ينظر إليها بكل سعادة، يستمع إليها بشغف وتركيز، تستمع إليه بحنان وتيقظ، تنظر إلى عينيه بلا كلل أو ملل، كل فكرة تطرأ يمكن أن يتشاركا الحديث عنها، يتشاركان كل شيء كقطعة حلوى تكفي دائماً لاثنين، يتقاسمانها معاً، لكن في نفس الوقت كل واحد منهما ينظر إليها بطريقته، ويتناولها بأسلوبه، ويتذوقها من جهته معها، وبكل تناغم، ولكنهما بالنهاية يأكلان نفس قطعة حلوى، معاً يتحول كل شيء في حياتهما لقطعة حلوى. كنت أتحدث إلى أمي ذات يوم، فقلت لها: أتعلمين يا أمي ما هي أجمل لقطة يمكن أن أراها بين اثنين؟ تساءلت: ماذا؟ قلت: عندما أرى رجلاً وامرأة تجاوزا الستين من العمر مثلاً، شاب رأسهما وتحركت ملامحهما، ذهبت القدرة والشباب ومرت أيام كثيرة بينهما، يضحكان، ينفعلان، يختلفان ومع ذلك يمسكان أيدي بعضهما البعض، بالنسبة لي هذا المشهد مشهد عظيم مهيب، أحب أن أراه كثيراً، إن أجمل ما في هذه اللقطة هو التكامل الروحي، السكينة، الرحمة، الود: "خالص الحب والرأفة والرحمة والرقة على المحبوب"، والتواصل الذي لا يتوقف بكل أشكاله حتى لو بقيت فقط النظرة المتطلعة إلى الآخر، هنا لا صحة تذكر، لا سلطة، لا مال، حتى لا أولاد، فالأولاد أبناء الحياة وستأخذهم الدنيا ذات يوم، أخذتني لحظتها تلك الكلمات إلى أغنية زياد الرحباني: بلا ولا شي، بحبك، بلا ولا شي، ولا في بهالحب مصاري ولا ممكن في ليرات، ولا ممكن في أراضي ولا في جواهر... الله!!. أكملت حديثي لأمي وقلت: أتعرفين يا أمي إن لم ألتق بمن أشعر معه بهذا الشعور وأيقن أن شيخوختي معه ستكون معه بهذا الجمال وهذا التكامل، لن أتزوج. نعم إما أن أقتسم معه الروح "الحلوى" وكل شيء بحياتنا وإما لا، سأختار من أجل هذه اللقطة العظيمة لا لشيء آخر! سكتت أمي، ضحكت ثم قالت: تطلبين شيئاً مميزاً يا ابنتي كما دائماً، منذ كنت طفلة، كانت تلفتني اختياراتك الهادئة والناضجة بآن، إن شاء الله سيكون لك ما تريدين يوماً ما، ساعتها صدقت كلام أمي وابتسمت وتخيلت لقطة جميلة جداً. دائماً عندما أرى عجوزين يميلان على بعضهما البعض بكل انسجام أقول: حتماً كان هذا العجوز شاباً بأخلاق فارس، لين القلب، يتحمل مسؤولية محبته واختياره ولجوء الأنثى لمملكته. وحتماً كانت هي تلك الأنثى الوطن بكل ما في هذه الكلمة من احتضان، كانت أنثى تشع حياة وغفراناً وحناناً وأفكاراً وعنفواناً لا يتوقف.. ما أجمل تلاقي الأرواح قبل أي شيء آخر، جميل أن تختار روحك ما تريد لا مجتمعك ولا وسطك ولا خوفك. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :