مشهد / مفاتيح السعادة والنجاح - ثقافة

  • 1/2/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لم أقرأ قصة في العصر الحديث شدتني ولفتت انتباهي مثل قصة تلك الفتاة العمياء والصماء والتي استطاعت أن تحقق ما لم يستطع المبصرون أن يحققوه. ولدت هذه الفتاة الأميركية في ولاية ألباما مبصرة لا تعاني من أي إعاقة حتى أصابتها الحمى الشوكية فأصابها العمى والصمم في سن سنة ونصف. أصيبت العائلة بالصدمة وحاول أبوها جاهدا أن يدخلها في عالم المبصرين وينمي من مهاراتها فأحضر لها مربية كي تعلمها القراءة والكتابة حتى بلغت سن السابعة. كان أبوها رجلا ميسور الحال ولذلك قرر أن يساعد ابنته بأي وسيلة كانت فاستشار حينها العالم الشهير ألكسندر جراهام بيل الذي أرشده لمعهد بركينز لفاقدي البصر، وهناك ابتدأت حكايتها مع رفيقة دربها ومعلمتها الفريدة من نوعها والتي رافقتها لما يزيد عن أربعة عقود استطاعت من خلالها أن تعلمها القراءة والكتابة باستعمال طريقة برايل، ثم حصلت على شهادة البكالوريوس في الآداب وتبعتها شهادة الدكتوراة لاحقا. تمكنت هذه الفتاة من تعلم النطق خلال رحلة شاقة وطويلة استطاعت فيها تمييز الأصوات عبر وضع أصابعها على حنجرة المتحدث وشفتيه وقد استغرق الأمر سنوات حتى تمكنت من النطق بكلمات صحيحة وألفاظ سليمة وبمساعدة من المعلمة القديرة سارة فولر التي كانت تعمل كرئيسة لمعهد هورس مان للصم في بوسطن. أتقنت لغات عدة إضافية مثل الفرنسية والألمانية واليونانية واللاتينية وألفت ما يقارب 14 كتابا وحاربت بكل قوة من أجل الحصول على حقوق المرأة وذوي الإعاقة فكانت هنا بداية انطلاقها للعالمية حتى وصل الأمر إلى أن قام النازيون بحرق كتبها لأنها هاجمتهم بسبب وحشيتهم المفرطة وطريقة تعاملهم مع المعاقين. هذه السيدة هي هيلين كيلر التي أذهلت العالم بأسره بسبب قدراتها الخارقة رغم إعاقتها التي لم تمنعها من الوصول إلى ذروة المجد وقمة السعادة واستطاعت أن تفتح الأبواب المغلقة حيث منحها الرئيس الأميركي ليندون جونسون وسام الرئاسة للحرية، وتم اختراع الكتب الناطقة بفضل تواصلها مع الرئيس الأميركي روزفلت. جالت هيلين العالم كله وكان لها محطة مميزة في القاهرة حيث أصرت على مقابلة الأديب العربي الشهير صاحب الصيت الذائع؛ الدكتور طه حسين خصوصا أنه كان أديبا مبدعا من فاقدي البصر. لم تنته قصة الابداع هنا، حيث لا بد أن نذكر بكل تقدير واحترام معلمتها ورفيقة دربها آن سوليفان التي لا تقل إبداعا وتميزا عن هيلين بل وتكاد تبزها عطاء وإلهاما بدونه كان من المستحيل لهيلين كيلر أن تخطو خطوة نحو قمة الشهرة والمعرفة. ولمن لا يعرف آن فإنها قد تربت يتيمة مع أخيها في ملجأ للأيتام وكانت تبيت هي وأخوها في غرفة الموتى، لم يتحمل أخوها الوضع فقضى نحبه بعد ستة أشهر أما هي فقد أوشكت على العمى في سن الرابعة عشرة، فأرسلت إلى معهد بيركنز للمكفوفين كي تتعلم القراءة بأصابعها، ولكنها استعادت بصرها لاحقا بعد أن أجريت لها عملية جراحية ولم يصبها العمى إلا بعد نصف قرن. كانت آن تعلم هيلين عن طريق رسم الحروف على يديها أو على الطين في الحديقة من خلال عملية تحتاج لصبر وقدرة لا متناهية من العطاء الإنساني الفريد الذي يقف أمامه المرء مذهولا، وقد كانت تجربة العمى المؤقت التي عانت منها آن هي المحرك الأول والدافع الأساسي في إحساسها بمعاناة هيلين وكيف أن الدنيا أمامها كانت عبارة عن لوحة سوداء بلا خطوط أو نقوش أو ألوان فاستطاعت بالسعي والمثابرة أن تحقق ما يمكن أن نسميه واحدة من عجائب الإبداع البشري وتحفيز القوة الذاتية التي جعلت من المستحيل أمرا هيناً. كانت هذه القصة مفتاحا لكل من وضعت العراقيل أمامه وبدأ يلعن الظلام ويلوم الزمان والظروف ويختلق الأعذار الواهية لتبرير فشله وانكفائه، فالأقفال التي نضعها في عقولنا هي السبب في كل ما يحدث لنا وليس ما يحيطنا، فحياتنا نتاج أفكارنا، وآمالنا التي نسعى لتحقيقها هي المحرك لإنجازاتنا وأهدافنا، فإن أردت أن تحقق ما تريد ما عليك سوى أن تعقل وتتوكل على الله، أما أن تتثاقل أقدامك للأرض خشية الفشل أو رهبة من المجهول فلن تستطيع أن تذوق طعم النجاح أبدا فالفشل جزء من النجاح ولم يكن نقيضا له مطلقا. وقد قالت هيلين في ذلك ما يلي: «عندما يغلق باب السعادة يفتح باب آخر، ولكن في كثير من الأحيان نصر على الوقوف أمام الباب المغلق دون محاولة البحث عن الأبواب الأخرى التي فتحت لنا». إن قصص النجاح من حولنا عديدة ونكاد لا نحصيها، ولنا في قصة اليوم مصدر للإلهام والإبداع وقوة الإرادة والعزيمة التي لا تلين وألا نعتمد على الحظ والصدفة اللذين قد لا يأتيان أبدا، أما أقفال الفشل فلا تعد ولا تحصى مثل محاولة إرضاء جميع الناس والركون للراحة والهدوء ومحاولة تصيد أخطاء الآخرين، فهذه هي قصة هيلين كيلر ماثلة أمامنا حيث تمكنت من تحطيم كل الحواجز والموانع واستطاعت أن تتجاوز إعاقتها فحققت ما كانت تصبو إليه ورسمت لنا طريقا واضحا لتحقيق النجاح الذي نبحث عنه جميعا ولا نجده. ولنا فيما قاله الإمام علي رضي الله عنه العبرة والدرس: دواؤك فيك وما تشعر وداؤك منك وما تبصر وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر.

مشاركة :