عوني فرسخ التحق بالرفيق الأعلى في عمان يوم الجمعة السادس عشر من الشهر الجاري هاني الهندي أبو محمود. ويعتبر الفقيد في طليعة قادة العمل القومي العربي، وبين أكثرهم مصداقية وإخلاصاً، والانفتاح على رجالات العمل الوطني والقومي واستعداداً للحوار معهم. وهو ينتسب لأسرة سورية عرفت بانشغال فكرها ووجدانها بالقضايا العربية، خاصة القضية الفلسطينية، كما هي حال أغلبية الشعب العربي السوري. وقد شارك في مطلع شبابه في إنشاء كتائب الفداء العربي، التي تأسست عقب نكبة 1948 كمنظمة كفاحية شبابية من ثلاث مجموعات من الشباب المنفعل بالنكبة: مجموعة بيروت بقيادة هاني الهندي وجورج حبش، والمجموعة السورية وأبرز شخصياتها جهاد ضاحي، ومجموعة مصرية بقيادة حسين توفيق وعبدالقادر عامر، وقد ضمت شباباً من سوريا وفلسطين ومصر ولبنان والعراق والأردن، كان أغلبهم طلاباً جامعيين، اختاروا طريق العنف الثوري، وقاموا بعمليات تفجير ضد المفوضيات البريطانية والأمريكية في بيروت ودمشق وبغداد، وبإلقاء قنابل على كنيس يهودي في بيروت ومدرسة يهودية في دمشق. وفي صيف 1951 انتهى هاني الهندي وجورج حبش إلى تشكيل حركة القوميين العرب، بالاتفاق مع بعض زملائهما طلاب الجامعة الأمريكية في بيروت الذين كانوا على وشك التخرج أبرزهم: وديع حداد، وصالح شبل، وأحمد الخطيب، وحامد الجبوري وجميعهم من نشطاء جمعية العروة الوثقى الجمعية الثقافية في الجامعة التي كانت تحت إشراف د. قسطنطين زريق، والذين كانوا متأثرين بأفكاره وكتابيه معنى النكبة والوعي القومي. ولقد تشكلت قيادة الحركة من: هاني الهندي، وجورج حبش، ووديع حداد، وأحمد الخطيب، كما أنها بدت تنظيماً فلسطينياً في أفق عربي. إذ كان نصف النواة المؤسسة وقواعد الحركة من أبناء الشعب العربي الفلسطيني. وفي محاولة التعريف بوجهة نظرهم في الصراع العربي - الصهيوني أصدروا نشرة الثأر التي اختصت بالقضية الفلسطينية. ولكي يكونوا على تواصل مع شعب فلسطين نشطوا من خلال هيئة مقاومة الصلح مع إسرائيل، كما أنشأوا عيادات مجانية في مخيمات اللاجئين في لبنان والأردن. وفي أعقاب مظاهرة في بيروت سنة 1954 ضد حلف بغداد شارك في قيادتها طلبة من جمعية العروة الوثقى فصلت إدارة الجامعة الأمريكية 22 طالباً، أغلبهم من عناصر حركة القوميين العرب، الذين قبلتهم الجامعات المصرية، ما أدى لصلة الحركة مع إدارة الشؤون العربية في مصر، وإلى تحول طردي في علاقة الحركة بالنظام المصري بقيادة عبدالناصر الذي لم يعد في نظرها ضابطاً مغامراً، وإنما بطلاً قومياً، وغدت مصر هي الإقليم القاعدة، ودعت لوحدة مصر وسوريا والأردن،. وخلال عهد الوحدة المصرية السورية بدت قيادة الحركة منحازة إلى جانب عبدالحميد السراج، نائب رئيس الجمهورية حينها، في نزاعه مع عبدالحكيم عامر، نائب الرئيس المتولي إدارة الإقليم السوري. ومما يذكر أن الحركة توصلت قبيل الانفصال لمعرفة أسماء عدد من الضباط السوريين بقيادة عبدالكريم النحلاوي، مدير مكتب المشير عامر في دمشق، ضالعين في تدبير انقلاب عسكري ضد الوحدة بتوجيه بعض أجهزة الاستخبارات الأجنبية. فبادر الراحل هاني الهندي بالسفر إلى القاهرة يحمل قائمة بسبعة وثلاثين ضابطاً متآمراً وسعى حتى قابل المشير عامر وقدم له القائمة بأسماء المتآمرين وعلى رأسهم النحلاوي فكان تعليق عبدالحكيم عامر هو النحلاوي عايز إيه ولم يأخذ قائمة المتآمرين على محمل الجد، ويبدو أنه وأركان النظام نظروا للأمر من زاوية انحياز حركة القوميين العرب لعبدالحميد السراج في نزاعه مع عبدالحكيم عامر على النفوذ. ووقعت جريمة الانفصال في 28 سبتمبر/أيلول 1961. ومنذ اتضح دور هاني الهندي القيادي في الصراع العربي الصهيوني غدا مستهدفاً من الموساد وعملائه في الوطن العربي وخارجه. وبينما كان في قبرص تلقى بالبريد طرداً ملغوماً انفجر عندما فتحه، متسبباً ببتر إحدى ذراعيه. ولم يقتصر إنجاز أبو محمود على دوره في إنشاء كتائب الفداء العربي وحركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وما تفرع عن الحركة من نوادٍ ومنتديات في العديد من الدول العربية. وما خرج من الجبهة الشعبية من فصائل المقاومة الفلسطينية. فضلاً عن إسهامه التاريخي في مقاومة الأحلاف، ودعوات الصلح مع إسرائيل والتطبيع معها. وإذا كان الفارس العربي قد ترجَّل، غير أن أثره وتأثيره في الصراع العربي الصهيوني متواصل من خلال المؤمنين بخطه. admin@afcocpa.ae
مشاركة :