التاريخ يعيد نفسه.. أما المستقبل فيأتي بملامح جديدة

  • 12/29/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

جميع الأمم تملك تاريخا أسودَ لم تتمنَ حدوثه.. غير أن هناك أمماً تعترف بوجوده، فتتعلم من أخطائه، وتتوقف عن تكراره، وأمماً أخرى ما زالت تنكر حدوثه، أو تحاول تجميله، فـتنتهي بتكرار مآسيه وأخطائه.. الأمم التي اعترفت بأخطاء الماضي، لم تكررها في الحاضر، وانطلقت نحو المستقبل دون قـيود وخداع للذات.. ألمانيا مثلا لم تحاول تجميل تاريخ هتلر، أو تبرير فظائع النازية، بل اعترفت بأنها وصمة عار في تاريخ الأمة الجرمانية.. وبهذا الاعتراف كسبت (ليس فقط احترام العالم) بل وسلامة عقول أطفالها، الذين تعلموا خطورة تكرار التجربة.. ونفس الحال ينطبق على اليابان، التي توسعت عسكريا لدرجة احتلت جنوب الصين، وشمال أستراليا، ودفنت سكان يانكين أحياء، ولم تكن تنوى التوقف لولا العملاق الأمريكي، الذي أنهى توسعها العسكري بقنبلتي هيروشيما ونجازاكي.. في يونيو2016 زرت هيروشيما، وعبرت عن استيائي من تدمير الأمريكان لهذه المدينة الجميلة.. لم يشاطرني مرافقي الياباني الرأي وقال: رغم كل الفظائع، حولتنا قنبلة هيروشيما إلى دولة متحضرة تعرف قيمة الانسان، وتدرك أهمية التقنية (ويقصد القنبلة الانشطارية التي قضت بطرفة عين على آلاف اليابانيين).. واليوم ؛ لو راجعت تاريخ الأمم (التي اعترفت ببشاعة ماضيها) تكتشف أنها تفوقت بسرعة على غـيرها.. في العقود التي تلت هزيمة ألمانيا، تضاعفت نسب النمو فيها لدرجة تساءل رئيس وزراء إنجلترا في عقد السبعينات: من الذي انهزم نحن أم الألمان؟.. أما اليابان فتفرغت للبناء والتصنيع، وتضاعف اقتصادها بنسب فاقت الاقتصاد الأمريكي بسبعة أضعاف.. حتى الصين حققت خلال سنوات ماعجزت عن تحقيقه خلال عقود، بمجرد اعترافها بفشل الأيدلوجيا الماركسية.. أما تايوان وهونج كونج وكوريا الجنوبية، فرفضت (منذ البداية) كافة الأيدولوجيات، وركزت على اقتصاد التصنيع والمعرفة. وما أن حان عقد الثمانينات حتى أصبحت تايوان (التي كانت مجرد جزيرة للصيادين)، أكبر مُصدر للرقائق الإلكترونية، وتضاعف دخل المواطن في هونج كونج ثلاثين مرة، وأصبحت كوريا الجنوبية خلال جيل واحد من الدول الصناعية العظمى (بعد أن قال عنها القائد الأميركي مكارثر: ليس لهذا البلد مستقبل حتى بعد ألـف عام).. القضية لا تتعلق بالتاريخ، بل بالاعتراف بأخطاء التاريخ، واتخاذ ما يلزم لعدم تكرارها.. الأمم التي لا تعترف بأخطائها، تظل تكررها حتى تتعلم الدرس متأخرا وبعد فوات الأوان. فالتاريخ يظل يعيد نفسه حتى تـفهم الشعوب أسباب تكراره -وحينها فقط- يـشرق مستقبلها بملامح جديدة.. تاريخ الأمم تجربة إنسانية (وليس تجربة مثالية) ومن الخداع كتابته بطريقة جميلة، أو أنيقة أو مشذبة.. ومايبدو لي أننا (العرب) سنكون آخر الأمم التي تعترف بأخطائها التاريخية.. آخر الأمم التي ستتخلص من تأثيره الأسطوري فـتولي وجهها نحو مستقبل واقعي.. أنظر لأخطاء الحاضر، ستلاحظ أنها نسخة مكررة من أخطاء الماضي، بدأت بموقعة الجمل ولم تنته بصراع الطوائف، وتدمير حلب.. ما نحتاجه هو كتابة تاريخنا بأمانة -وكما حدث فعلا- ثم دراسة الأخطاء والمآسي الواردة فيه.. يجب أن نعلمه لطلابنا (ليس كأسطورة يجب تصديقها)، بـل كتجربة إنسانية يمكن نقـدها، واستخلاص التجارب منها.. وحتى يحدث ذلك، أنصحك بإعادة قراءة التاريخ، والوقائع التي تعلمتها في المدرسة بنظرة ناقـدة، ومحايدة هذه المرة..

مشاركة :