لا شك أن منظومة العمل الثقافي في الوطن العربي تراعي إلى حد كبير جوانب حقوق الملكية الفكرية لكنها قوانين لا تتعدّى الورق الذي تُكتَب عليه فتبقى حبيسة أدراجها. العربعبدالله مكسور [نُشرفي2016/12/30، العدد: 10499، ص(14)] كعادتي، حاولتُ منذ أيام أن أقوم بتحميل عمل أدبي منشور إلكترونياً على شبكة الإنترنت، وللمفارقة التي صادفتها أن القرصان كان قد كتَب على غلاف الكتاب المسروق “إذا أعجبَكَ الغلاف، فرجاء حاول شراء النسخة الورقية، تذكَّر أن الكُتَّاب العرب مُعتَّرون والكل يستوطي حيطهم، دعمنا لهم يضمن استمرار عطائهم”، بغض النظر عن الأخطاء اللغوية الموجودة في تعليق القرصان، فإن جملته العابرة تلك قد أثارت في داخلي الكثير من الأسئلة حول أحقيتنا في استخدام الكتب المنشورة إلكترونياً دون إذن من أصحاب الحقوق فيها. لا شك أن منظومة العمل الثقافي في الوطن العربي تراعي إلى حد كبير جوانب حقوق الملكية الفكرية لكنها قوانين لا تتعدّى الورق الذي تُكتَب عليه فتبقى حبيسة أدراجها أو يتمّ استخدامها في قرارات قضائية غالباً ما يكون القرصان فيها مجهول الاسم والمكان. نحن هنا أمام مجموعة من الأقطاب التي تتعلق بها عملية نشر الكتب، فالقصة تبدأ بناشر ينظر غالباً إلى المُنتَج الإبداعي على أنه سلعة لا بدَّ أن تنفذ عبر مراكز البيع، وكاتب أفنى شهوراً أو سنوات في تطريز الكلمات على شاشة حاسوبه الشخصي كي يصل في النهاية إلى نص أدبي يحاول الطرف الثالث الذي هو المتلقي الحصول عليه بأي وسيلة كانت. بين هذه الأطراف الثلاثة وفي ظل الثورة التكنولوجية التي نعيشها على كل الأصعدة فإن المواقع الإلكترونية الخاصة بالكتب المجانية تتسابق اليوم في تقديم الأحدث والأجود، فنرى إصدارات أدبية تنتمي إلى الشهر الماضي مثلاً موجودة على شبكة الإنترنت، هذا بالطبع يحقق انتشاراً للكتاب لكنه يُضِرُّ في سير عَجَلة المكنة الثقافية ككل. دور النشر العربية غالباً ما تُصدِّر كتبها بعبارة تتكرر في الصفحات الأولى لأي كتاب بأنه لا يجوز نسخ أو تصوير بأي آلة أو وسيلة أي صفحة من صفحات هذا الكتاب إلا بإذن أو ترخيص خطي من الناشر، سيقول الكاتب العربي إنه لا يشعر بالكثير من الغُبن إن وجد كتابه منشوراً بشكل إلكتروني مجاني فهو في غالب الأحايين لا يحصل على مردود مادي يقيه ملمات الحياة ومتطلَّباتها، بل يتعدى الأمر إلى العكس تماماً فإن الكاتب العربي أيضاً في غالب الأحايين يدفع ما يقارب الألف دولار أميركي كي يرى كتابه النور. أمام هذا المشهد يجد المراقب نفسه في حلبة صراع يحاول الناشر أو القرصان الانتصار فيها في ظل غياب حقيقي وفعلي للقوانين الرادعة التي تمنع هذا الفعل أو تحدّ منه، فالنزاع هنا ليس بين الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني، مساوئ ومحاسن كل منهما، الفكرة تتعدّى ذلك لتشمل الكاتب أيضاً الذي يرى إصداره الأدبي متداولاً بشكل كبير دون أن يكون له أيّ مردود مادي، أنحازُ للكاتب طبعاً ودائماً في هذه المعادلة. الناشر ليس ضحية بالمطلق رغم أنه يحاول أن يصدِّر ذلك للآخرين، في قناعتي يكون ضحية فقط عندما يتكلَّف بترجمة عمل أدبي من لغة عالمية إلى العربية، فهو يصرف الجهد والوقت والمال لذلك، ليتفاجأ بعدها بوجود الكتاب إلكترونياً عقب فترة زمنية قصيرة من صدوره، أذكر هنا مثالا لا حصراً رواية “ظل الريح” للإسباني كارلوس زافون التي صدرت بترجمة معاوية عبدالمجيد (2016) ومجموعة “صياد القصص” لإدواردو غاليانو بترجمة صالح علماني عام 2016. في المقابل فإن الخدمة التي يقدِّمها القرصان الثقافي خدمة جليلة لعموم القراء، فهو بجهد خاص يضع آخر ما يتم نشره بين أيدي قرَّاء أتعبَت جيوبهُم أسعار الكُتُب وأرهقَهُم انتظار شحنات التوصيل في البلدان ذات الفضاء غير العربي. عودةً إلى الجملة السحرية التي قرأتها على غلاف الكتاب الذي أردتُ تحميله من الشبكة العنكبوتية، فإن القرصان إضافة إلى جهله بقواعد العربية فإنَّهُ ضئيل المعارف بالسوق الثقافية، فهو أحال الدعم المادي جرَّاء شراء الكتاب ورقياً إلى الكاتب وفي هذا حَيفٌ كبير، لكني على طريقة الناشرين العرب سأقول وأجري على الله “لا يجوز نسخ أو تصوير بأي آلة أو وسيلة هذا المقال إلا بإذن أو ترخيص خطي!”. كاتب من سوريا عبدالله مكسور :: مقالات أخرى لـ عبدالله مكسور القرصان الثقافي, 2016/12/30 بيروت الفكر والفن تشعل أنوارها في بروكسل, 2016/12/14 يارا المصري تبني جسرا بين القاهرة وبكين, 2016/12/08 مثل إيكاروس رواية البحث عن الحقائق الغائبة, 2016/12/03 مصطفى تاج الدين الموسى: أتشظى وأظهر في شخصيات قصصي, 2016/11/27 أرشيف الكاتب
مشاركة :