...لا أدري لماذا الناس تظلمنا دائماً؟! هكذا بدأ حواره معي، ولم أكن أصدق أني صادفت أخيراً أحد الحكام العرب بعد ثورات الربيع العربي في قهوة بسيطة بمنطقة بورصة في تركيا. لقد كان يرتدي ملابس متواضعة ويجلس جلسة أكثر تواضعاً مما جعلني أتجرأ وأسأله عن كل الأسئلة التي تفرقع في مخيلة الشعوب حول تصرفات الحكام العرب. فقلت له «أنتم لا تسمعون أصوات الجماهير وصراخهم وأحياناً تتخذون قرارات تعسفية في حقهم». نظر إليّ نظرة جعلتني أدعو الله ألا ينادي مساعده فيرميني من الجبل (فأرشق) في شجرة صنوبر ويصير حالي كحال سليمان الحلبي على الخازوق... ولكنه فجأة ابتسم وقال (إن الجماهير لا يعجبها العجب، أنتم تعتبرون قراراتنا التي نتخذها غير مدروسة، وتعتقدون أننا لا نسمع أصواتكم عندما تنفجرون صراخاً ولكننا في الواقع نسمعها و(نطنش) لأنه بالتأكيد كل قرار نتخذه يُرضي فريقاً ويغضب فريقاً آخر، ثم إن الناس تعتقد أنها تفهم في كل شيء وهذا مضر جداً). ولا أدري لماذا شعرت أنه يقصدني أنا بالتحديد بعبارة (الناس تعتقد أنها تفهم في كل شيء)... فساد الصمت بيننا. وبعد أن وضع الجرسون القهوة أمامنا رفعت بصري في وجهه ثم قلت له بصوت حازم (البعض يعتقد أنكم تأخذون الرشاوى وتعقدون الصفقات وتبنون ثروات من الغش والفساد... فما رأيك؟) ارتشف رشفة من القهوة ثم أتبعها بثانية وثالثة ثم قال (الجماهير تسبنا بأسوأ وأقذع أنواع السباب، ولكن قلبنا كبير ويتسع الجميع، إن غاية الحكام هي العدل والإحسان والمساواة والحفاظ على النظام من دون تحيز لأحد على حساب أحد آخر أو فريق على حساب آخر). سلمت عليه وعلى مساعده ثم انصرفت إلى طاولتي وهناك سألتني ابنتي (يبا... منو هذا ؟) فقلت لها إنه أحد الحكام العرب الذين يحكمون بين الناس. فاندهشت وقالت (هل كنت تجلس مع حاكم عربي؟)، قلت (لا يا عزيزتي... هذا ليس حاكماً عربياً هذا حكم عربي ودولي يحكم في ملاعب الكرة، وليس في الدول والسياسة وهذا مساعده حكم الراية... ولو كان حاكماً عربياً لكنتِ وجدتني الآن (راشقا) في شجرة الصنوبر أسفل الجبل بعد أول سؤال سألته). **** قصة قصيرة: كان يعمل طبيباً، ولأنه كان طليق اللسان ساحر البيان فقد أوكل إليه كتابة الدستور الجديد لجمهوريات الموز... وقد نجح في صياغة المادة الأولى بطريقة علمية (بما أن الطب الحديث اكتشف أن الإنسان يستطيع أن يعيش بكلية واحدة ورئة واحدة طوال عمره فلماذا لا يعيش بزعيم واحد؟). كاتب كويتي moh1alatwan@
مشاركة :