◄ كان السيد عبد الله بن حمد البوسعيدي عصاميَّ الثقافة بَنَى شخصيته الفكرية واقتطعها من صخرة المعرفة وحمل وطنه عُمان في مَزاود سفره ناصر أبوعون حقَّا إنَّ البشر الذين يصنعون التاريخ يحملون أقدارهم فوق أكتافهم، وفي ميامينهم قلوب أوطانهم النابضة بالحياة والحب ترفرف في سمائها رايات السلام.. هكذا كان السيد عبدالله بن حمد قبل رحيله. لقد كان السيد عبد الله بن حمد البوسعيدي عصاميَّ الثقافة، بَنَى شخصيته الفكرية واقتطعها من صخرة المعرفة، وحمل وطنه عُمان في مَزاود سفره، وقدَّمه مثل جواز سفره عنوانا له أينما حلَّ وارتحل، وكثير من العرب والأجانب الذين اقتربوا منه وعاصروه عرفوا وخبروا عُمان الوطن والتاريخ من خلاله؛ فقد كان سمته ولسانه وفكره صورة حيَّة وناصعة البياض لحضارة وطنه عُمان التي تمشي على الأرض ترفع رايات السلام والصداقة والحوار مع الآخر. عاش السيد عبدالله بن حمد خادمًا للعلم والثقافة، وقد كانت آخر مبادراته تأسيس جمعية الصداقة العمانية السويسرية وكان الرئيس الفخري لها، ومن قبلها جامعة الشرقية التي اعتنت على وجه الخصوص بتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها، وما زالت الصالونات الثقافية والمجالس الأدبية في القاهرة تعيش ذكريات "صالون الخليل بن أحمد الفراهيدي" عندما كان يشغل منصب المندوب الدائم لسلطنة عمان في جامعة الدول العربية وسفيرها المعتمد لدى جمهورية مصر العربية منذ العام 1996م، وقد كان هذا الصالون جسرًا ثقافيًّا بين الثقافتين العمانية والمصرية، استضاف الكثير من القامات الفكرية العربية، نخصُّ بالذكر منهم: أنيس منصور، وسكينة فؤاد، وعائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ)، والشيخ أمين الخولي، ومحمد الحيوان، وعبدالله عبدالباري، والعديد من رواد القصة والرواية ورؤساء تحرير الصحف المصرية الشهيرة: الأهرام، والأخبار، والجمهورية. لقد كان فقيد الثقافة العُمانية والعربية السيد عبدالله بن حمد عَشَّاقًا للكُتب وجَامِعًا للمخطوطات العربية، حصَّلها من أسفاره وعلاقاته الشخصية المباشرة، وأواصر صلاته بالمشتغلين بصناعة الكتب ومُحقِّقي التراث العربيّ حول العالم، ومن عيون المخطوطات التي تتربّع على أرفف مكتبته بردة الإمام البوصيري بحجم كبير يماثل صيحات الصحف الورقية اليومية في مقاساتها، ومُذَهَّبَة ومنسوخة بالخط الكوفيّ، فضلا عن العديد من الصورة المنسوخة من الأصول، والتي لم تمتد إليها أيادي المحققين. وقد كان له العديد من التآليف والتصانيف التي كان جوهرُها ومحتواها يعبر عن اهتمامه بالتأريخ للحضارة العمانية وتوثيق منجزاتها، وقد طالعنا "جوهرة الزمان في ذكر سمد الشأن" الذي يُعد موسوعة جغرافية وتاريخية وتصنيفا للعادات والتقاليد العمانية، ومن خلال سفره "الموجز المفيد: نُبذ من تاريخ البوسعيد" يسرد النشأة الحضارية للآباء المؤسسين للدولة العمانية ودورهم النهضويِّ، وكذلك لا يُنسى فضله في التوثيق الموسوعي من خلال مؤلفه العمدة في هذا الزمان والمعنون بـ"قلائد الجمان من أسماء شعراء عمان"، وكذلك "إرشاد السائل من أجوبة المسائل"، و"الجواهر السنية في المسائل النظمية". إنَّ شخصية الإنسان هي جِماع بيئته الأولى التي شكّلت وعيه الأوليِّ، فقد كان أحد المتخرجين في المدرسة السعيدية مَفْخرة التعليم العُماني ومصنع الرجال الذين قادوا النهضة العُمانية منذ ميلادها في سبعينيات القرن الماضي، ثم تأثّر في توجُّهاته بشخصية والده القاضي السيد حمد بن سيف بن محمد البوسعيدي، الذي جمع بين منصبي الولاية والقضاء في ولاية دماء والطائيين (1949م)، وارتحل طوال حياته قاضيًا في ولايات محافظة الشرقية، وتنقّل بين صور، وجعلان، ووادي بني خالد، وصولا إلى قريات في مسقط، ثم في محافظات الباطنة ما بين المصنعة والسويق، ومع إطلالة عصر النهضة تولى القضاء بوزارة شؤون الأراضي، فالمحكمة الشرعية بمسقط، وقبل وفاته شغل وظيفة المستشار القضائي لوزير العدل. وفي الأخير.. كلنا نرحل ويبقى الأثر، والسيد عبدالله بن حمد ترك خلفه إرثًا معرفيًّا وصرحًا علميًّا، ومجموعةً من المؤلفات التي لا غنى عنها للأجيال القادمة ستمُد له في أثره، وتُخلّد ذكراه مهما تقادَمت السنون، وتواترت العصور، وهي عند الله خير وأبقى.
مشاركة :