الرسوم الجمركية والتبادلات التجارية وشبهات غسل الأموال - فضل بن سعد البوعينين

  • 1/3/2017
  • 00:00
  • 48
  • 0
  • 0
news-picture

يبدو أن آليات التحصيل والرقابة التقليدية ما زالت تحيط بإجراءات مصلحة الجمارك بالرغم من عمليات التطوير التقنية التي حدثت مؤخرًا. التوسع في خدمات الموانئ؛ وتنامي حجم الواردات يفرض على الحكومة إحداث نقلة نوعية في الخدمات الجمركية؛ تعتمد المرجعيات الدولية؛ والربط الإلكتروني؛ والخدمات التقنية في جميع عملياتها وبما يضمن سرعة الإنجاز ودقة البيانات وتعزيز النزاهة وكشف الاحتيال والتهرب من دفع الرسوم. لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال التطور اللافت في الخدمات الجمركية؛ إلا أنها لم تصل بعد إلى حد الكمال المنشود؛ خاصة في الجوانب التقنية وآليات الرقابة المالية. كشفت مصلحة الجمارك السعودية مؤخرًا «عن ارتفاع عدد قضايا التهرب من دفع الرسوم الجمركية، من قبل الشركات والمؤسسات والمستثمرين الأفراد خلال عام 2016» وهو أمر متوقع؛ غير أن التعامل معه وفق الآليات التقنية الحديثة وقاعدة المقارنة الإلكترونية يسهم في الحد من عمليات الاحتيال والتهرب من دفع الرسوم. أحسب أن عدد القضايا المكتشفة قد لا يرقى إلى ما نسبته 30 في المائة من عمليات الاحتيال الحقيقية. انخفاض الإيرادات الجمركية أحد أهم الانعكاسات السلبية الناتجة عن التهرب الضريبي؛ غير أنها أقل ضررًا حين مقارنتها بعمليات غسل الأموال المنفذة من خلال التبادلات التجارية الشكلية. وهي تعاملات تجارية مكتملة الأركان النظامية؛ تتخذ من الاعتمادات المستندية المرتبطة بالتصدير والاستيراد جسرًا لغسل الأموال وتمريرها عبر القطاعات المصرفية التي تتعامل مع المستندات، بمعزل عن البضائع المنقولة. تعد الاعتمادات المستندية من الأدوات المهمة لغاسلي الأموال الذين يجدون فيها مخرجًا موثوقًا لتبادل الأموال القذرة وغسلها بطريقة احترافية بعيدة عن الشبهات؛ خاصة إذا ما ارتبطت بالأسواق المصنفة ضمن المناطق الآمنة للتبادلات التجارية؛ والسعودية من أهمها على الإطلاق. لذا يحرص غاسلو الأموال على استهداف السوق المحلية اعتمادًا على بعض الشركات الأجنبية والسعودية المتخصصة في تمرير الأموال القذرة دون أن يكون لها نشاط تجاري يتوافق مع حركة الأموال المدفوعة والبضائع (الصورية) المستلمة. لا تقتصر مخاطر الاعتمادات المستندية الصورية على الأموال المغسولة فحسب؛ بل قد تكون سببًا في تشويه سمعة القطاع المصرفي وتعريضه لقضايا قانونية معقدة؛ وغرامات مالية مدمرة؛ هذا بخلاف الأضرار الأخرى المرتبطة بالسوق السعودية ما يستوجب العمل على تطبيق آليات الرقابة الحصيفة التي تشترك فيها جهات مختلفة لضمان تعزيز النزاهة وكفاءة آليات الرقابة المطبقة، ورفع معدلات الحذر في جميع القطاعات ذات العلاقة بالتصدير والاستيراد ومنها الجمارك السعودية والجهات الأمنية والقطاع المصرفي. الأمر عينه ينطبق على المتاجرة بالعملات وشركات (الفوركس) التي انتشرت انتشار النار في الهشيم، حتى باتت جسرًا معبدًا للتدفقات النقدية الخارجة والداخلة؛ ما يزيد من مؤشرات الخطر التي تحيط بعمليات المتجارة وتناقل الأموال. يبدو أن شركات الفوركس الأجنبية؛ وأغلبيتها تتخذ من العالم الافتراضي مقرًا لها؛ وجدت غايتها في السوق السعودية؛ والمستثمرين السعوديين المقبلين على المتاجرة في العملات دون تمعن بخلفياتها ومخاطرها المتنوعة وفي مقدمها الاحتيال وغسل الأموال. لا خلاف على جهود الجهات الأمنية ومؤسسة النقد في الجانب التوعوي والتحذيري؛ إلا أن متابعة تلك المواقع قانونيًا؛ والعمل على إغلاق مواقعها على الإنتر نت؛ وحجب كل ما له علاقة بها؛ من الأمور المهمة التي تستوجب التطبيق. جهود هيئة الاتصالات مازالت معدومة في التعامل مع تلك المواقع والرسائل النصية الاقتحامية. عدم وجود الجهة المختصة في التعامل مع مثل تلك المخالفات من أسباب ضعف مكافحتها. لذا نأمل من الحكومة أن تقوم بدورها الفاعل في تحديد جهة الاختصاص في التعامل مع تلك المشكلات وبما يمنع الاتكالية أو التداخل بين المؤسسات الحكومية؛ التي وجدت في التوعية والتحذير مخرجًا لإبراء ذمتها القانونية.

مشاركة :