إيران في منتصف الشتاء الروسي في سوريا، وصبرها نافد، رغم أنها مطمئنة على مرحلتها الانتقالية في العراق، لكنها تدري أن أمتنا واحدة ويتداعى جسدها بالحمى عندما تشتكي بعض أجزائها. العربحامد الكيلاني [نُشرفي2016/12/31، العدد: 10500، ص(9)] العراق وسوريا، السياسة فيهما كالرصاص الطائش يتعذر معه إجراء إحصاءات دقيقة للإصابات والمعالجات عشوائية الأهداف وتعدد المصادر وعدم توفر صالات جراحية تخصصية لإنقاذ الجرحى الذين يعانون من نتائج العمليات ليعودوا إلى المعاناة الأولى وفقدان الثقة بأحفاد أبقراط وقسمه الشهير في دستوره المُنَظِم لعلاقة الطبيب بمريضه. في واقعنا لا نعرف قسماً للسياسيين في كلا النظامين الحاكمين في العراق أو سوريا، أو من يخوض معهما في أوحال الصراعات مع الإرهاب المتعدد وأخطرها إرهاب المشروع الإيراني. بعد حلب والتعجيل الروسي بجني محاصيل نتائج اختلال ميزان القوى العسكرية لصالح محورها، وبتجاوز صريح أولاً للإبادات والتهجير القسري، وثانياً للمواقف الدولية المعارضة لها، مستغلة فترة بين الشوطين في انتقال إدارة البيت الأبيض، لماذا يلجأ العالم إلى إجراء العمليات الجراحية وهو يعلم أنها غير ناجحة مسبقاً ما دامت التشخيصات ناقصة وغير كافية ولا تحظى باتفاق الآراء؟ لماذا لا يتم استئصال الداء بمصارحة حقيقية دون تكاليف إضافية في الزمن والأموال، وما يحصل من خلل عام في حياة المريض ومحيطه. هل سينجح وقف إطلاق النار في سوريا ومراقبته ثم المفاوضات التي يفترض أن تعيدنا إلى مرجعية جنيف1 والقرار الأممي 2254؟ وأصلها مرحلة انتقال سياسي تؤدي إلى تشكيل نظام ديمقراطي يكون الحاكم الحالي لسوريا خارجه، ألم تكن كل الإبادات والجرائم والتعالي على التفاوض مع المعارضة سببها استحالة القبول ولو حتى بفكرة مناقشة رحيل الحاكم أثناء تلك المرحلة؟ ما الذي استجدّ بعد حلب؟ التفرد الروسي في الوضع السوري ربما فيه إجابات، لكن هل وضعت روسيا حلب كنموذج مصغر لما يمكن أن يحدث في إدلب مثلاً أمام المعارضة، ليكون القبول أمرا مفروغا منه واقعياً بعد انغلاق أفق الحلول في ظل تفوق السلاح الجوي ومشاركة الميليشيات الإيرانية الطائفية بجنسياتها المختلفة. عندما تطرح روسيا نفسها ككفيل ضامن للنظام في تنفيذ الاتفاقيات الثلاث الموقعة بينها وبين تركيا، هل تريد إنهاء استعراضها العسكري بأقل التكاليف واختصار المدة بأعلى نتائج السياسة؟ ماذا عن المرحلة الانتقالية وإصرار الحاكم السوري على البقاء في حكمه اللذين كلفا سوريا 6 ملايين لاجئ و9 ملايين نازح في الداخل وقرابة المليون قتيل ودمار المدن؟ استحالة أن يتخلى مثل هذا الحاكم عن منصبه مقابل حل سياسي يبدو طرياً ويافعاً لا يتناسب أبداً مع وحشية نظامه وقمعه قبل الثورة أو في سلميتها أو بعد اندلاع الصراع المسلح. هل سينقاد الحاكم السوري إلى مرحلة انتقالية بإرادة روسية تجبره على التخلي عن شخصه وبقاء النظام في تراض تفرضه الظروف، أم أن الروس سيصدمون بتشبثه كحاكم مدى الحياة اعتمادا على إيران كحليف استراتيجي حتمته الحرب الطائفية للمشروع الإيراني، في الحالة هذه سيلعب الروس دورهم في التغيير المرتقب إلى النهاية، لكن ماذا إذا استمرت سياسة الخداع الروسية في إفشال أي دور إيجابي للمعارضة ومحاولة إظهارها كطرف غير مؤتمن على الهدنة أو الاتفاقيات، لتمضي روسيا وحلفاؤها في الإبادة وتكملة مسلسل الحفاظ على النظام الحاكم لعدم توفر البديل بحجة محاربة الإرهاب وحملة السلاح خارج نطاق الدولة. كل شيء محتمل ضمن واقع دولي يتجاهل التدخل الإيراني الفج قولاً وفعلاً من قبل الميليشيات وقادة الحرس الثوري وأتباعهم وتصريحات خامنئي ومعظم المسؤولين الإيرانيين، وجميعها يؤكد حجم الغطرسة والاستعدادات لاستغلال التحشيد النفسي الطائفي في المنطقة للعدوان على الدول العربية واحدة بعد أخرى. سوريا ومعضلتها، مرحلة انتقالية مشكوك فيها بأن تؤدي إلى تغيير النظام الحاكم، أي إن كل الإشكالات من الإرهاب إلى المداخلات الدولية مجرد أوضاع طارئة متفق عليها أملتها الاصطفافات إلى المعسكرين وما نتج عنها؛ لكن ما سنقف عنده طويلاً هو المرحلة الانتقالية لتغيير النظام الحاكم السياسي في العراق، وهي الأصعب لأنها توازي ما بعد المرحلة الانتقالية في سوريا وأعني بها تغول النظام الإيراني في دمشق والسيطرة على نظامها السياسي كلياً بوجود الحاكم الحالي أو أي عنصر من نظامه؛ عندها نكون وصلنا بسوريا إلى ولاية تابعة إلى نظام ملالي طهران على غرار ولاية العراق، لكن الفرق هو أن طبق الإهداء في سوريا كان روسياً، وفي العراق كان أميركياً. العراق في أتون معركة الموصل وبعدها، مرحلة انتقالية من نظام المحاصصة والمجاملة البرلمانية والحكومية التي فرضها الاحتلال الأميركي لبناء العراق الإيراني العلني وتسخيره لأداء واجبه الشرعي الطائفي ضد أمته، بعد انقضاء الحجج بالانتماء إلى الوطن وإسقاط المبررات على الآخرين؛ إذن نحن في مرحلة سلخ عروبة العراق تماماً، ومعها تصعب معرفة مأزق الأمة بكاملها؛ ما ينتظروه هو نضج الظروف في سوريا وتداعيات ما بعد معركة الموصل. هناك في الواجهة دولة عراقية بنظام ديمقراطي. هناك في الواجهة دولة سوريا بنظام ديمقراطي مرتقب. أميركا في العراق مع إيران، روسيا مع إيران في سوريا، أميركا وروسيا دولتان تحركهما مصالح واستراتيجيات كبرى، الاثنان أعضاء من بين الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، يمكن وصف تواجدهما في سوريا والعراق بالمتحرك وربما نشهد حالات فك أو ارتباط أو بيع أو مقايضة، الاحتمالات واردة، لكن الثابت هو المشروع الإيراني العقائدي الذي يتبنى مجاهرةً الحقن الطائفي وزراعة الكراهية والإبادة الممنهجة المدروسة لإفراغ المدن المطلوبة إما بالتهجير وبث الرعب وصنع الفتن، وإما بالتهميش والإقصاء بعد تجارب العنف والإذلال ثم فرض الأمر الواقع. الحل ربما يأتي في سوريا لأن به مساحة للسياسة الدولية وعدم الاستسلام لإجرام حاكم، وثورة شعب ضحى بمدنه ودم أبنائه لإزالة حاكم لا يمكن أن يتخلى عن منصبه، وأيضاً لأن سوريا يراد لها إيرانياً أن يكون صراعها طائفياً، ورغم كل ما حصل من ميليشياتها تظل سوريا من دون إحساس طائفي لأن هؤلاء جميعهم مرتزقة لنظام سياسي وجد نفسه بالتتابع يتدحرج في أحضان الولي الفقيه من خميني إلى خامنئي، ويتخلى عن أمته العربية وشعاراتها التي يرفعها النظام حتى الآن، وفي ذلك مخاطر تشبه تماماً وجود النظام في العراق وسط أمة العراق العربي القديم، وهو نظام يمارس بخبث بالغ التواصل مع العرب كوسيط، أو بصريح القول، كأفعى للملالي في مرابط خيل العروبة إن كان في الجامعة العربية أو في أي مؤتمر يشاركون فيه، وهم لا يملكون في عصبيتهم الطائفية أي مداراة لفضيحتهم في عداء أمة العرب لأن ذلك لا علاقة له بباب العلاقات السياسية أو الدبلوماسية بين الدول، إنما في باب أوامر خامنئي ونواهيه. المعادلة ستكون صراعا إيرانيا على الأرض السورية لكسب ودّ الروس، ومقدماتها في تنازلات تسبقها كلمتان “قد وربما” لمنح الروس قاعدة همدان وتفويضاً لحماية ميليشياتها ودورها في سوريا انتظارا للطبخة الروسية. إيران في منتصف الشتاء الروسي في سوريا وصبرها نافد رغم أنها مطمئنة على مرحلتها الانتقالية في العراق، لكنها تدري أن أمتنا واحدة ويتداعى جسدها بالحمى عندما يشتكي بعض أجزائها؛ الأحزان متفرقة لكنها عندما تتجمع في قلب أمتنا سنكتشف أننا بصحة جيدة، كل ما في الأمر أننا عالقون في مرحلة انتقالية عنوانها انجذاب نحو النهضة وتصدعات شعوذة تطارد آثارنا. كاتب عراقي حامد الكيلاني :: مقالات أخرى لـ حامد الكيلاني لا ضمان للعراق وسوريا إلا بكفالة العرب, 2016/12/31 سقط النقاب عن الوجوه الطائفية, 2016/12/28 2017 ورحلة الأوديسا الدمشقية, 2016/12/24 قادمون يا نينوى وحرب الشعارات, 2016/12/21 سيد الدبلوماسية الروسية من الحكيم بريماكوف إلى الحازم لافروف, 2016/12/18 أرشيف الكاتب
مشاركة :