ماذا وراء طابور الحروب في سوريا والعراق بقلم: حامد الكيلاني

  • 9/30/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

المنطقة بعد مرحلة داعش بصدد جلسات مغلقة ومفتوحة لتنظيم طابور الحروب بانتظار تغير الميول السياسية للدولة العظمى في الانتخابات الرئاسية التالية.العرب حامد الكيلاني [نُشر في 2017/09/30، العدد: 10767، ص(9)] الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان مقرراً أن يزور تركيا ويلتقي بالرئيس رجب طيب أردوغان في نهاية أكتوبر. المستجدات المتسارعة في السياسة الدولية لا تنتظر في ظرف وجدت فيه تركيا نفسها بين موجات مد وجزر، بحكم علاقتها مع حلف الناتو منذ بداية خمسينات القرن الماضي وجهدها وسعيها لتطبيق برامجها التنموية والاجتماعية والسياسية بما يتناسب ومبادئ الاتحاد الأوروبي التي اصطدمت بحاجز الانقـلاب العسكـري في العـام الماضي. أعقب ذلك الانقلاب حزمة من المواقف والإجراءات تحديدا مع ألمانيا في قضية اللاجئين إلى أوروبا، أو في أزمة اعتقال الصحافيين من حاملي الجنسية الألمانية وغيرها من القضايا كالاعتذار عن مجزرة الأرمن في الحرب العالمية الأولى ومنع أردوغان من إلقاء خطابه بين مناصريه الأتراك في ألمانيا. بمجملها كانت قضايا مؤثرة حتى في الانتخابات الألمانية وما سبقها من حملات ومناظرات كثرت فيها التساؤلات عن علاقة تركيا بألمانيا وبالاتحاد الأوروبي. زيارة بوتين تتناول توريد صواريخ S400 الروسية إلى تركيا. الصفقة في مضمونها جملة اعتراضية موجهة إلى السياسة الأميـركية ودعمها لقـوات سوريا الديمقراطية ورد عملي لمنتقدي السياسة الداخلية لتركيا. اتفاقيات أستانة لخفض التصعيد والتوتر في مناطق سوريا رافعت عنها روسيا لنفي الاتهامات وتبديد المخاوف التي ترى في الاتفاقيات مرحلة أولية لمشروع تقسيم سوريا، لكن استفتاء إقليم كردستان على الانفصال عن العراق وضع المنطقة في دوامة التشكيك بالمستقبل وأهداف الدولتين الكبريين بتقاسم النفوذ والصراع على توزيع الأدوار مع الدول الإقليمية، ونعني بهما إيران وتركيا وهما دولتان أساسيتان في مفاوضات أستانة كدول ضامنة لتنفيذ التهدئة رغم اعتراض المعارضة السورية على مفارقة الدور الإيراني المنحاز كلياً للنظام الحاكم في سوريا وكيف يتم التعامل معه كضامن محايد بين طرفي الأزمة. وزارة الدفاع الروسية استبقت زيارة الرئيس بوتين بتكذيب الأنباء عن مقتل 150 مدنياً في إدلب بقصف لسلاح الجو الروسي، مؤكدة استهداف مقاتلي جبهة النصرة بعد استمكانهم وفق معلومات إستخباراتية جوية محددة. ووصفت الوزارة المعلومات المستقاة من ذوي القبعات البيضاء وهي منظمة للدفاع المدني ضحت بالكثير من متطوعيها ومن بينهم مؤسسها أثناء تنفيذهم لواجباتهم في عمليات الإنقاذ وتوثيقها، وصفت الوزارة الأخبار بالكاذبة والملفقة وأطلقت على المنظمة صفة المحتالين. ذوو القبعات البيضاء وثقوا جريمة الإبادة الكيميائية في خان شيخون، والمنظمة سبق لها أن فازت بجائزة الأوسكار عن فيلم قصير لتضحياتها وعملها الإغاثي تحت القصف الجوي للطائرات الروسية أو طائرات النظام الحاكم الذي يستهدف المدنيين. إدلب إذن على طاولة المباحثات بين الجانبين الروسي والتركي والاحتمال الوارد بعد القصف الذي استهدف المدينة وريفها ومستشفياتها أن يمضي الحل إلى تكرار تجربة الحرب في حلب. لكن جبهة النصرة إلى أين هذه المرة؟ روسيا في نفيها للخسائر بين المدنيين في مدينة إدلب وتأكيدها القاطع أنهم قتلى من العناصر الإرهابية تعيد لنا تصريحاتها في إدانة قوات التحالف ومنهم القوات الأميركية لقصفهم الجوي لمدينة الموصل وسقوط الضحايا الأبرياء لنتبين مدى ما وصلت إليه السجالات بين الأطراف الدولية ومشاريعها وتدافعها بازدحام لفرض الأمر الواقع حتى بين دول المحور الواحد. التهجير الممنهج لسكـان الأحياء الدمشقية وريفها وعلى غرار ما جرى سابقا من إخراج المقاتلين بأسلحتهم الشخصية مع أسرهم، بات موضع ريبة بين روسيا وإيران للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة بما يطرح الأسئلة عن مصير العاصمة دمشق ونوع التوافقات بين الـدولتين، أو بـين كل منهما مع النظام الحاكم في سوريا ما استدعى توقيع اتفاقية لتوزيع المسؤوليات. وذلك لن يستمر حتما إلى نهاية الشوط، لأن إيران تسعى لموطئ قدم بين الأقدام الروسية في دمشق أو بين القواعد العسكرية الروسية في سوريا. قبل يوم واحد من الزيارة إلى تركيا أوقد الرئيس فلاديمير بوتين شعلة قال عنها إنها “حدث تاريخي” ونعتبرها نحن إضاءة على طريق العد التنازلي لدورة كأس العالم لكرة القدم في موسكو العام المقبل. ولأن الرئيس الروسي يجيد قراءة الإيقاع السريع للسياسة العالمية فهو يلاحق الأزمات الدولية الساخنة، ليكون جاهزا في الوقت المناسب لملء الفراغات أو لالتقاط ذبذبات التحولات وأمزجة القيادات الفاعلة ليتناغم معها بما يخدم رؤيته. حدث فلاديمير بوتين التاريخي هو إعلانه عن تدمير روسيا آخر مخزونها من ترسانة أسلحتها الكيميائية؛ خطوة كبيرة في اتجاه عالم أكثر توازنا وأمنا، مستغلاً وجود أعضاء من المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية للإشراف على عملية التدمير كشهود على اكتمال تنفيذ الالتزامات الروسية باتفاقية 1997 حيث تقرر الانتهاء منها عام 2012، لكنها تأجلت لأسباب تقنية وفنية معقدة وبتكاليف باهظة. بوتين استغلها لانتقاد الولايات المتحدة على عدم التزامها بتنفيذ الاتفاقية وتأجيلها إلى العام 2023 كموعد أخير لتدمير بقايا أسلحتها الكيميائية. الاتفاقية انضمت إليها 200 دولة وافقت على منع إنتاج وتخزين السلاح الكيميائي. نسبة 96 بالمئة حسب تقييم المنظمة من الأسلحة التي صرحت بها الدول تم تدميرها وبإشرافها. في روسيا تم تدمير قرابة 40 ألف طن من السلاح الكيميائي كان آخرها غاز الأعصاب القاتل من فئة غاز السارين. من يقرأ معلومات الخبر أو الحدث التاريخي يتوقف عند كلمة “آخر” وعند عبارة “الأسلحة التي صرحت بها الدول”، وكذلك التدمير تحت مفردة “الإشراف” أي من المختصين وأيضا إن آخر ما تم تدميره “غاز السارين”. فكلمة آخر تعيد إلينا نتائج التقرير الذي أصدرته لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة وأكدت فيه مسؤولية النظام السوري عن القصف بقنبلة غاز السارين في صباح يوم 4 أبريل 2017 على المدنيين في خان شيخون ومن بين 33 حالة استخدام للسلاح الكيميائي في سوريا 27 حالة نفذها النظام الحاكم. بمعنى أن الإشراف الدولي لتدمير آخر الأسلحة هو تدمير بما تصرح به الدول المعنية اعتمادا على مصداقيتها. لكن ضربة خان شيخون تلتها هجمات أخرى أقل تأثيراً، وهذا ما أكدته السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي تفيد بأن النظام السوري مازال يستخدم الأسلحة الكيميائية. التعاون بين نظام بيونغ يانغ والنظام الحاكم في سوريا توثقه الحقائق وتاريخ العلاقة في برنامج السلاح الكيميائي بين الطرفين، ومؤخراً تم ضبط شحنتين من كوريا الشمالية إلى وكالة مختصة بالأسلحة الكيميائية في سوريا. تلعب روسيا في الكثير من الأحيان دور الوسيط في إزالة الأدلة أو تحويل مسار التحقيقات أو الإجراءات العقابية أو تخفيفها لتجنيب حليفها الإدانة القانونية. لكن هذه المرة تم التشخيص بتقرير أممي ولجان موثوق بها ومعترف بها علمياً ولا علاقة لها بالسياسة. تأجيل العقاب وارد لكن دون إلغاء رغم خلطة الإرهاب ومشاريع تقاسم النفوذ ومخرجات إسقاط كيانات الدول التي لعبت دورا في الإبقاء حتى الآن على النظام الحاكم في سوريا، إلا أن الوقائع والمتغيرات اتجهت إلى حقيقـة ترميم كرسي الحكم لتوفير تكييف قانوني دولي طويل الأمد للتدخل الروسي على الأراضي السورية بالتشاور المستمر مع الولايات المتحدة ومتابعة الأدوار الثانوية المعلنة أو الخفية لنظام الملالي عن كثب. فما هي ضمانات الإشراف الدولي على مخزون السـلاح الكيميائي وتوجهات استخدامه التي يشرف عليها الحرس الثوري الإيراني؟ واضح أن المنطقة بعد مرحلة الحرب على تنظيم داعش، هي بصدد جلسات مغلقة ومفتوحة لتنظيم طابور الحروب والصراعات بانتظار تغير الميول السياسية للدولة العظمى في الانتخابات الرئاسية التالية.. هذا الانتظار سيكون على آخر أعصاب العالم. كاتب عراقيحامد الكيلاني

مشاركة :