على الرغم من أن الموضوع الذي سأناقشه اليوم هو موضوع رجالي خالص إلا أنه يهم شريحة واسعة من النساء، ويُعتبر إنكاره أو تجاهله هو أحد الأسباب البارزة التي قد تؤثر سلبياً على العلاقات الإنسانية والأسرية بين الجنسين، وقد يؤدي في حالة إهماله إلى الإضرار بالرابطة الزوجية، إلا أن القليل من الرجال فقط هم الذين يدركون طبيعة وأبعاد الحالة التي قد تنتابهم، أو يملكون ما يكفي من الجرأة والشجاعة للتحدث عنها، ومحاولة فهمها، والتعامل معها بما ينبغي، وذلك اعتقاداً من معظمهم بأن الاعتراف بمعاناتهم هو مما يجرح كبرياءهم ويقلل من هيبتهم ويهز صورتهم أمام زوجاتهم!، وهذا غير صحيح. والآن عزيزي القارئ لابد أنك تتساءل عن ماهية هذا الأمر؛ وأجيبك بالقول بأن الموضوع المقصود هو سن اليأس عند الرجال وهو ما يعرف علمياً بالـ(Male Menopause)، ومنعاً لالتباس الأمر، فإنني أود التأكيد على أن الهدف من مقالي اليوم ليس استعراض معلومة طبية قد يعرفها الكثيرون، وإنما هو رأي أستهدف منه لفت اهتمامنا؛ نحن معشر الرجال إلى ضرورة فهم وتدارك إحدى الحالات التي يمكن أن تنتابنا وتتسبب في شرخ أو برود في العلاقة الزوجية نتيجة لتراجع قدراتنا، وانخفاض حيويتنا وطاقتنا، والتأثير على حالتنا النفسية. ويكمن تعقيد مرحلة سن اليأس الرجالية في كونها تحدث لدينا بآلية تختلف عن حدوثها لدى السيدات اللاتي يشعرن بها بطريقة أكثر وضوحاً وبمؤشرات محددة من أبرزها انقطاع الطمث المؤدي لتوديع فترة الخصوبة، وبالتالي انعدام قدرتهن على الإنجاب، في حين يمكن أن تستمر هذه القدرة عند الرجل حتى سن متقدمة قد تصل إلى ما فوق الثمانين عاما! وعلى الرغم من أنني لستُ طبيباً إلا أنني حرصت على الاطلاع على مراجع طبية عديدة تمهيداً لكتابة هذا الموضوع، حيث بات من المؤكد طبياً أن الرجل يتعرض هو أيضاً لمرحلة حرجة تتراجع فيها قدراته الجسدية ورغباته الذكورية مع التقدم في العمر، وهذا التراجع ليس أمراً نادراً أو مخجلاً بقدر ما هو نتيجة طبيعية ومتوقعة عندما يصل الرجل لمرحلة عمرية تبدأ بعد سن الأربعين؛ خصوصاً إذا كان يعاني من بعض الأمراض كالسكر والضغط وأمراض القلب والشرايين، لذلك فإنني أعتقد بأن مناقشة مرحلة وتداعيات سن اليأس عند الرجال، والتوعية بالمخاطر والمحاذير المترتبة عليها هو مطلب علمي واجتماعي؛ لا يتعارض مع الدين ولا يتنافى مع الأخلاق. وقد بات في حكم المؤكد الآن أن السبب الرئيسي في دخول الرجال لمرحلة سن اليأس هو تراجع مستوى إفراز هرمون الذكورة المعروف بالتيستوسترون الذي يصل لأعلى معدلات إفرازه لدى الرجل حتى سن الخامسة والعشرين ثم يبدأ بعد ذلك بالانخفاض التدريجي، ويتواصل تراجع إفرازه طوال العمر ولكن بشكل متفاوت من رجل لآخر؛ إلا أن انخفاضه يتسم بالبطء لدى غالبية الرجال لدرجة أن الكثيرين منهم قد لا يشعرون بأية تغييرات في قدراتهم، في حين يكون معدل انخفاض الهرمون أكثر تسارعاً لدى نسبة أقل من الرجال وبشكل عميق يؤثر سلبياً على أدائهم الجسدي وعلى الرغبة الجنسية لديهم، الأمر الذي قد يساء فهمه من قبل الزوجات وقد يفتح أبواباً للشكوك والتباعد وجفاف العلاقة بين الزوجين، وقد يصل لما هو أسوأ من ذلك!. وهناك بعض المؤشرات التي يتعين على الرجال وزوجاتهم الانتباه إليها بعد سن الأربعين، وعدم التعامل معها بلا مبالاة عند ملاحظتها، ومن أبرزها التراجع العام على الحالة الصحية بدون سبب واضح، وانخفاض الشعور بالرضا الذاتي، والإحساس بآلام متفرقة في الجسد كالظهر أو الأطراف، والشعور بهبَّات مفاجئة من التعرُّق، والإحساس بسخونة غير مَرَضية، والتغيير المفاجئ في الحالة المزاجية كالعدوانية والعصبية الزائدة، أو القلق والضيق من أمور عابرة، وزيادة التوتر الداخلي واضطرابات النوم، ويصاحب ذلك انخفاض عام في الأداء، وعدم الرغبة في الترفيه، وانعدام أو نقص الرغبة في ممارسة أي نشاط غريزي. والمطلوب من الرجال عندما يلاحظون بعضا من تلك المتغيرات عدم إهمالها، بل لا بد أن يدركوا أنها قد تعني بداية دخولهم لمرحلة جديدة في حياتهم تتطلب منهم الاستعانة بالطبيب المختص الذي قد يعالجهم بجرعات محسوبة من هرمون التيستوسترون الذي هو بمثابة الصديق وقت الضيق خصوصاً أن ترك الأمر يستمر طويلا قد يؤدي لتفاقم الحالة مع ضرورة اطلاعهم على المضاعفات المحتملة. ولعل الأفضل من انتظار حدوث سن اليأس هو أن يبادر الرجال بعد سن الإربعين إلى استشارة الطبيب بشكل منتظم، لأن بمقدور الطبيب تقييم «كفاءة» الرجل وطاقته الهرمونية، وتشخيص الحالة مبكراً، واستقراء المستقبل الصحي والهرموني وذلك قبل وصف الأدوية الملائمة، ختاما، فإن معرفة السبب كفيلة بإزالة العتب، وقد تحتاج السيدات الى إرشادات لزيادة وعيهن بمؤشرات وتأثيرات هذه المرحلة من حياة الأزواج، وكيفية التعامل معها بما تستحقه من تفهُّم ومودة وتقدير.
مشاركة :