تتميز المملكة بامتلاكها منظومة أمنية متماسكة ومتقدمة تسعى لحماية الدولة والمجتمع السعودي من أي استغلال أو اختراق بأي صورة كانت، وهذا الأمر لا جدال فيه حيث تبرهن على صحته الكثير من الوقائع والأحداث. وهذه المنظومة الأمنية ترسخت واستقرت منذ تأسيس المملكة على يد المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، وقد حملت وزارة الداخلية على عاتقها عبء حماية وتطبيق هذه المنظومة بأقصى درجات الدقة والانضباط، من خلال الضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه مجرد محاولة ترويـع مواطن أو الإساءة إليه، باعتبار أن أمن المواطن هو حجر الزاوية في تلك المنظومة والغاية التي تسعى لتحقيقها وتطبيقها حية على أرض الواقع، فعلى سبيل المثال لو تعرض أحد المواطنين للسرقة بأي طريقة كانت فإن الجهات الأمنية تهـرول في التـو واللحظة للبحث عن الجناة وضبطهم لتحقيق هدفين رئيسيين، أولهما إعادة الحق لصاحبه ــ سواء كان مواطنا أو مقيما ــ والثاني هو دعم وتوطيد وترسيخ قوة المنظومة الأمنية للدولة بطريقة متكاملة لإرسال رسالة لكل مجرم بأن أمن المملكة ومواطنيها خط أحمر لا يجوز تجاوزه أو حتى محاولة تخطيه. من المؤسف أن عالم الجريمة لا يتوقف أبدا عن تطوير نفسه، حيث يسعى المجرمون دوما لتطوير أدواتهم وابتكار طرق وحيل جديدة لابتزاز الضحايا أو تحقيق مآربهم المشبوهة، وتسعى المنظومات الأمنية في الدول المتقدمة لأن تسبق ما يمكن أن يصل إليه المجرمون والجناة في حقل تطويـر أدوات الجريمة، بحيث لا يصبحون مجرد رد فعل لتطور المجرمين وأدوات جريمتهم، بل لمفاجأتهم باستمـرار بقدرات وأدوات تتجاوز ما لديهم وتتفوق عليها. ولو نظرنا لثورة عالم الاتصالات فسنجد أنها تمثـل أحد أهم أدوات الخارجين على القانون والتي استطاع البعض منهم استغلالها ببراعة، ولعل أخطر الجرائم باتت تتم الآن عبر شركات الاتصالات من خلال اختراق أنظمتها، فاختراق بعض القراصنة لنظم الاتصالات في بعض الشركات أو سرقة قواعد بياناتها والتلاعب بها بات أمرا معروفا وشائع الحدوث هذه الأيام. خلال الأسابيع الماضية باتت تردني اتصالات من أرقام دولية تقع خارج المملكة، وكأكاديمي بإحدى الجامعات السعودية فإن رقم هاتفي متاح من خلال موقعي ووظيفتي، ولم يخالجني شك من قبل في ضرورة إخفائه أو إعطائه للمقربين مني فحسب، ولكني فوجئت مؤخرا بفاتورة باهظة الثمن تردني من شركة الاتصالات التي أتعامل معها ــ والتي أتحفظ على ذكر اسمها هنا ــ وعندما تصفحتها وجدتها تتضمن عشرات الاتصالات الدولية التي لا علاقة لي بها من قريب أو من بعيد، فقمت على الفور بتقديم شكوى تظلم للشركة للتحقق من صحتها وإيضاح المتسبب في هذه المشكلة. لكن من المرجح أن مشكلتي تتجاوز كثيرا مجرد خطأ في فاتورة اتصالات، فمن المؤكد أنني لست العميل الأول ــ ولن أكون الأخير بالطبع ــ الذي يعاني مثل هذه الحالة، فحدوث ذلك يعكس وجود ثغرة أمنية في منظومة الاتصالات بالمملكة، وهي مشكلة تستحق الكثير من الاهتمام والعناية، فالثغرة قد تفتح بابا واسعا تتسلل منه الأخطار والتهديدات وهي في مأمن من أن يلاحظها أو ينتبه إليها أحد. وكرؤية أمنية لا فرق جوهريا بين اقتحام منزل وسرقة مواطن كما ذكرت في بداية المقال وبين سرقة خط هاتفي يتحمل المواطن بسببه مبالغ نقدية طائلة، فالمبدأ واحد ولكن الاختلاف بينهما في الطريقة والمنهج. ولو نظرنا للموضوع بنظرة أشمل وأعمق فسنجد أن المملكة دولة ذات ثقل سياسي، ويستهدفها الكثيرون، وتسعى الكثير من الجماعات الإرهابية للتغلغل داخل المجتمع السعودي باستخدام تقنيات الاتصالات الحديثة، وأخوف ما نخاف منه أن يتم استغلال تلك الثغرات في منظومة الاتصالات الحديثة بالمملكة من خلال استغلال خطوط الهاتف الخاصة ببعض المواطنين لإجراء اتصالات مشبوهة تيسر تنفيذ العمليات الإرهابية أو حتى الجرائم بشكل عام فيقع ضحيتها الأبرياء، لذلك نتمنى أن تتعاون شركات الاتصالات مع هيئة الاتصالات وكافة الجهات الأمنية المعنية لتقصي مثل هذه الحوادث للكشف عن مدى ارتباط مثل هذه الثغرات بشبكات أو جهات مشبوهة خارجة عن القانون، فالتيقظ واجب والانتباه ضرورة والتراخي والاستهتار ستكون له نتائج سلبية باهظة على الجميع ولأمد طويل قد يمتد لعدة عقود قادمة.
مشاركة :