان من مسؤولي طالبان لوكالة الصحافة الفرنسية في الأيام الأخيرة. وبسبب غياب البديل، بعد فشل محادثات السلام في السنوات الأخيرة، فإنه «يبدو أن طالبان تميل نحو التشدد»، بحسب ما قال توماس راتيغ المتخصص في شؤون حركة التمرد في شبكة المحللين حول أفغانستان ومقرها كابل، مضيفا أنهم «مستعدون للذهاب بعيدا في مجال الإرهاب، كما حصل في فندق سيرينا حيث استهدف المهاجمون، وقتل طفلان أفغانيان في السادسة والخامسة من العمر، بحسب الشهود». وسلسلة الهجمات الحالية تدفع مع ذلك ببعض المراقبين الدوليين إلى الكلام. فقد صرح أحدهم رافضا الكشف عن هويته بأن «طالبان يميلون إلى تبني كل الهجمات لأسباب سياسية، لكن فاعلين آخرين قد يكون لديهم أيضا مصلحة في عدم حصول الانتخابات، أو أن تجري بشكل سيئ أو أن لا يكون في إمكان المجتمع الدولي مراقبتها».
مشاركة :