لم تكن مسألة ضياع الأطفال بالسرقة أو الخطف أو حتى الإهمال تمثل ظاهرة مجتمعية حتى الأمس القريب، بل كانت تذكر إعلاميًا أو في منتديات التلاقى الاجتماعي بكونها أمرًا نادر الحدوث. وكانت الوسيلة الأساسية في الإعلان عن المفقودين صغارًا أم كبارًا هى الملصقات على جدران أماكن التجمع كالمساجد ومحطات القطار أو الأسواق والسينمات. وعندما بات التلفاز مشاعًا في كل بيت كانت بعض البرامج الجماهيرية تخصص فقرة تعرض فيها صور المفقودين، وكيفية التواصل مع ذويهم حال العثور عليهم. بيد أن المجتمع في العقدين الأخيرين قد بدا يشهد من بين تحولاته ما يعرف بالجريمة المنظمة في مجال ضياع الأطفال بخاصة وبعض الصبية والشباب بعامة. ويبدو أن المسألة اتخذت شكلًا عالميًا حتى أن العديد من المنتديات المتخصصة ناقشت قضية "الإتجار بالبشر"، وكأن أسواق النخاسة التى كنا نسمع عنها في العهود البائدة قد عادت وفق (نيو لوك) من نوع آخر يتسم بالشراسة باستخدام المخطوفين في أعمال أدناها التسول، وأقساها مسألة تجارة الأعضاء.ونظرًا للتوسع في استخدام وسائل التواصل فقد باتت مسألة الإعلان عن المفقودين خطفًا أو ضياعًا بمثابة الحدث اليومى، الذى يبين تكراره بل والإلحاح عليه من قبل الأسر المكلومة أنه أصبح يمثل ظاهرة تستوجب وقفة مجتمعية لمواجهتها على كل الأصعدة. فقد أصبح الأمر على المستويين الرسمى العام والإنسانى الخاص يتطلب منا مواجهة تحمى المجتمع من مغبة هذه الظاهرة وتوابعها التى تهدد سلامه النفسى وأمنه الاجتماعي.إننى أتقدم لمن يهمه الأمر باقتراح في هذا الشأن بعدما أثبتت مسألة تحرير المحاضر والبلاغات ضعف جدواها على النحو المأمول، لاسيما مع الشائع عن استقبال البلاغ بعد 24 ساعة من الحادث من منطلق إمكانية عودة الغائب دونما حاجة للإجراءات الرسمية. وهو أمر أحسبه يشجع على تكرار الجرم إذ يمكن الجانى من إخفاء معالم جريمته، وضمان عدم المتابعة خلال المدة المتاحة. والاقتراح يتمثل في إنشاء مركز رئيسى يكون معلومًا للكل عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، تكون مهمته استقبال بلاغات الفقد وبيانات المفقودين. وفى المقابل يقوم هذا المركز بالإعلان عن الحالات التى تم العثور عليها أو إنقاذها من البراثن العصابية بتوجهاتها المختلفة. وفى حالة توافق البلاغ مع من عثر عليه نكون قد اختزلنا الكثير من الإجراءات العقيمة الخاصة بعمل بلاغ في قسم للشرطة أو تسليم الطفل لدار من دور الرعاية، مما قد يجعل الأمر بعيدًا عن مرمى الهدف. وكذا نكون قد وفرنا الكثير من الوقت والجهد في إنجاز الخطوات المتبعة في مثل الحالات لأجل تحقيق المراد منها. وبالطبع فإن الأمر بات جد خطير في ضوء ما نتابعه يوميًا من حالات لا يخفى فيها على إنسانيتنا جميعا ما تتعرض له الأسر المنكوبة من ناحية، والأطفال المستهدفين من ناحية أخرى. حيث لم يعد التأهيل النفسى ترفًا في مثل هذه الحالات أو غيرها. فالمُطالع لصور بعض الأطفال يستشعر بحق حجم المأساة على كل أطرافها، خاصة إذا كان الطفل مخطوفًا. كما أن إعادة التأهيل الاجتماعي بالدمج الأسرى للأطفال العائدين يمثل هدفًا لا ينبغى تجاهله. أما الأطفال الرضع فهم أولى بالإسراع في معالجة وضعهم حال العثور عليهم، بحكم تغير ملامح الطفل بحكم تسارع إيقاع نموه.إن مواجهة مثل هذه القضية مسئوليتنا جميعًا، حيث لا ينبغى أن تتسم بالبطء أو التقليدية في المعالجة. لأن تداعياتها الشخصية والعامة لا تلتئم جراحها مهما طال الزمن، بل تترك في المجتمع ندوبًا كان في غنى عنها. فالفقد هنا ليس حادثًا عابرًا بل يرتبط بروح بشرية كرمها المولى، بحيث يصبح ضياع الواحدة منها بمثابة ضياع للناس جميعًا.. ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.
مشاركة :