روسيا تتجاوز المرحلة الأصعب في تاريخها و«أبرز انتصاراتها» انتخابات الرئاسة الأميركية

  • 12/30/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

روسيا غدت «أقوى من كل محاولة للعدوان عليها»، هكذا لخص الرئيس فلاديمير بوتين مجريات العام 2016، متحدثاً عن «إنجازات كبرى» وعن «صعوبات» نجحت روسيا في تجاوزها، في مرحلة وصفها كثيرون بأنها تكاد تكون الأصعب في تاريخها المعاصر. وبالفعل فإن المشهد السياسي حول روسيا في العام 2016 بدا «تاريخياً»، وكان من الصعب تخيل أن تتضافر ظروف مختلفة لتعزيز مواقع بلد يواجه أزمات خطرة، وعقوبات وحصاراً اقتصادياً وعزلة سياسية شبه كاملة. يحصي خبراء في روسيا حالياً، عدد «الانتصارات» التي تحققت منذ قرار الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، ثم فشل أوروبا في تبني موقف موحد حيال تشديد العقوبات. وأتت نتائج انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة لتتوج هذه الانتصارات، مع ما تبعها من صعود قوي لمعسكر اليمين في أوروبا، إضافة إلى الدخول القوي لروسيا في الملفات الإقليمية، من سورية التي باتت الكلمة العليا فيها للكرملين، إلى ليبيا التي هيأت موسكو الظروف للعب دور رئيسي فيها، إلى الفضاء السوفياتي السابق الذي بات نموذج أوكرانيا شبحاً يهدد كل طرف فيه يفكر بإعلان العصيان أمام سياسة التمدد الروسي. ومنذ أن بدأت المواجهة الكبرى بين روسيا والغرب، راهن صانعو القرار في الكرملين، على أن سياسة النفس الطويل والقدرة على التكيف مع الضغوط وامتصاص الضربات سيكون لهما نتائج باهرة، خصوصاً أن «المعسكر» الآخر، يعاني مشاكل لا تحصى، وخلافات تعيق تحركاته وردود فعله. وفي بداية العام فاخر رئيس أحد مراكز البحث المقربة من الكرملين في حديث صحافي بأن الكرملين «ليس متعجلاً» و «يمكننا الانتظار وتحمل العقوبات والضغوط، وسوف يبدأ التفكك والانهيار عندهم قبلنا». على مدار العام، لعب الكرملين على خطين متوازيين، لتعزيز مقومات صموده في مرحلة تعد الأسوأ اقتصادياً ومعيشياً بالنسبة إلى المواطن الروسي داخلياً، فهو من جانب عمد إلى مواجهة التدهور الاقتصادي بسياسة تجميد وركود لا تبدو نتائجها إيجابية على المدى البعيد لكنها منحته القدرة على ضمان استقرار نسبي داخلي عزّز مواقعه في السياسة الخارجية، وهذا بدا واضحاً خلال استحقاق الانتخابات النيابية في خريف العام، عندما سيطر شعار الاستقرار مع شد الأحزمة، في مقابل التلويح بخطر «التغيير غير القابل للتنبؤ» وكانت النتيجة متوقعة جداً، إذ عزز الرئيس فلاديمير بوتين وحزبه الحاكم «روسيا الموحدة» مواقعه بقوة داخلياً، وانعكست هذه النتيجة في الاستطلاعات التي كادت أن تجمع أن الروس يلتفون بقوة حول شعار «روسيا القوية» ويفضلونه على «أهداف تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص التي تمر في نفق الفوضى». لا يمكن تجاهل أن «البروباغاندا» الإعلامية القوية لعبت دوراً رئيساً في ترسيخ هذه المعادلة، وروسيا عاشت خلال العام 2016 «حرباً إعلامية غير مسبوقة» لعبت دوراً مهماً في حشد الروس خلف السياسات الخارجية للكرملين. على المسار الثاني عزّز الكرملين تمدده خارجياً، وتفوقت نظرية «تسخين الملفات» على الرأي الذي طرحه الفريق الليبرالي في السلطة الذي كان يفضل الوصول إلى صفقات سريعة تخفف وطأة الضغوط على روسيا. وبالإضافة إلى تعزيز الدخول العسكري المباشر في سورية، فإن هذه السياسة أنتجت «حرباً باردة» غير مسبوقة مع الولايات المتحدة، سعت موسكو من خلالها إلى تعزيز فرص الرئيس المنتخب دونالد ترامب بكل الوسائل، ومهما كان تقويم الاتهامات الأميركية لموسكو بالتدخل في مسار الانتخابات، فإن الأكيد أن موسكو لعبت دوراً مؤثراً في سير الحملات الساخنة داخل الولايات المتحدة، وكان لها حضور قوي فيها، وأقر بوتين في نهاية العام بأن «الجميع كان يتوقع هزيمة ترامب لكننا كنا نتوقع هذا الفوز». والأمر الرئيسي في التدخل الروسي، ليس فوز دونالد ترامب بحد ذاته، لأن الهدف الذي وضعه الكرملين هو إما الهزيمة الساحقة بهيلاري كلينتون ومعسكر الديموقراطيين الذين تحملهم موسكو مسؤولية تدهور العلاقات إلى اسوأ مستوياتها منذ الحرب الباردة، أو على الأقل إدخال الرئيس الأميركي الجديد مهما كانت هويته في مواجهة مع حال انقسام داخلي غير مسبوقة، ما يعني إضعافه على مواجهة الاستحقاقات الخارجية. بهذا المعنى فإن إستراتيجية بوتين «حققت انتصاراً باهراً» كما يقول خبراء مقربون من الكرملين.   أوكرانيا لكن فوز ترامب لم يشكل الخاتمة السعيدة لـ «انتصارات» الكرملين، وبعدها مباشرة، أتى انتصار مرشح الكرملين في انتخابات الرئاسة في مولدافيا، وهو أمر يحظى بأهمية خاصة لسياسة روسيا في الفضاء السوفياتي السابق، لأن مولدافيا كانت سائرة على خطى أوكرانيا للتقارب مع الغرب، وهي مثل الجار الأوكراني لديها مشكلة انفصالية في إقليم بريدنوستروفيه المدعوم من جانب موسكو. وفي اليوم ذاته جاء انتصار رئيس مقرب من الكرملين في بلغاريا ليفرض على أوروبا إجراء مراجعة جديدة لسياستها تجاه روسيا، خصوصاً أن الأخيرة كانت متهمة بإثارة قلاقل في البلاد أسفرت عن تعزيز فرص «صديق الكرملين». وتبدو أوكرانيا المرهقة بسبب الانفصال والحرب والتدخلات الروسية مقبلة على هزات جديدة بعد تفاقم الخلافات داخل النخب الحاكمة، واللافت أن الملف الأوكراني شهد تراجعاً في درجة الاهتمام الدولي به، على خلفية التطورات الساخنة في العالم ما شكل إنجازاً جدياً لبوتين الذي لم يجد مهماً أن يشير إلى الأزمة مع أوكرانيا ولو بكلمة واحدة في رسالته السنوية أمام الهيئة الاشتراعية التي حددت ملامح السياسية الروسية للعام المقبل. هذا الاستعصاء الدولي الذي ساهم الكرملين في تصعيده، منحه فرصة تاريخية لتركيز أكبر حشد عسكري في تاريخ روسيا خارج الحدود، وتكريس تواجد عسكري روسي دائم في المتوسط، وفي الشرق الأوسط. إذ لا يخفي الروس أن الحشود العسكرية في المتوسط هدفها أبعد بكثير من إطار الأزمة السورية التي «مهما ستكون سيناريوات الحل فيها ستنعكس على الدور الروسي الذي غدا رئيسياً في رسم ملامح نظام إقليمي وعالمي جديد». بهذا المعنى نفسه، اقتحمت روسيا الملف الليبي عبر بدء ترسيخ علاقات واسعة مع أطرافه، ومع ميلها الطبيعي لفريق البرلمان المنتخب والجيش الذي يقوده المشير خليفة حفتر لكنها أبقت الأبواب مفتوحة للحوار مع كل الأطراف، وتستعد روسيا كما يؤكد خبراء للانخراط في شكل أوسع في هذا الملف وتحويل ليبيا إلى قاعدة جديدة لنفوذها السياسي والعسكري في المتوسط. ينسحب الأمر ذاته على اليمن، وإن بدرجة مازالت أكثر تواضعاً، وتحوّلت وفود الحوثيين وأنصار الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح ضيوفاً دائمين في العاصمة الروسية. وفي أوروبا، لم يكن فوز ترامب العنصر الوحيد الذي فتح شهية غير مسبوقة لدى الأحزاب القومية الأوروبية التي دعمتها موسكو بقوة خلال السنوات الأخيرة، لإطلاق نشاط سياسي يهدف إلى إقامة «عالم جديد». وليست مهمة هنا المفارقة الكبرى القائمة كما يقول أحد المعلقين الروس على أن «هذه الأحزاب التي فرحت بانتصار الشعب الأميركي على النخب السياسية التقليدية تقيم تحالفاً قوياً مع نخب سياسية في روسيا لا تقيم وزناً لتطلعات الشعوب». الأكثر أهمية بالنسبة إلى روسيا أن أوروبا نفسها تبدو عاجزة عن ضبط إيقاع التدهور السياسي الداخلي واتخاذ سياسات موحدة إزاء التحديات الجديدة. وكانت موسكو لعبت بهدوء على تعزيز تطلعات الأحزاب القومية اليمينية، وتحولت موسكو وسان بطرسبورغ خلال العام 2016 إلى منبرين مهمين لتلك الأحزاب، إذ لم يمر شهر تقريباً من دون تنظيم مؤتمر أو ندوة أو لقاء لدعم تحركات تلك الأحزاب في بلدانها. وكما غدت روسيا في 2016 «قائداً» للحركة القومية في أوروبا، فهي استعارت شعارات الدفاع عن المسيحيين في الشرق وعن الأقليات ووظفتها بقوة في سياساتها. لكن في مقابل الانتصارات المتتالية تكبّدت روسيا خسائر على مستوى تعميق الأزمة مع أوروبا ومع حلف الأطلسي، ويبدو أن مجريات هذا العام برأي خبراء عسكريين ستكون نقطة تحول في سباق تسلح جديد بعدما دخل السباق على نشر الحشود العسكرية وتعزيز القوات على الحدود بين الطرفين مرحلة جدية. ومع أن روسيا تلوّح بقدرة «ذراعها» الصاروخية الطويلة على مواجهة أي تهديدات، لكن الوضع الاقتصادي المتردي يضعها أمام خيارات مستقبيلة صعبة، ويكفي أن موازنة العام 2017 شهدت تقليصاً ملموساً للموازنة العسكرية في إطار تقليص عام على النفقات، مع أن الموازنة العسكرية بقيت الأوسع بين كل القطاعات الروسية الأخرى. في هذا الإطار يرى مقربون من الكرملين أن الخيار الأفضل لروسيا هو اللعب على التناقضات داخل الحلف الأطلسي نفسه، في مسعى إلى تخفيف وطأة المنافسة وسباق التسلح المحتمل. ولا يخفي بعضهم أن اللحظة مناسبة جداً لتعميق المأزق الأميركي - الأوروبي، وتوسيع هوة الخلافات، ومحاولة الإفادة منها، وحضّ الإدارة الأميركية الجديدة على لعب دور مختلف في مسألة توسع «الأطلسي» بالقرب من حدودها. وتقوم حسابات الأوساط العسكرية الأمنية على أن المرحلة المقبلة قد تشهد تعميق هوة الخلافات داخل الحلف وفي شكل يدفع أوروبا إلى الاعتماد أكثر على نفسها في ضمان المسائل الأمنية وتعكس انسحاباً أميركياً ولو جزئياً من هذا الملف.

مشاركة :