أكد راعي كاتدرائية مارمرقس للأقباط الأرثوذكس القمص بيجول الأنبا بيشوي، أن حادث تفجير الكنيسة البطرسية كان يهدف إلى جر الشعب المصري نحو العنف والعنف المضاد، والدفع بمصر نحو تلك الهوة التي سقطت فيها بعض الدول، مشددا على أن هذا الحادث زاد من وحدتنا الوطنية. وقال القمص بيجول لـ«الجريدة» إن موقف صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد المؤازر لمصر في حادث «البطرسية» خفف ألم الجميع، لافتا إلى أن اختيار سموه قائدا للإنسانية، والكويت مركزا للعمل الانساني مستحق، بالنظر للدور المحوري الذي تقوم به الكويت على مستوى العمل الإغاثي والإنساني في جميع بقاع الأرض. وأضاف أن السياسة الخارجية للكويت تقوم على الوفاق ونبذ الخلاف ومعاونة الشعوب. وكشف عن أن الكنيسة القبطية في الكويت، هي أول كنيسة تبنى خارج مصر على الإطلاق، وقد سبقت في ذلك كل الدول الأوروبية والأميركية. وأشار إلى أن التسامح والتآخي والسماح بالحريات الدينية هي جينات متأصلة في قيادات الكويت وشعبها، لافتا إلى أن الكويت نموذج يحتذى به عالميا للتعايش بين الأديان، وهو ما جعلها تحتل مكانة محترمة في التقارير الدولية المعنية بحرية الاعتقاد. وأكد أن أحد الدبلوماسيين سأله ذات مرة عما إذا كنا نحتاج إلى واسطة في الكويت، فأجابه بالقول: وهل يحتاج الإخوة إلى واسطة؟ مشددا على «أننا في بيتنا وبين أهلنا، وما نطلبه نأخذ أكثر منه». وأوضح القمص بيجول الأنبا بيشوي، أن مهمة رجال الدين لا تقتصر على تأدية الشعائر الدينية فحسب، بل ان يكونوا أداة سلام حقيقي في الأرض. وإلى مزيد من التفاصيل في نص الحوار التالي: • في البداية أهنئكم بالعام الجديد، ولعله الحوار الأول لكم في عام 2017، فماذا تتمنون فيه؟ ولمن؟ - أتمنى للبشرية أن تتعافى من الأمراض التي تهدد سلامها واستقرارها، وأن يعم الخير والسلام ربوع المسكونة. أرجو في هذا العام أن تسود الحكمة في معالجة كل الصراعات والخلافات، وأن تعلو القيم الإنسانية النبيلة والوفاق في علاقات الدول والشعوب بعضها ببعض. وأتمنى أن يحمل هذا العام المزيد من الخير لمصرنا العزيزة وكويتنا الحبيبة، ونصلي دوما من أجل أن يعين الله بالحكمة والتوفيق رئيس جمهوريتنا عبدالفتاح السيسي ومعاونيه، وأن ينعم دوما الهنا الواحد على سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد وسمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد بموفور الصحة والعافية، وأن يسدد خطى سموهما، وهما يعملان دوما من أجل تنمية الوطن والإنسان في الكويت وفي كل مكان. • لا يمكن أن نجري هذا الحوار دون أن نتحدث عن الحادث المؤلم الأخير، وهو الاعتداء علي كنيسة البطرسية، فكيف ترون هذا الحادث؟ - أراه ليس فقط محاولة لشق وحدة الصف المصري، وإحداث فتنة بين المسيحيين وإخوتهم المسلمين، بل هو محاولة لجر الشعب المصري نحو العنف والعنف المضاد، والدفع بمصر نحو تلك الهوة التي سقطت فيها بعض الدول. وقد أرادوا الدفع بمصر كي تصبح مرتعا لميليشيات من كل مكان، لكن جميعنا يعلم أن مصر بشعبها وحضارتها تنبذ هذا السيناريو، كما أن أبناءها من المسلمين والمسيحيين في وعي كامل لمثل هذه الأخطار، وهم يواجهون كل ذلك بمزيد من الالتفاف والتكاتف بين بعضهم البعض وحول قيادات الدولة، وكلنا ثقة في أن "المحروسة" تمضي نحو التقدم، وستتغلب على مصاعب المرحلة. وبالطبع فقد كان ألمنا شديدا لقتل أطفال وسيدات أبرياء وهم يؤدون الصلاة، لكننا ننظر أيضا كيف أنهم أرادوا بنا شرا في حين قصد الله خيرا، حيث زاد الاقتراب إلى الله وتعاليمه المتسامحة، حتى مع الأيادي التي تمتد بالأذى، كما أن هذا الحادث زاد من وحدتنا الوطنية، أو بالأحرى، كما يقول البابا تواضروس "محبتنا الوطنية"، وهو مصطلح أكثر عمقا وتأثيرا. أما هؤلاء الشهداء الأبرار، فقد سبقونا، وسنلحق بهم بأي صورة من الصور التي يختارها لنا الله علت حكمته. الله قصد بنا خيرا، فأظهر المعادن الأصيلة والقلوب المحبة، ولعل حالة التضامن الواسعة والالتفاف الكبير المغلف بالحب والتعاضد كان من مصادر التعزية. وبالنسبة لنا هنا في الكويت، فلعل الجميع لاحظ كيف احتشدت الجموع في مجلس العزاء الذي أقمناه في كاتدرائية مار مرقس في الكويت، وكان في استقبال المعزين مع آباء الكنيسة السفير ياسر عاطف، وهو بالمناسبة وجه مشرف للدبلوماسية المصرية وذو حكمة وحضور واع. كما شاركنا مجلس العزاء أعضاء البعثة الدبلوماسية، وكان في مقدمة المعزين عدد من أعضاء مجلس الأمة الكويتي، إضافة إلى عدد من الوزراء السابقين ورجال الدين الإسلامي والمسيحي وإعلاميون وفنانون وعدد من الشخصيات العامة، ومن كل شرائح المجتمع، ومن مختلف الجنسيات والطوائف والمذاهب، ولهم منا جميعا الشكر الجزيل والامتنان الكبير. وقد سبق ذلك كله برقية العزاء من سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد لأخيه الرئيس عبدالفتاح السيسي وللشعب المصري، وقد كان لموقف سموه المؤازر أثر واضح في تخفيف الألم. • بعد أيام قليلة تحتفل الكنيسة القبطية بعيد الميلاد المجيد، ونلاحظ في كل الأعياد امتلاء الكنيسة بالمهنئين من أبناء الكويت ومن كل الجنسيات والطوائف، فيما تتراص باقات الورد التي تحمل عمق المشاركة في مشهد جميل ومتفرد، كيف تنظرون لهذا المشهد؟ - بالطبع، نعتز كثيرا بمشاركة اخوتنا الكويتيين والمصريين ومن كل الجنسيات احتفالنا بالعيد، إذ يشاركنا الكثيرون من خلال حضور جانب من القداس ليلة العيد وفي التهنئة صباح يوم العيد، كما تزدحم ردهاتها بكمّ هائل من الزهور، التي تحمل مشاعر مرسليها ومحبتهم التي تسبق عبارات التهنئة على البطاقات، وأول باقات الزهور التي تصلنا تكون دوما من سمو أمير البلاد ومن سمو ولي العهد، ومن الشيخ علي الجراح والشيخ فيصل سعود المالك. وأكبر كيكة تلك التي تصلنا من الشيخة فريحة الأحمد، وجميعها تحمل اهتماما كبيرا وحبا زائدا يدل على قلوبهم الكبيرة وفكرهم المتسع ومحبتهم للجميع. وفي كل هذا ترتسم صورة مشرقة للتعايش بين الأديان في الكويت، لذلك ليس بمستغرب أن يحتل هذا البلد الجميل مكانة محترمة في التقارير الدولية المعنية بحرية الاعتقاد. وهذا المشهد الذي تفضلت بوصفه ننظر إليه كمشهد من مشاهد التآخي، وصورة من صور التعايش الإنساني ونبذ لأفكار التطرف. وهذا المشهد أنتجته البيئة الكويتية المتسامحة والمسالمة، وهو نتاج رعاية قادتها، وعلى رأسها أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، لقيم الحريات الدينية، وهي رعاية متأصلة من قيادات الكويت على مختلف العصور والأزمان. لذلك، فإن مشهد المهنئين الذي أشرت إليه ليس بمستغرب على هذا البلد، الذي اختير أميره سمو الشيخ صباح الأحمد أميرا للإنسانية من قبل المجتمع الدولي، ممثلا بالمنظمة العامة للأمم المتحدة، والتي اختارت أيضا الكويت مركزا للعمل الإنساني، وهما لقبان مستحقان بالنظر للدور المحوري الذي تقوم به الكويت على مستوى العمل الإغاثي والإنساني، ونجاح سياساتها الخارجية التي تقوم على الوفاق ونبذ الخلاف والتعصب ومعاونة الشعوب، واتخاذها من الشراكة الدولية سبيلا ناجعا لمساعدة الإنسان، بغض النظر عن دينه أو عرقه أو نشأته، وهو ما وضع الكويت في مصاف الدول المؤثرة عالميا. وإذا نظرنا إلى المبادرات الأخيرة التي أطلقها سمو الشيخ صباح الأحمد، لأدركنا أهمية هذا الدور وتأثيره، فسموه يكرس جهوده لتحقيق السعادة البشرية ورقيها وتعايشها بسلام، وهناك الكثير من المبادرات التي حملت هموم البشر، وعملت على توفير الاستقرار الاجتماعي، ومنها مبادرة سموه لإنشاء صندوق الحياة الكريمة لدعم مبادرات توفير السلع الغذائية الأساسية للمحتاجين بشكل سريع، ومبادرة صندوق دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في العالم العربي، ودعوته للتقارب العربي - الإفريقي، من خلال قمة من قمم الكويت التوافقية، وغيرها من المبادرات الإنسانية الرائعة. رسالة عبدالله السالم للبابا كيرلس دلل القمص بيجول على سماحة القيادة والشعب الكويتي بالقول: «أدعوك لتأمل هذه العبارة: "انه لمن دواعي سرورنا الأكيد ورضانا التام أن نرى أبناء الكنيسة الأرثوذوكسية الذين يقيمون في الكويت سعداء بإقامتهم هنا، وبقيامهم بأعمالهم في جو من الصداقة والأخوة التي تربط بين جميع أهالي الكويت، وتساعد على إيجاد الظروف والأسباب لنشر شعور الاطمئنان والرضا بين الجميع»... هذه العبارة وردت في خطاب جوابي من أمير الكويت الراحل المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح سنة 1960 لقداسة البابا كيرلس السادس في خطاب سموه الجوابي على طلب البابا كيرلس بالتصريح لبناء كنيسة في الكويت، وبقية القصة معروفة، إذ انتهى الأمر بتشييد كنيسة قبطية في الكويت، لتكون الأولى خارج مصر، فسبقت الكويت كل الدول الأوروبية والأميركية في ذلك. إذن ذلك التسامح والتآخي والسماح بالحريات الدينية إنما هي جينات متأصلة في آل الصباح الكرام، وفي قيادات الكويت وشعبها. وأكد أن كثيرين ممن شرفونا من كبار الدبلوماسيين والسياسيين وعلقوا على جمال الكنيسة وسعتها قولنا لهم: إنه جمال الكويت، وأكرر كذلك أنه حينما سألني أحد الدبلوماسيين عما إذا كنا نحتاج إلى واسطة في الكويت، فأجبته بسؤال: هل يحتاج الإخوة إلى واسطة؟ إننا في بيتنا وبين أهلنا، وما نطلبه نأخذ أكثر منه. زيارات • في زيارته السابقة التقى نيافة الأنبا انطونيوس مطران الكرسي الأورشليمي والشرق الأدنى سمو أمير البلاد، فماذا عن هذه الزيارة؟ - زيارة نيافة الدكتور الأنبا أنطونيوس لسمو أمير البلاد كانت زيارة تعارف، قدم فيها نيافته لصاحب السمو الشكر الكثير على مشاعر سموه وسماحته ومؤازرته للجميع، وبلا استثناء، بروح الحب والود والانفتاح والتسامح والشعور بالآخر. وفي الحقيقة يصعب علينا أن نحصى مناقب صاحب السمو ومآثره، وما قدمه ويقدمه للكويت ولمصر وللجميع. كما حمل نيافة الدكتور الأنبا أنطونيوس شكرا خاصا من قداسة البابا تواضروس على دعوة سموه لقداسته لزيارة الكويت. ومعروف عن قداسة البابا أنه يعبر دائما عن محبته للكويت، وتمنياته زيارتها ومقابلة صاحب السمو، الذي يعرفه قبل أن يتعرف إليه، ويسمع عنه قبل أن يستمع إليه، وأيضا لكي يرى بنفسه شعب الكويت المحب المتسامح المضياف. وخلال الأيام السابقة سعدنا بزيارة نيافة الدكتور الأنبا أنطونيوس في زيارة رعوية أخرى جديدة، حيث جاء خصيصا كي يهنئ الكويت وشعبها والمصريين المقيمين فيها بمناسبة السنة الميلادية الجديدة، وقضى ليلة رأس السنة في التسبيح والصلاة من أجل الكويت ومصر ومن أجل سلام العالم ورخائه وهدوئه، وهنأ الجميع بالعام الجديد، داعيا أن يكون عام خير وبركة وسلام على المسكونة كلها. تدابير أمنية • مع اقتراب "ليلة العيد"، هل طلبتم إجراءات استثنائية من الداخلية الكويتية؟ - لم يحدث أن تقدمنا بمثل هذا الطلب، لكن وزارة الداخلية مشكورة تبادر باتخاذ إجراءاتها الأمنية، فالكويت دوما تقدم دون أن نطلب. ولعلها مناسبة أن أوجه شكرا مستحقا لرجال الداخلية وقياداتها، وعلى رأسها نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الفريق خالد الجراح، وإلى الوزراء السابقين لهذا القطاع الأمني المهم. والشكر أيضا إلى قيادات قطاعات الوزارة السابقين والحاليين، وأخص بالشكر وكيل الوزارة الفريق سليمان الفهد، وجميع المسؤولين في كل قطاعات الوزراة ورجالات الشرطة والمرور والأمن العام. ونقدر باعتزاز بالغ ما يقومون به من جهد طيب وتعامل راق في احتفالاتنا ومناسباتنا. ولا يمكن هنا أن أغفل عن شكر محافظ ومدير أمن حولي ومحافظ ومدير أمن الأحمدي، وكل من يشاركنا هذه المناسبات من الوزراء والشيوخ والمحافظين وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين في الكويت. والشكر الوافر أيضا لكل شعب الكويت الأصيل، وبالأكثر الأم المثالية الشيخة فريحة الأحمد. ولا أنسى أن أقدم شكرا خاصا لقطاع النقل العام، الذي يقدم لنا خدمات مهمة في مناسبات الأعياد. قداس العيد مساء الجمعة واستقبال المهنئين السبت قال القمص بيجول إن كاتدرائية مارمرقس للأقباط الأرثوذكس في منطقة حولي سوف تقيم قداس عيد الميلاد المجيد مساء الجمعة 6 يناير من الساعة التاسعة مساء، بينما ستستقبل المهنئين بالعيد صباح السبت 7 يناير من الساعة التاسعة صباحا حتى الواحدة ظهرا. وأضاف أنه يتقدم بالشكر الجزيل لجريدة «الجريدة» وجميع العاملين فيها. والشكر أيضا لقرائها وجمهورها الواسع. ولكل من يعمل باجتهاد من أجل رقي الإنسانية وتعافيها من أمراض الفقر والتخلف والتطرف. وتمنى أن يكون العام الجديد محملا بالأخبار السارة للجميع، مضيفاً بالقول: «لا ننسى أن بدايات السنين ونهاياتها لا تحمل في حد ذاتها عوامل تغيير حياتنا وواقعنا، فهي ليست إلا حسابات ترتبط بالشمس وحركة الأجرام، إنما الذي يحمل لنا التطور والتحسن والخير والسلام إنما هو عمل الإنسان وانطلاقاته الحضارية المؤكدة والمتجددة». وفي رده على سؤال حول كيفية أن يكون لرجل الدين دور في صناعة السلام، قال القمص بيجول: «نحن مسؤولون مع المسؤولين ودون أن يكلفنا أحد، أي بوازع داخلي، مسؤولون عن مساعدة المسؤولين في الإصلاح والتهذيب والتقويم، وتقديم النصح والإرشاد لكل من يصل إلينا أو نصل إليه لمصلحة البلاد والعباد، محبة في البلاد ومحبة في العباد». واضاف: «نحن مسؤولون أيضا كرجال دين أمام الله وأمام المجتمع وأمام ضمائرنا عن العيش في سلام وصنع السلام ونشره، فمهمتنا لا تقتصر على تأدية الشعائر الدينية فحسب، بل نحن مطالبون بأن نكون أداة سلام حقيقي، لأنه مكتوب "طوبى لصانعي السلام». فرجل الدين ينبغي أن يعطي المثال بحياته في سلام، وأن يصلي من أجل السلام، وأن يقوم بعمل توعية عن السلام، هذا الذي نرجوه للكويت ومصر والعالم الذي صار في أمسِّ الحاجة للسلام. وقال إن رجل الدين الذي يتسم بالحكمة والوقار ويحب السلام ومن قلبه، يستخدمه الله لنشر سلامه على الأرض، وهنا تحضرني كلمات قداسة البابا تواضروس حين أحرقت وهدمت نحو 75 كنيسة في أسبوع واحد، قال كلمته المأثورة: إن هدموا الكنائس، هنصلي مع اخوتنا المسلمين في المساجد، وإن هدموا المساجد هنصلي مع اخوتنا المسلمين في الشوارع. وحين اتصل بي الكثيرون من اخوتي المحبين، كويتيين ومصريين، يستنكرون ما حدث قلت وقتها: إن هدمت كنيسة اليوم تبنى غدا، أما المحبة لو هدمت، فمن الصعب بناؤها، ومن سوف يبنى الكنيسة؟ اخوتنا المسلمون سوف يبنونها، كما حدث في مصر، وإن لم يبنوا الكنيسة، فعلى الأقل يساهمون في بنائها.
مشاركة :