ترف التأمل واعتزال الناس..

  • 12/31/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

قبل أشهر بينما كنت أقلب اليوتيوب تابعت برنامجا يستضيف نجما شهيرا ومحبوبا، تحدث عن تجربة جميلة قام بها اعتزاله فيها الناس وجلس يتأمل العالم من حوله في جزيرة نائية بعيدة، أغلق فيها هاتفه وترك أسرته ومدير أعماله، مما انعكس على سكينته الداخلية وأمده بقوة لمزيد من التألق.. كما سرد عددا من الشواهد لعظمة وأهمية التأمل منها اعتكاف الرسول صلى الله عليه وسلم في غار حراء. قبلها قرأت لروائي خليجي مشهور عن خلواته في بعض الصحاري برفقة الروائي العالمي باولو كويلو.. واليوم تذكرت تلك المقابلة وما قرأته بعد قيام فتاة مشهورة بالحديث عن تجربة الاعتزال لعامين في شمال الهند بحثا عن الله أو الذات.. أيا يكن.. شيء جميل.. ورائع.. ومسلي ولذيذ أيضا.. اعتزال في جنة من جنان الله في أرضه، مناظر خلابة تأسر اﻷلباب، لقاءات مع شخصيات عالمية أو حكماء.. لاشك أني كنت سأسعد كثيرا وكثيرا جدا لو أتيحت لي مثل هذه التأملات والسفرات واللقاءات.. ربما سأحلم بها الليلة في أحلام يقظتي علها تدخل في لاوعيي فيترجمها أحلاما وردية.. ولكن ما قيمة أن أقص على أحد تفاصيل ذلك، شارحا مكان وجودي، ومن التقيتهم، والمناظر التي شاهدتها؟! هل هذا جزء من التأمل، أم جزء من الاستعراض؟! ألا يفترض أن يترجم التأمل ﻷعمال وإنتاجات وكتابات؟ ألم تغزو الاستعراضية حياتنا كلها، وهي سمة العصر الاستهلاكي المادي الذي نعيشه؟! عروض أزياء، معارض سيارات، معارض أغذية، معارض إلكترونيات، معارض كهربائيات، نجوم فضائيات وسينمات، أبطال كمال أجسام، حسناوات يعرضن أجسادهن الجميلة المثيرة التي تسيل اللعاب.. ألم تصل هذه الاستعراضية إلى مجالات روحانية؟! ألم نبرع في تصوير أنفسنا أثناء الصلاة والدعاء، وتقديم الصدقات، ألا نشاهد نجوم الدعاة في لحظات خشوع يفعلون ذلك؟! وبالعودة للتأمل، كم إنسان يستطيع أن يترك عمله ومسؤولياته وواجباته المادية؟! بهذه الطريقة سيكون التأمل حكرا على اﻷغنياء والمشاهير.. هل قلت #إسلام_السوق؟! قرأت لمحمد عابد الجابري تأملات عميقة راودته أثناء زيارته لمتحف البحرين الوطني كتب فيها عن إدراك الزمان ماضيه ومستقبله وحاضره، وسمعت للمسيري تأملا أثناء انتظاره الدخول على عميد كلية قاده للتوصل إلى اللحظة النماذجية، أما العظيم علي عزت بيجوفيتش فيحنما عاش فائضا في الزمان وندرة في المكان -بحد وصفه- كتب هروبي إلى الحرية وغرامشي كتب دفاتر السجن في ذات الظروف، أرخميدس وجد حلا لمشكلته أثناء الاستحمام. بوب مارلي غير حياته موقف عنصري حينما كان في الولايات المتحدة اﻷمريكية، فغنى عن التمييز العنصري.. أما العظيم مالكوم إكس الحاج مالك الشباز فغيرت حياته رحلة حج في مكة المكرمة، مكة المكرمة التي بحثت فيها فتاة عن الله فلم تجده! أخيرا.. ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ تأمل وتفكر وتمعن وغص في أعماقك أثناء سيرك، وفي بيتك، وعند انتظارك.. الشمس التي تشرق في قريتك أو مدينك ذاتها التي تشرق في شمال الهند وصحاري جنوب أفريقيا وجبال سويسرا وفي قلب استراليا.. وسكون الليل تجده في غرفة نومك وفوق سطح بيتك وفي شارعك أو بر بلادك.. تريد أن ترى المجرات والكواكب.. هذا سهل: عليك أن تتأمل في عيني طفل رضيع صغير.. هناك ثمة عالم آخر.. عالم موازي خلاب .. أما الله سبحانه وتعالى فهو أقرب إليك من حبل الوريد.. فقط ما عليك إلا أن تستشعر نبض قلبك.. تجده هناك.. هل وجدته؟! الرأي د. فالح الرويلي كتاب أنحاء

مشاركة :