أعلنت الشبكة المركزية للتلفزة الصينية مؤخرا عن إطلاقها منصة إعلامية دولية جديدة مع بداية العام الجديد، بهدف إعادة رسم هوية الصين على المستوى العالمي، وذلك من خلال 6 قنوات تلفزيونية ووكالة أنباء تعمل جميعها ضمن سياسة مبادرات القوة الناعمة التي تنتهجها الصين من أجل زيادة التأثير في الخارج، بما في ذلك قنوات تلفزيونية ناطقة باللغة الإنجليزية. القوة الناعمة هذه هي التي أصبحت اليوم السلاح الذي من خلالها تقوم الدول والمنظمات بإيصال رسائلها، متجاوزة كل الموانع الجغرافية والتقنية، حتى إنها أصبحت بحق الوسيلة التي تستطيع كسب القلوب والعقول، والنافذة التي عبرها يطل العالم على حقيقة ما تود الدول والمنظمات أن ترسمه لنفسها من صور، فلم تعد حروب الرأي العام تعتمد على التقنيات التأثيرية السابقة من غزو اقتصادي وثقافي بالطرق التقليدية، بل من خلال مثل هذه الوسائل المتجاوزة لكل الحواجز. في عالمنا العربي ربما كان لنا بعض الأسبقية في مثل هذه المبادرات إلا أنها بقيت ضمن حدود عالمنا العربي، فالتأثير العربي ركز، وربما مازال، على التأثير على عالمه المترامي الأطراف، ورغم أنه كان عاملا لتواصل العربي المشرقي بالعربي المغربي إلا أن التأثير بالشكل المأمول بقي محدودا، فالخصم الذي يجب تحييد مواقفه أو تغييرها ليس العربي ذاته بقدر ما هو ذلك الذي يقطن في واشنطن وموسكو وأنقرة وطهران، والمفارقة التي تجعلنا نعيد النظر في سياستنا الإعلامية هو أن كل تلك العواصم تيقنت بأنه يجب عليها أن تخاطبنا بلغتنا ولكن بمنطقها، فأطلقت القنوات والمواقع، فتشتت انتباهنا وتعددت مواقفنا وأصبحنا أسرى لمنطقهم. المحاولات العربية في غزو العالم بالقوة الناعمة لا يمكن أن نجد لها تشكلا إلا من خلال تجارب خجولة، مثل قناة الجزيرة الإنجليزية التي تمكنت من أن تنافس على استحياء القنوات الإخبارية العملاقة، ولكن بخلاف ذلك تبقى كل المجهودات العربية في تجاوز الحدود والتأثير على الرأي العام العالمي ضعيفة إن لم تكن معدومة، وهو ما يدعونا إلى القول بأهمية النظر بشكل جاد في مسألة الإعلام الخارجي وتصدير الرأي والمواقف بلغة يفهمها الغربي والشرقي، لا بلغة العربي المعلبة للجمهور الإقليمي. القوة الناعمة هي لغة التأثير اليوم عبر الإعلام المخطط له بذكاء والدبلوماسية الشعبية وبرامج العلاقات العامة والفعاليات التخصصية المتجاوزة للرقابة والدعاية الممنهجة. نحتاج إلى برنامج وطني للتحول في مجال مخاطبة الآخر.
مشاركة :