عُقدت هيئة الحوار الوطني اللبناني بمن حضر أمس في غياب خمسة من أعضائها، أبرزهم: «حزب الله» وبعض حلفائه نتيجة الخلاف مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان على موقفه من تدخل الحزب في سورية، فضلاً عن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي يعتبر أن لا جدوى من الحوار طالما لا يلتزم «حزب الله» بقراراته. وفيما قال أحد أقطاب الحوار لـ «الحياة» إن حضور رئيس المجلس النيابي نبيه بري وزعيم «التيار الوطني الحر» النائب ميشال عون شكل «تغطية لاستمرار الحوار» برئاسة سليمان، فضلاً عن حضور حزب «الطاشناق»، ورئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط، تمنى البيان الختامي الذي صدر عن الهيئة على كامل فرقائها حضور الجلسة المقبلة في 5 أيار (مايو) المقبل، أي قبل 20 يوماً من انتهاء ولاية سليمان، وقبل 10 أيام من دخول البرلمان في المهلة النهائية الحتمية للانعقاد من أجل انتخاب الرئيس الجديد. وأوضح القطب نفسه أن غياب الفريق الأساسي المعني ببحث البند الأساس في جدول أعمال الجلسة المتعلق بـ «الاستراتيجية الوطنية للدفاع وكيفية الإفادة من المقاومة، ومن ضمنها السلاح المنتشر»، أي «حزب الله»، حال دون التعمق في البحث في هذا البند. إلا أن ذلك لم يحل دون البحث في هذا البند وغيره في مداخلات الحاضرين، بدءاً بالرئيس سليمان الذي ذكّر بالخطوط العريضة لتصوره الذي كان قدمه عام 2012 للاستراتيجية الدفاعية، والتي تهدف إلى تحديد الإمرة في مواجهة العدوان على لبنان بالدولة والجيش، كما أعاد توزيع نص هذا التصور على الحاضرين، وذكّر سليمان في مداخلته بأهمية عقد الحوار بين الفرقاء، فأشار إلى أن الجلسات السابقة اتخذت قرارات هي بمثابة ميثاق شرف لكنها بقيت بلا تنفيذ، مشدداً على دور الحوار في تبريد الأجواء في البلد، لكن الأهم تنفيذ ما أجمعنا عليه. وتحدث سليمان عن «اهتزاز وظيفة السلاح بسبب الذهاب إلى سورية»، وتناول تنامي الأخطار الناجمة عن النزوح السوري، يوماً بعد يوم. وعلمت «الحياة» أن سليمان قدم عرضاً لرؤيته حول منهجية مقاربة الاستراتيجية الدفاعية قائلاً: «إن هناك فريقين لدى كل منهما مخاوف وهواجس، ويجب أن يجلسا معاً ليشرح كل منهما هذه المخاوف للآخر، على أن يتبع ذلك بحث في كيفية معالجتها وتصوره لذلك، وان يستفاد من اقتراحات كل منهما في وضع الاستراتيجية الدفاعية». بري وجنبلاط ومكاري وقال أحد أقطاب الحوار إن سليمان عرض في كلمته تسجيلاً صوتياً للجلسة التي أقر فيها «إعلان بعبدا» الذي ينص على سياسة النأي بالنفس حيال الأزمة السورية، وتحييد لبنان عن النزاعات والمحاور الإقليمية، مشيراً إلى أن البعض ما زال يصرّ على القول إن هيئة الحوار لم توافق عليه (آخرهم رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية في مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي). وتضمن التسجيل الصوتي لمدة دقيقتين أصوات أعضاء الهيئة وهم يوافقون على نص الإعلان بعد أن سألهم سليمان عن آرائهم إثر التعديلات التي أدخلت عليه. وأضاف القطب نفسه أن الرئيس بري أبدى ملاحظة حيال ذلك قائلاً: «لا داعي لذلك وأنا لم أقل أي مرة إن إعلان بعبدا لم نتوافق عليه، وأنا في كل مناسبة أؤكد ذلك. لكن، على ما أذكر، عندما أكدنا النأي بالنفس كنا نعني به تدخل فريق من 14 آذار في سورية، لأنه كان هناك كلام عن انخراطه في سورية». ورد سليمان مؤكداً «لست أنت المقصود دولة الرئيس، وإنما الذين يتنكرون كل يوم لإعلان بعبدا وأنت لم تتنكر له». وأردف: «لم أتراجع عن مواقفي في خصوص دور المقاومة في التصدي لعدوان إسرائيل وتحرير الأرض، لكن الأمور اختلفت والقراءة تغيّرت عندما ذهبت إلى سورية». وأشار مصدر في هيئة الحوار لـ «الحياة» إلى أن عون ركز على خطر إسرائيل على لبنان، وكذلك انعكاسات تدفق النازحين السوريين، وعدم قدرة الدولة عن استيعابهم وتأمين حاجاتهم. وعلى هذا الأساس نحدد حجم المقاومة ودورها. ويجب أن تكون مندمجة مع الشعب ويبدأ دورها عند الحاجة فيكون مكملاً لسلاح الدولة. وفيما قدم رئيس كتلة «المستقبل» النيابية الرئيس فؤاد السنيورة مداخلة ركز فيها على أن تكون المقاومة في الاستراتيجية الدفاعية بإمرة الدولة، وعلى وجوب انسحاب «حزب الله» من سورية نظراً إلى انعكاس تدخله على الوضع الداخلي، لفت نائب رئيس البرلمان فريد مكاري إلى أنه «إلى جانب هاتين النقطتين، هناك قضايا أخرى داخلية تنعكس على الأجواء السياسية في البلد وعلى «حزب الله» أن يراعي اللبنانيين ومشاعرهم، فعندما تسقط يبرود لا داعي لأن يحتفل الحزب بذلك فيزيد من شحن اللبنانيين بين بعضهم بعضاً. وفي وقت نعلن عن دعم الجيش والقوى الأمنية في مواجهة الإرهاب لا داعي لسياسة تميز بين الناطق حيث يتم توقيف مطلوبين في جهة معينة، بينما إذا كان هناك مطلوبون في جهة أخرى لا يسمح بتوقيفهم. ولا داعي لأن نؤيد إقرار سلسلة الرتب والرواتب من جهة، وأن يقوم البعض بتمرير البضائع في المرافئ من دون دفع الرسوم الجمركية بحيث تنخفض مداخيل الخزينة منها». وقدم جنبلاط مداخلة مفصلة عن مراحل الحوار السابقة وقراراته عدّد فيها ما نفذ من هذه القرارات، وما لم ينفذ مشدداً على أهمية الحوار والتزام قراراته. وتحدث النائب جان أوغاسبيان عن أخطار تفشي السلاح وانخراط «حزب الله» في القتال في سورية، وارتدادات الإرهاب على الداخل في لبنان، مؤكداً «أننا لا نبرر أي عمل إرهابي يطاول أي مكون لبناني». ولفت إلى أن السلاح غير الشرعي أين ما وجد خارج إطار الدولة يعرض البلد للأخطار، وسأل: «ألم يستخدم هذا السلاح في تهريب المخدرات والإتجار بها، وفي الاعتداءات على المواطنين وفي عمليات الخطف لأجل فدية مالية وسرقة السيارات وحوادث السطو؟ إن كل هذا أساء إلى صورة لبنان في الداخل والخارج». ورأى أن رئيس الجمهورية قارب القضايا الأساسية من خلال تصوره للاستراتيجية الدفاعية «ونحن الآن في حاجة إلى تفصيلها بما فيها البند المتعلق بالمقاومة، لا سيما أنه انطلق في مقاربته من نقطة وسطية بين وجهتي نظر 14 آذار و8 آذار، وقال إن «حزب الله» يرى في هذا التصور بعض ما يريده للحفاظ على كيان المقاومة، ولدينا تصور آخر وهذا ما يدعو إلى الحوار لتطوير الاستراتيجية في إطارها المؤسساتي». وأوضح مصدر آخر في هيئة الحوار أن الرئيس بري رد على بعض المداخلات قائلاً: «إن عند حصول أي حدث، فإن الفريقين يبتهجان له ويقيمان الاحتفالات وليس فريقاً واحد. ورأى أن هناك ظلماً لبعض الفرقاء حين نتحدث عن منع المداخيل عن الخزينة». وكانت هيئة الحوار التأمت برئاسة سليمان وحضر إلى القصر تباعاً: النائب آغوب بقرادونيان، ميقاتي، الوزير السابق محمد الصفدي، أوغاسبيان ، فايز الحاج شاهين، الرئيس أمين الجميل، مكاري، بري، الرئيس تمام سلام، النائب ميشال المر، جنبلاط، السنيورة وعون. وسبقت الجلسة خلوة بين سليمان وميقاتي وبين سليمان وسلام. وتغيب الرئيس سعد الحريري (لوجوده خارج البلاد) فيما أعلن عن عدم حضورهم مسبقاً النواب محمد رعد، سليمان فرنجية، طلال ارسلان وأسعد حردان الذين اعتبروا أن بحث الاستراتيجية الدفاعية يتم بعد انتخاب رئيس جديد. البيان وأوضح البيان الصادر عن الجلسة أن سليمان استعرض التطورات التي حصلت منذ 20 أيلول 2012 والصعوبات التي أدت إلى تعليق أعمال الهيئة منذ ذلك التاريخ. وأشار إلى «المخاطر والتحديات المتزايدة والناتجة من تفاقم مشكلة اللاجئين السوريين وارتفاع وتيرة الأعمال الإرهابية وحدة التوتر المذهبي، وعدم الالتزام بما تم التوافق عليه في مقررات هيئة الحوار، ولا سيما إعلان بعبدا، وعرض أبرز نقاط تصوره للاستراتيجية الوطنية الدفاعية». ونوه بـ «إنشاء مجموعة الدعم الدولية للبنان وما صدر عنها من خلاصات لدعم الاستقرار فيه وركائز الاقتصاد الوطني وقدرات القوات المسلحة اللبنانية والجهد القائم لمواجهة معضلة النازحين، وعبر عن ارتياحه إلى تطور الأوضاع في مصر وتونس باتجاه غلبة تيار الاعتدال والتوافق بين جميع مكونات المجتمعات العربية على قاعدة المواطنة واحترام الحريات الأساسية». وتوافق المجتمعون على «الترحيب بتشكيل حكومة المصلحة الوطنية الجامعة وتأكيد ضرورة نجاحها في معالجة التحديات والمشاكل الأساسية التي تواجهها البلاد ولا سيما فرض الأمن وسلطة القانون والتهيئة لإنجاز الاستحقاقات الدستورية في المهل المحددة وبصورة متوافقة مع التقاليد الديموقراطية اللبنانية». واشادوا «بما صدر من خلاصات عن مجموعة الدعم الدولية للبنان ومتابعة تطبيقها، وتأكيد أن التهديدات الإسرائيلية المتمادية ضد لبنان والمماطلة في تنفيذ كامل مندرجات القرار 1701 وتزايد مخاطر الإرهاب ولا سيما المخاطر الناتجة من تداعيات الأزمة السورية والسلاح المنتشر بصورة عشوائية بين أيدي المواطنين والمقيمين تستوجب التوافق على استراتيجية وطنية للدفاع حصراً عن لبنان. كما توافقوا على «مناقشة موضوع الاستراتيجية الوطنية للدفاع ولا سيما بالاستناد إلى التصور الذي قدمه رئيس الجمهورية إلى هيئة الحوار والذي اعتبرته الهيئة منطلقاً للمناقشة، وتأكيد أهمية تكريس نهج الحوار وديناميته والتلاقي بين اللبنانيين، والتمني على كامل أفرقاء هيئة الحوار حضور الجلسة المقبلة وبذل الجهود في سبيل ذلك». وأوضح الصفدي بعد الجلسة أن «الرئيس سليمان يأمل بأن يكون الجميع موجودين في جلسة الحوار المقبلة»، مؤكداً أن «مسار جلسة الحوار اليوم كان ممتازاً، وتم الحديث وفق البرنامج المحددة وبحث الإستراتيجية الدفاعية، وتطرقنا إلى ملف طرابلس». وعن مناقشة الإستراتيجية الدفاعية بغياب «حزب الله»، أشار إلى أن «وجود بري وعون أساسي على رغم أنهما لا يمثلان الحزب ووجود الحزب ضروري». حزب اللههيئة الحوار الوطني اللبناني
مشاركة :