لنصفق معاً وبيد واحدة متفائلة للعام الجديد 2017، فشروطه الواضحة في بلادنا -وكما أراها اليوم- هو الانفتاح المتوازن على المستوى الفردي والاجتماعي، وقبول الاختلاف بقبول النماذج المختلفة؛ فردية أو جماعية، أو بقبول الآخر ملة أو ديناً أو منطقة أو لوناً أو اتجاهاً، طالما لا يهدد الأمن الشخصي والاجتماعي. كان من المدهش لي مثلاً وأنا من سكان الرياض الذين يقطعون شوارعها يومياً أن أجد امرأة مبرقعة لوحدها في منطقة البجيري (في الدرعية القديمة)، وقد فرشت سجادتها على الأرض وأحضرت المركا والقهوة وأولادها يلعبون حولها، فيما تتناثر سجادات العائلات الأخرى عن اليمن واليسار، والمتنزهون والمتسوقون حولها دون أن يحدث ذلك أي ضجيج في الموقف مثل أن تحدث معاكسة أو ارتباك، وهذا مؤشر قوي على تغير قيمي جاء في وقته لمجتمع اعتاد أن يخفي نساءه ويتوجس دائماً من الغريب، فتجد رب العائلة في كل منتزه أو شاطئي أو بر، يبحث عن أبعد نقطة ممكنة ليسمح لعائلته بمغادرة السيارة، ثم يضع ستارة تحوط العائلة خوفاً من انكشاف محارمه، في حين تكشف ابنته أو زوجته عن وجهها حين تسافر خارج السعودية. اليوم لم تعد ابنته الشابة مضطرة إلى تبني شخصيات متنافرة حتى لا يقبض عليها رجال الحسبة أو يحكم عليها المجتمع بأنها (لا تحترم تقاليده) إذ تستطيع ومع والدها ومع صديقاتها أن تكشف وجهها إذا أرادت أو أن تغطيه تماماً، لكن هذا لن يسمح لأي جهة أن تقبض عليها متلبسة بجرم (الجراءة والتحرر). هناك أيضاً دفع من قبل مؤسسات البلاد على اختلافها لتشجيع المواهب الشابة في مختلف المناحي كالخطابة والرياضيات والفنون والرياضة البدنية وغيرها من أنشطة فنية وأكاديمية وتعليمية واقتصادية، وهو ما سيسمح بامتصاص الطاقة الشابة للذكور والإناث على حد سواء، بطريقة إيجابية تطور المواهب والنزعات الفردية وتغير المناخ الاجتماعي، ليصبح أكثر راحة وقبولاً، بخلاف فكر التوجس والريبة الذي زرعته مناخات الصحوة في أرجاء مدننا ومؤسساتنا التعليمية والوظيفية والثقافية طوال السنوات الثلاثين الماضية. لنتوقف عند جملة الحزم الاقتصادية (القاسية) التي ستفرضها المرحلة المقبلة، ولنرَ كيف ستدفع قسراً بالسلوك الفردي والاجتماعي إلى التغيير، لن نجد موائد العشاء المبالغ فيها من حيث الكميات والأنواع الباذخة مفروشة بنفس القدر الذي دفع دولة كالمملكة إلى استيراد ضعفي ما تحتاج إليه فعليا من الأرز كل عام، بسبب عادات اجتماعية اعتادت أن ترى في الطبق أضعاف أضعاف ما يمكن لها أن تستهلكه، كما سيفكر المرء كثيراً باستخدامات الجوال والكهرباء ومشاوير السيارة ليستعيض عنها بالمواصلات العامة، مما يعني تناقصاً تدريجياً لاستخدامات الطاقة في بلادنا التي شهدت ارتفاعات قياسية فاقت كل المعدلات العالمية. السؤال الذي يؤرقني دائماً هو: من يسمعنا؟ من الذي يشاركنا فعلاً الشعور والممارسة لهذه التغيرات، لذا هو مستعد للمشاركة في تجديف قارب الوطن الشاب ومن هو على الجانب ولا يعنيه؟ ومن هو الذي يشعر بالإهمال؟ ومن الذي يشعر بالإقصاء المتعمد؟ أسئلة مهمة يجب أن نجيب عنها لأنها تحدد الشرائح الأكثر أهمية التي يحب أن نصل إليها في مشروعنا لمزيد من الانفتاح والمشاركة الشابة. جميل أن نرى قافلة الفن أو شارع الرسم في جدة أو الدمام أو شارع التحلية في الرياض، لكن الأجمل والأكثر أهمية هم أولئك المنسيون في القرى البعيدة والأرياف وعلى أطراف المناطق حتى داخل المدن الكبيرة وهي المناطق التي تئن ليس من الفقر فقط بل من انتشار الجريمة أو المخدرات، وتعاني من قلة الخدمات وسوئها إن وجدت، وهنا يمكن للإرهاب أن يطل برأسه القبيح ليستغل شعور الشباب واحتياجاتهم المهملة، فيسهل عليه أن يطويهم تحت جناحه. لا يمكن لهذه التوجهات الشابة النشطة في بلادنا التي يقودها ولي ولي العهد لتحقيق رؤية المملكة للتحول أن تحقق أهدافها لمزيد من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ومن تأكيد على الهوية السعودية والعربية والاسلامية إلا بمزيد من العناية بالشباب وباحتياجات الفئات المختلفة والطبقات الاجتماعية في كل المناطق، والأكثر أهمية هم أولئك الأكثر فقراً وحاجة. نحن جميعا مهمون واحتياجاتنا كما سنراها دائماً تمثل أولوية، لكن الفقير أو الضائع أو المريض أو المحتاج أو العاجز والبعيد عن المناطق الرئيسية هو الأحق بالخدمة حتى نخوض عباب التجربة الصاخبة بسلام. حفظ الله هذا الوطن آمناً مستقراً.
مشاركة :