شكلت روسيا في 2016 محور أخطر فضيحة منشطات في تاريخ الرياضة في أعقاب اتهامها بنظام تنشط ممنهج يطال اكثر من ألف رياضي، ما ادى لابعاد العديد من رياضييها عن الالعاب الاولمبية، وانقسام كبير بين المنظمات الرياضية الدولية. وتداخلت الرياضة مع السياسة في ملف شائك تعود جذوره الى العام 2011، وتجلت أسوأ فصوله خلال دورة الالعاب الاولمبية الشتوية التي استضافتها مدينة سوتشي الروسية العام 2014، وفق النسخة الكاملة من تقرير المحقق الكندي ريتشارد ماكلارين الذي نشر في كانون الاول (ديسمبر)، بعد تقرير أولي نشره في تموز (يوليو). وقام ماكلارين بتحقيقاته بناء لطلب "الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات" (وادا). وفي اعقاب تكشف فصول الفضيحة، دعت الوكالة وهيئات رياضية في دول كالولايات المتحدة وكندا والمانيا وانكلترا، الى حظر كامل للرياضيين الروس، فيما اعتبرت موسكو أن الاتهامات الموجهة اليها ذات طبيعة سياسية اكثر منها رياضية. ولم ترضخ اللجنة الاولمبية لطلب ابعاد كامل البعثة الروسية عن اولمبياد ريو 2016، إلا أنه تم استبعاد اكثر من مئة رياضي، وسط اتهامات متبادلة وخلاف بين اللجنة الاولمبية و"وادا". وكان الجزء الاول من التقرير كشف وجود نظام تنشط ممنهج برعاية الدولة الروسية. اما الجزء الثاني (الكامل)، فتحدث عن "مؤامرة مؤسساتية" شملت وزارة الرياضة الروسية ووكالة مكافحة المنشطات وجهاز الامن الفيدرالي "بهدف التلاعب بفحوص مكافحة المنشطات". وتركزت القضية في اولمبيادي لندن 2012 وسوتشي 2014، وبطولة العالم لالعاب القوى 2013 في روسيا، وشملت اكثر من ألف رياضي روسي يتوزعون على 30 رياضة. بداية المخاض في قضية المنشطات كانت بعد قرار الاتحاد الدولي لالعاب القوى ايقاف نظيره الروسي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، بناء على تقرير سابق لـ "وادا". ومنع الاتحاد رياضيي موسكو من المشاركة في المسابقات الدولية، ومنها اولمبياد ريو. واتسع نطاق القضية بشكل كبير بعد التقرير الاول لماكلارين، والذي وجه اتهامات مباشرة لوزارة الرياضة وعلى رأسها الوزير السابق فيتالي موتكو (يشغل حالياً منصب نائب رئيس الوزراء)، بالاشراف على برنامج لتعاطي المنشطات في سوتشي وبطولة العالم لالعاب القوى في موسكو، وتلاعب بالعينات واستبدالها. وشملت بعض اساليب التلاعب، استخدام الملح والقهوة، وقيام عميل لجهاز الامن متنكر بملابس متخصص بالمجاري، بتبديل العينات. وارتكز ماكلارين في تحقيقاته على اتهامات المدير السابق للوكالة الروسية لمكافحة المنشطات غريغوري رودتشنكوف في ايار (مايو) من العام ذاته، حكومة بلاده برعاية نظام للمنشطات. واورد تقرير المحقق أن رودتشنكوف كان عميلاً للامن الروسي. وفي الجزء الثاني من تقريره مطلع كانون الاول (ديسمبر)، دعم ماكلارين اتهاماته السابقة بأدلة وتفاصيل، مؤكداً وجود دور مباشر لوزارة الرياضة في عمليات تنشط ممنهجة بين 2011 و2015. منذ نشر التقرير الاول، والذي سبق انطلاق دورة الالعاب الاولمبية الصيفية بأسابيع قليلة، واجهت اللجنة الاولمبية الدولية ضغطاً من "وادا" وهيئات رياضية لابعاد جميع الرياضيين الروس عن ريو. إلا أن اللجنة التي يرأسها الالماني توماس باخ، امتصت الصدمة الاولية بتأكيدها أنها تدرس "كل الخيارات القانونية" بين الاقصاء الجماعي لروسيا من الاولمبياد، و"الحق بالعدالة الفردية" لرياضييها. وفوضت اللجنة لاحقاً امر مشاركة الروس الى كل اتحاد دولي، بعدما وضعت معايير مشددة تتعلق بتاريخ كل رياضي مع المنشطات. وبنتيجة ذلك، اقتصرت البعثة الروسية على زهاء 250 رياضياً، بعد ابعاد اكثر من مئة. لكن اللجنة لم تكتف بمعاقبة الرياضيين، بل فرضت على روسيا عقوبات في اعقاب نشر الجزء الاول، شملت حرمان المسؤولين فيها من حضور أي مناسبات رياضية، ورفض رعاية أي حدث رياضي يقام في روسيا. ومددت اللجنة العقوبات في كانون الاول. وشن باخ هجوما معاكسا على "وادا"، معتبراً أن نظام مكافحة المنشطات يجب أن يتطور وأن يكون "اكثر صرامة وشفافية". وبعيد نشر تقرير ماكلارين كاملا، اعلنت الاولمبية الدولية انها ستعيد تحليل 254 عينة بول روسية اخذت خلال دورة سوتشي. كما فتحت اجراء تأديبيا بحق 28 رياضيا روسيا شاركوا في الدورة، لوجود شبهات بالتنشط. وتعاملت روسيا مع الاتهامات باعتبارها ذات طابع سياسي وجزء من هجوم غربي على موسكو، واقدمت على خطوات محدودة تبدو غير كافية في مواجهة الفضيحة الواسعة النطاق. وفي تصريحات لصحيفة "نيويورك تايمز" نشرت الثلثاء، أقر مسؤولون روس للمرة الاولى بوجود نظام تنشط في بلادهم، إلا انهم كرروا نفي مسؤولية الدولة عنه أو رعايتها له. وانتقد الرئيس فلاديمير بوتين بداية قرار استبعاد رياضيي بلاده، واعتبر رئيس وزرائه ديميتري مدفيديف ان "التحقيقات في مسألة المنشطات الروسية هي مزيج من السياسة والرياضة". إلا أن بوتين اكد مطلع كانون الاول (ديسمبر) أن البرنامج الجديد لمكافحة المنشطات في بلاده سيكون جاهزاً مطلع 2017، معرباً عن اقتناعه "بأن ما يسمى فضيحة المنشطات سيساعدنا على خلق النظام الاكثر تقدماً لمكافحة هذا الشر". إلا أن الخطوات العملية بقيت خجولة. فقد ابعد موتكو الذي توجه له اتهامات مباشرة في قضايا المنشطات، من وزارة الرياضة، إلا أنه رقي لمنصب نائب رئيس الوزراء، ولا يزال يحظى بنفوذ في بلاده، وترشح مجدداً لعضوية مجلس "الاتحاد الدولي لكرة القدم" (فيفا). كما اقرت السلطات قانوناً يجرم ارغام الرياضيين على استخدام عقاقير منشطة للاداء.
مشاركة :