لندن: «الشرق الأوسط» يوما بعد آخر تزداد صعوبة التنقل والحركة داخل العاصمة دمشق، فعدا تقطيعها إلى مربعات أمنية بأكثر من ثلاثمائة حاجز، يأتي شح البنزين وارتفاع أسعاره الذي رفع أجور النقل الداخلي إلى مستويات خيالية لم يتقبلها السوريون بعد؛ إذ تلتهم الجزء الأكبر من مداخيلهم المحدودة. سامر، صاحب مكتب إعلانات ويشكو من تراجع عمله، لا يستخدم سيارته في التنقل داخل المدينة بسبب الازدحام الخانق الناجم عن كثرة الحواجز، ويقول: «أغلب تنقلاتي داخل المدينة أقضيها سيرا على الأقدام». إلا أنه يحتاج في بعض الأحيان إلى استخدام تاكسي فيفاجأ في كل مرة بالتسعيرة التي يحددها السائق «مزاجيا». ويقول: «آخر مرة طلب مني سائق التاكسي 400 ليرة لقاء نقلي من ساحة التحرير إلى السبع بحرات، كدت أفقد صوابي لأنها مسافة شارع واحد وسط المدينة، إذا مشيتها فلا أحتاج إلى أكثر من عشرين دقيقة. وسابقا لم يكن أجر هذه المسافة يتجاوز الأربعين ليرة» (الدولار يعادل 160 ليرة) لذا قرر سامر أن يقتني دراجة هوائية للمسافات الطويلة. أما نبال، وهي موظفة حكومية تسكن في حي المهاجرين ومقر عملها في المزة، فتقضي كل يوم ساعة ونصفا ذهابا للعمل وساعتين وأحيانا ثلاثا في الإياب بسبب الازدحام عند انصراف الموظفين واختناق حركة السير، كما أن معظم حافلات النقل الداخلي باتت تختصر خط سيرها هربا من الازدحام والحواجز الصعبة، الأمر الذي يضطر نبال إلى تبديل الحافلة مرتين أو ثلاث مرات. وتتجنب قدر الإمكان استخدام تاكسي لأن ذلك يعني دفع ما لا يقل عن خمسمائة ليرة، وهذا من شأنه أن يقضي على راتبها بالكامل. وتقول: «الطرقات تلتهم الوقت والمواصلات تلتهم الراتب». راضي، من سكان الدويلعة ومكان عمله في التجهيز وسط العاصمة، يسير على قدميه إلى باب توما (شرق دمشق) ومن هناك يستقل حافلة إلى السبع بحرات ثم يعود ليكمل المسافة المتبقية سيرا على الأقدام. ويضحك وهو يؤكد: «وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، أزمة السير والتنقل فرضت على السوريين ممارسة الرياضة الإلزامية». بدورها تقول ميرنا، طالبة جامعية تعيش في شرق حي التجارة المدينة وما تزال تأخذ مصروفها من أهلها، إنها تلجأ للتاكسي أحيانا لكن في كل مرة هناك شجار مع السائق بسبب الأجرة. وتضيف: «لا أصعد التاكسي قبل الاتفاق على الأجرة، فالسائق يحدد السعر ليس بحسب المسافة بل بحسب عدد الحواجز وخطورة الطريق، لذا أجد صعوبة كبيرة في إقناع سائق تاكسي بأن ينقلني إلى حي التجارة، وغالبا يطلبون 600 ليرة أو أكثر. آخر مرة رضخت للأمر الواقع ولم أتفق على الأجر سلفا، وعندما وصلت طلب السائق ألف ليرة كدت أفقد عقلي فما أحمله من مال لا يتجاوز 800 ليرة وبعد مشاجرة كاد يتدخل فيها أحد الجنود على الحاجز القريب قبل يأخذ 600 ليرة». سائق التاكسي أحمد دافع عن زملائه بأن الأحوال لم تعد كالسابق وسعر البنزين ارتفع كثيرا، كما أن الوقوف والانتظار لساعات على الحواجز يلحق أضرارا بمحركات السيارات، تكلف الكثير لصيانتها بعد ارتفاع أسعار قطع الغيار، ويقول: «هذه المهنة لم تعد مجدية، ولولا انعدام فرص العمل ما اشتغل أحد بها». الأسباب ذاتها يكررها سائقو التاكسي وحافلات النقل الداخلي على أسماع الركاب يوميا. ويقول عبادة: «بت أكره أي حديث مع سائق تاكسي أو سرفيس لأنه سيبدأ بتبرير عملية سرقته لك بحجج جميعها واقعية». فالسعر الحكومي للتر المازوت 60 ليرة، وفي السوق السوداء اللتر بـ100 ليرة، والوقت الذي تستغرقه الرحلة الواحدة تصل إلى ساعتين ونصف، وما تزال التسعيرة التي حددتها الحكومة للنقل غير منصفة، لأنها لا تراعي واقع الأسعار الحقيقية وإنما الأسعار الافتراضية التي تحددها. ويوجد في دمشق 13 ألف حافلة نقل داخلي تابعة للقطاع الخاص، لا يعمل منها حاليا سوى ثلاثة آلاف حافلة بالخدمة، فيما خرجت «شركة النقل الداخلي» الحكومية من الخدمة، باستثناء خط أو اثنين داخل المدينة. وتصر الحكومة على أن التعرفة التي حددتها للنقل الداخلي مدروسة بعناية، ولا ترى في رفع السائقين للأجور سوى جشع واستغلال للأزمة. وكانت محافظة دمشق أعلنت البدء بدراسة حلول لهذه الأزمة وكيفية تطبيق تجربة «تاكسي سرفيس»، بدءا من الشهر المقبل، على 12 خطا ضمن مدينة دمشق، مخصصة لسيارات التاكسي في دمشق لحل مشكلة نقص الحافلات وارتفاع أجور التاكسي.
مشاركة :